سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب التاسع والعشرون في إخباره صلى الله عليه وسلم بحال أبي ذر رضي الله تعالى عنه

روى أحمد بن منيع وابن حبان ، والنسائي في الكبرى وابن ماجه مختصرا عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يا أبا ذر ، كيف تصنع ، إن أخرجت من المدينة ؟ » قال :

للسعة والدعة إلى مكة فأكون حمامة من حمام مكة ، قال : «فكيف تصنع إذا أخرجت من مكة ؟ » قال : للسعة والدعة ، إلى الشام والأرض المقدسة ، قال : «فكيف تصنع إذا أخرجت من الشام ؟ » قال : قلت : والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأقاتل حتى أموت قال : «أو خير من ذلك ؟ تسمع وتطيع وإن كان عبدا حبشيا»
.

وروى الإمام أحمد عنه قال : بينا أنا نائم في المسجد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فضربني برجله وقال : «ألا أراك نائما فيه ؟ » قلت : يا نبي الله ، غلبتني عيني . قال : «كيف تصنع إذا أخرجت منه» ، قال : آتي الشام والأرض المقدسة . قال : «فكيف تصنع إذا أخرجت منه» قال : ما أصنع يا نبي الله أضرب بسيفي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ألا أدلك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشدا تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك» قال أبو ذر : والله ، لألقين الله ، وأنا سامع مطيع لعثمان .

وروى الإمام أحمد وإسحاق عن القرظي رحمه الله تعالى قال : خرج أبو ذر رضي الله عنه إلى الربذة فأصابه قدره ، فأوصاهم أن غسلوني وكفنوني ، ثم ضعوني على قارعة الطريق ، فأول ركب يمرون بكم فقولوا : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على غسله ودفنه ففعلوا ، فأقبل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في ركب من العراق ، وقد وضعت الجنازة على قارعة الطريق ،

فقام عليه غلام ، فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فبكى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «تمشي وحدك ، وتموت وحدك وتبعث وحدك»
.

وروى الإمام أحمد عن مجاهد عن إبراهيم يعني ابن الأشتر عن أبيه قال : إن أبا ذر حضره الموت ، وهو بالربذة ، فبكت امرأته ، قال : ما يبكيك ؟ قالت : وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض وليس عندي ثوب يسع لك كفنا فقال : لا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض فيشهده عصابة من المؤمنين» ،

فكل من كان معي (في المجلس ) مات في جماعة وقرية فلم يبق منهم غيري ، وقد [ ص: 103 ] أصبحت بفلاة أموت فراقبي الطريق ، فإنك سوف ترين ما أقول ، فإني والله ما كذبت ، ولا كذبت ، قالت : أنى وقد انقطع الحاج ، قال : راقبي الطريق ، قال : فبينا هي كذلك ، إذا هي بقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم على رحالهم ، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها ، فقالوا : مالك ؟

قالت : امرؤ من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه قالوا : ومن هو ؟ قالت : أبو ذر ، فغدوه بإبلهم ووضعوا السياط في نحورها يبتدرونه ، قال : أبشروا ، فأنتم الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ما قال : ثم أصبحت اليوم حيث ترون ، ولو أن لي ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه ، فأنشدكم الله لا يكفنني رجل منكم كان عريفا أو أميرا أو بريدا ، فكل القوم قد نال من ذلك إلا فتى من الأنصار ، وكان مع القوم ، قال : أنا أكفنك في ردائي هذا الذي علي وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي ، قال : أنت فكفني .


وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا ذر ، إني أراك منفيا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم» .

وروى أبو داود والطيالسي وابن أبي شيبة ومسلم وابن سعد وابن خزيمة وأبو عوانة والحاكم عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا ذر ، إنك ضعيف ، وإنها أمانة ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها» .

التالي السابق


الخدمات العلمية