سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
السابعة : سئل الغزالي عن معنى قوله تعالى : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [النساء - 82] .

فأجاب : الاختلاف لفظ مشترك بين معان ، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه ، بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن ، يقال : هذا كلام مختلف ، أي لا يشبه أوله آخره في الفصاحة ، أو هو مختلف الدعوى ، أي بعضه يدعو إلى الدين ، وبعضه يدعو إلى الدنيا ، وهو مختلف النظم ، فبعضه على وزن الشعر ، وبعضه منزحف ، وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة ، وبعضه على أسلوب يخالفه ، وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات ، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله آخره ، وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة ، فليس يشتمل على الغث والسمين ، ومسوق لمعنى واحد ، وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى ، وصرفهم عن الدنيا إلى الدين ، وكلام الآدميين تتطرق إليه هذه الاختلافات إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه ، وجد فيه اختلاف في منهاج النظم ، ثم اختلاف في درجات الفصاحة ، بل في أصل الفصاحة . [ ص: 427 ]

حتى يشتمل على الغث والسمين ، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان ، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة ، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة ، لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون ، فتارة يمدحون الدنيا ، وتارة يذمونها ، وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما ، وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا ، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة ، وتارة يذمونها ويسمونها تهورا ، ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الاختلافات ، لأن منشأها اختلاف الأغراض والأحوال ، والإنسان تختلف أحواله فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه ، وتتعذر عليه عند الانقباض ، وكذلك تختلف أغراضه ، فيميل إلى الشيء مرة ، ويميل عنه أخرى ، فيوجب ذلك اختلافا في كلامه بالضرورة ، فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة- وهي مدة نزول القرآن- فيتكلم على غرض واحد ومنهاج واحد ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بشرا تختلف أحواله . فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية