سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
السادس : في ادعائه إذا خرج الصلاح ثم ادعائه النبوة ثم الربوبية

روى الطبراني بسند واه عن عبد الله بن معتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن الدجال ليس به خفاء ، إنه يجيء من قبل المشرق ، فيدعو لي فيتبع ، وينصب للناس فيقاتلهم ويقاتلونه ، فيظهر عليهم ، فلا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة ، فيظهر دين الله ويعمل به ، فيتبع ويحب على ذلك ، ثم يقول بعد ذلك إني نبي ، فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه ، فيمكث بعد ذلك حتى يقول : أنا الله فتغشى عينه ، وتقطع أذنه ، ويكتب بين عينيه كافر ، فلا يخفى على كل مسلم ، فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان» . الحديث .

السابع : في أنه يطأ الأرض كلها إلا مكة والمدينة وبيت المقدس والطور .

روى أبو داود الطيالسي والإمام أحمد وأبو داود وأبو يعلى وأبو عوانة والحاكم والضياء المقدسي في المختارة عن حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يخرج الدجال معه نهر ماء ونار ، فمن دخل نهره وجب وزره وحط أجره ، ومن دخل ناره ، وجب أجره وحط وزره» قال : قلت : ثم ماذا ؟ قال : «ثم ينتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة» .

وروى الإمام أحمد وابن خزيمة وأبو يعلى والحاكم والضياء عن جابر رضي الله عنه أن [ ص: 178 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يخرج الدجال في خفة من الدين وإدبار من العلم ، وله أربعون يوما يسيحها في الأرض ، اليوم منها كالسنة ، واليوم منها كالشهر ، واليوم منها كالجمعة ، ثم سائر أيامه كأيامكم هذه ، وله حمار يركبه ، عرض ما بين أذنيه أربعون ذراعا ، فيقول للناس : أنا ربكم ، وهو أعور ، وإن ربكم ليس بأعور ، مكتوب بين عينيه (ك ف ر ) يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب ، يمر بكل ماء ومنهل إلا المدينة ومكة ، حرمهما الله عليه ، وقامت الملائكة بأبوابهما ، ومعه جبال من خبز ، والناس في جهد إلا من تبعه ، ومعه نهران أنا أعلم بهما منه ، نهر يقول له : الجنة ، ونهر يقول له : النار ، فمن أدخل الذي يقول : الجنة ، فهو النار ، ومن أدخل الذي يقول : النار ، فهو الجنة ، ويبعث الله معه شياطين تكلم الناس ، ومعه فتية عظيمة ، يأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس ، ويقتل نفسا ثم يحييها فيما يرى الناس لا يسلط على غيرها من الناس ، فيقول للناس :

أيها الناس ، هل يفعل مثل هذا إلا الرب ؟ فيفر المسلمون إلى جبل الدخان بالشام ، فيأتيهم فيحاصرهم فيشتد حصارهم ويجهدهم جهدا شديدا ، ثم
ينزل عيسى عليه السلام فينادي من السحر ، فيقول : يا أيها الناس ، ما يمنعكم أن تخرجوا إلى الكذاب الخبيث ؟ فيقولون : هذا رجل جني ، فإذا هم بعيسى ابن مريم عليه السلام فتقام الصلاة ، فيقال له : تقدم يا رسول الله وروح الله ، فيقول : ليتقدم إمامكم فليصل بكم ، فإذا صلى صلاة الصبح خرجوا إليه ، فحين يراه الكذاب ينماث كما ينماث الملح في الماء فيمشي إليه فيقتله ، حتى إن الشجرة والحجر ينادي : يا روح الله ، هذا يهودي ، فلا يترك ممن كان يتبعه أحدا إلا قتله»
.

وروى الإمام أحمد والشيخان والدارمي عن أنس بن مالك والطبراني عن عبد الله بن عمرو والطحاوي عن نجادة بن أبي أمية عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة» .

وقال الطبراني : إلا الكعبة وبيت المقدس ، وقال الطحاوي : ومسجد الطور ، وفي رواية : فلا يبقى موضع إلا ويأخذه غير مكة والمدينة وبيت المقدس وجبل الطور ، فإن الملائكة تطرده عن هذه المواضع ، وليس نقب من أنقابها- يعني المدينة- إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها فينزل بالسبخة فترجف المدينة ثلاث رجفات ، فيخرج إليه كل كافر ومنافق» . وفي رواية : «يجيء الدجال فيطأ الأرض إلا مكة والمدينة ، فيأتي المدينة ، فيجد عند كل نقب من أنقابها صفوفا من الملائكة ، فيأتي سبخة الجرف ، فيضرب رواقه ، فترجف المدينة ثلاث رجفات ، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة» . [ ص: 179 ]

وروى الإمام أحمد والبخاري والترمذي (وقال صحيح ) وأبو عوانة وابن حبان عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يأتي الدجال المدينة فيجد الملائكة يحرسونها فلا يدخلها الدجال ولا الطاعون إن شاء الله» .

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا يدخل المدينة المسيح ولا الطاعون» .

وروى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة» .

وروى ابن أبي شيبة والبخاري عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ، لها يومئذ سبعة أبواب ، على كل باب ملكان» .

وروى الزبير بن بكار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجمع السيول ، فقال : «ألا أخبركم بمنزل الدجال من المدينة ، ثم قال : هذا منزله ، يريد المدينة لا يستطيعها يجدها منتظمة بالملائكة ، على كل نقب من أنقابها ملك شاهر سلاحه لا يدخلها الدجال ولا الطاعون ، فتنزل بالمدينة وبأصحاب الدجال زلزلة لا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه ، وأكثر من تبعه النساء ، فلا يشهر الرجل منهن سيفه» .

قال السيد نور الدين رضي الله عنه : يستفاد من هذا الحديث أن المراد من قوله في الأحاديث المتقدمة : فترجف المدينة يعني بسبب الزلزلة لا يشكل بما تقدم من أنه لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال ، ويستغنى عما جمع به بعضهم من أن الرعب المنفي هو أن لا يجعل لمن بها بسبب قربه منها خوف أو هو عبارة عن غايته وهو غلبته عليها ، والمراد بالرجفة ساعة مجيئه ، وأنه لا طاقة لأحد به فيسارع حينئذ إليه من كان يوصف بالنفاق والفسق .

قال الحافظ : وما قدمناه أولى .

الثامن : في أحاديث جامعة لبيان حال الدجال .

وردت أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 180 ] مطولة ومختصرة ، وفي كل حديث ما ليس في الآخر ، فأدخلت بعضها في بعض ، ورتبت القصة على نسق واحد ، فأقول :

روى ابن أبي شيبة والإمام أحمد والطبراني وأبو عمر بن عبد البر في التمهيد عن سمرة بن جندب ، والطبراني عن عبد الله بن مغفل ، وأبو يعلى عن أبي سعيد ، والبزار بأسانيد حسنة ، وابن كثير عن جابر ، والطبراني من طريق آخر ، وأحمد بن حنبل وقاسم بن أصبغ من طريق آخر ، وأحمد والحاكم - بسند جيد- والطيالسي وأحمد وأبو القاسم والبغوي في معجمه عن سفينة ، والإمام أحمد والستة عن النواسي بن سمعان ، وابن ماجه وابن أبي عمر ، وتمام في فوائده ، والطبراني في المطولات عن أبي أسامة ، والطيالسي وعبد الرزاق والإمام أحمد والطبراني عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «والله ، لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا ، أحدهم الأعور الدجال ، ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى الشيخ من الأنصار ، وإنه متى يخرج» أو قال : «متى ما يخرج فإنه سوف يزعم أنه الله ، فمن آمن به وصدقه واتبعه فليس ينفعه صالح من عمل له سلف ، ومن كفر به وكذبه فليس يعاقب بشيء من عمل له سلف ، وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس ، ويحصره» وفي لفظ : «يحصر المؤمنين في بيت المقدس ، فيزلزلون زلزالا شديدا ، فيهزمه الله تعالى وجنوده ، ويهلكه الله تعالى ، حتى إن حرم الحائط أو أصل الشجرة ينادي : يا مؤمن ، هذا يهودي أو كافر مستتر بي فتعال فاقتله ، ولن يكون ذاك كذلك حتى تروا أمورا يتفاقم شأنها في أنفسكم ، فتتساءلون بينكم ، هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا ، وحتى تزول جبال عن مراتبها ، ثم على أثر ذلك القبض» وأشار بيده إلى الموت .

وروى الديلمي عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يخرج الدجال ومعه سبعون ألفا من الحاكة ، على مقدمته أشعر من فيهم ، يقول : بدو بدو» .

وروى مسلم وأبو يعلى عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يخرج الدجال فيتوجه قبله رجل من المؤمنين فتلقاه المسالح مسالح الدجال ، فيقولون له : أين تعمد ؟

فيقول : أعمد إلى هذا الذي خرج ، فيقولون : أوما تؤمن بربنا ؟ فيقول : ما بربنا خفاء ، فيقولون : اقتلوه ، فيقول بعضهم لبعض : أليس قد نهاكم ربكم أن تقتلوا أحدا دونه ، قال : فينطلقون به إلى الدجال ، فإذا رآه المؤمن ، قال : يا أيها الناس ، هذا الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر الدجال به فيشبح ، فيقول : خذوه وشجوه ، فيوسع ظهره وبطنه ضربا ، فيقول : أوما تؤمن بي ؟

فيقول : أنت المسيح الكذاب ، فيؤمر به فيؤشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه ، ثم يمشي الدجال بين القطيعتين ثم يقول له : قم ، فيستوي قائما ، ثم يقول له : أتؤمن بي ؟ فيقول : ما [ ص: 181 ]

ازددت فيك إلا بصيرة ، ثم يقول : يا أيها الناس ، إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس ، فيأخذه الدجال ليذبحه ، فيجعل ما بين رقبته إلى ترقوته نحاسا ، فلا يستطيع إليه سبيلا ، فيأخذه بيديه ورجليه فيقذف به فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار ، وإنما ألقى به في الجنة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين»
.

وروى الإمام أحمد ومسلم وأبو عوانة وابن حبان عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يتبع الدجال من يهودية أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة» .

وروى الإمام أحمد والشيخان ، وابن حبان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة ، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس ، فيقول : أشهد أنك الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه ، فيقول الدجال : أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته ، هل تشكون في الأمر ؟ فيقولون : لا ، فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه : والله ما كنت قط أشد بصيرة مني اليوم ، فيريد الدجال أن يقتله الثانية فلا يسلط عليه» .

التاسع : في من أشد الناس عليه .

روى البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني تميم ، فقال :

«هم ضخام الهام ثبت الأقدام ، أنصار الحق في آخر الزمان ، أشد قوما على الدجال» .

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن رجل من الصحابة رضي الله عنهم أن رجلا قال : أبطأ هؤلاء القوم بصدقاتهم ، فأقبلت نعم حمر وسود لبني تميم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

«هذه نعم قومي» ، ونال رجل من بني تميم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «لا تقل لبني تميم إلا خيرا ، فإنهم أطول الناس رماحا على الدجال»
. [ ص: 182 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية