سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
السادس : في خروجهم وكونه زمن عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم

روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة ، والإمام أحمد وابن ماجه وأبو يعلى وابن المنذر والحاكم- وصححه- عن أبي سعيد وابن جرير عنه من طريق آخر ، والإمام أحمد ومسلم والأربعة عن النواس بن سمعان ، وابن جرير عن حذيفة وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنهم موقوفا عليهما وله حكم المرفوع ، وابن جرير عن كعب الأحبار رضي الله عنه . قال الأربعة : الأول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في السد : «يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال الذي عليهم : ارجعوا فستخرقونه غدا ، قال : فيعيده الله كأشد ما كان» .

وفي حديث كعب ، قال : إذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج حفروا حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل ، قالوا : نجيء غدا فنخرج فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله تعالى كما كان ، فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم ، فإذا كان الليل قالوا : نجيء غدا ، فنخرج ، فيجيئون من الغد فيجدونه قد أعاده الله تعالى كما كان فيحفرونه حتى يسمع الذين يلونهم قرع فؤوسهم . انتهى ، وفي حديث أبي علي : فيلحسونه وقد جعلوه مثل قشر البيض .

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه حتى إذا بلغوا مدتهم ، وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس ، قال الذي عليهم : ستخرقونه غدا إن شاء الله تعالى ، واستثنى ، فيرجعون وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فيفر الناس منهم إلى حصونهم» .

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعا عند الحاكم ، بعد أن ذكر قتل عيسى عليه الصلاة والسلام للدجال وكسره الصليب ، وقتله الخنزير ووضعه الجزية ، قال : فبينما هم كذلك أخرج الله تعالى يأجوج ومأجوج .

وفي حديث النواس بن سمعان : فيوحي الله تعالى إلى عيسى ابن مريم أن قد أخرجت عبادا من عبادي ، لا بد أن تقاتلهم ، فحرز عبادي إلى الطور ، فيبعث الله تعالى يأجوج ومأجوج وهم كما قال الله تعالى : من كل حدب ينسلون [الأنبياء 96] فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ثم يمر آخرهم ، فيقول : لقد كان في هذه ماء ، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في لقيه ليلة الإسراء الأنبياء . [ ص: 187 ]

وقول عيسى عليه السلام ، فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون ، فيطوف بلادهم لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه .

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه فيسيرون إلى خراب الدنيا ، وتكون مقدمتهم بالشام ، وساقتهم بالعراق ، فيمرون بأنهار الدنيا ، فيشربون الفرات ودجلة وبحيرة طبرية .

وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه المرفوع : ويشربون مياه الأرض حتى إن أحدهم ليمر بالنهر ، فيشرب ما فيه حتى يتركوه يبسا ، حتى إن بعضهم من بعدهم ليمر بذلك النهر ، فيقولون : قد كان ها هنا مرة ماء .

وفي حديث كعب عند ابن جرير رضي الله عنه فتمر الزمرة الأولى بالبحيرة فيشربون ماءها ، ثم تمر الزمرة الثانية ، فيلحسون طينها ، ثم تمر الزمرة الثالثة ، فيقولون : قد كان ها هنا مرة ماء ، فيأتون بيت المقدس ، فيقولون : قد غلبنا أهل الدنيا ، فيرمون سهامهم في السماء ، وفي لفظ : بالنشاب إلى السماء ، فترجع سهامهم مخضبة بالدم ، وفي حديث أبي سعيد المرفوع رضي الله عنه ، حتى إذا لم يبق من الناس أحد إلا أخذ في حصن أو مدينة ، قال قائلهم : هؤلاء أهل الأرض ، قد فرغنا منهم ، وبقي أهل السماء ، فيهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء ، فترجع إليه مخضبة دما؛ للبلاء والفتنة .

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه فيقولون : قد قتلنا من في السماء .

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيقولون : قد قهرنا من في الأرض وعلونا ، وفي لفظ : وغلبنا من في السماء .

وفي حديث أبي سعيد عند أحمد بن منيع رضي الله عنهما : ثم يصبح يأجوج ومأجوج ، فيهلكون من في الأرض إلا من تعلق بحصن ، فلما فرغوا من أهل الأرض ، أقبل بعضهم على بعض ، فقالوا : إنما بقي من في الحصون ومن في السماء ، فيرمون سهامهم ، فخرت عليهم مخضوبة دما ، فقالوا : قد استرحتم ممن في السماء ، وبقي من في الحصون ، فحاصروهم ، حتى إذا اشتد عليهم البلاء والحصر .

وفي حديث النواس رضي الله عنه : ويحضر نبي الله عيسى ابن مريم عليه السلام وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مائة دينار لأحدكم اليوم ، فبينما هم كذلك إذ أرسل الله تعالى نغفا في أعناقهم فتهلكهم غير عيسى وأصحابه ، فيصبحون فرسى كموت نفس واحدة . [ ص: 188 ]

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه تدخل في مناخرهم ، فيصبحون موتى من حاق الشام إلى حاق المشرق ، حتى تنتن الأرض من جيفهم ، فو الذي نفسي بيده ، إن دواب الأرض تسمن وتئط وتسكر سكرا من لحومهم .

وفي حديث أبي سعيد عند أبي يعلى والحاكم رضي الله عنه فقال رجل : قتلهم الله ورب الكعبة ، قال : إنما يفعلون هذا مخادعة ، فنخرج إليهم فيهلكوننا كما أهلكوا إخواننا ، فقال : افتحوا لي الباب ، فقالوا : لا نفتح ، فقال : دلوني بحبل ، فلما نزل وجدهم موتى ، فخرج الناس من حصونهم .

وفي حديث النواس رضي الله عنه فيهبط نبي الله عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى الأرض ، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم ، فيرغب عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى فيرسل عليهم طيرا كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم ، حيث شاء الله ، ويستوقد الناس من قسيهم ونشابهم سبعا ، ويرسل الله تعالى مطرا ، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر ، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ، ويقال للأرض : أنبتي ثمرتك ، وفي حديث أبي سعيد عند ابن جرير رضي الله عنه : ويغرس الناس بعد النخل والشجر ، وتخرج الأرض ثمرتها .

وفي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الناس يغرسون بعدهم الغرس ويتخذون الأموال ، فيومئذ يأكل النفر من الرمانة ، ويستظلون بقحفها ، ويبارك في الرسل ، حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس ، واللقحة من البقر تكفي القبيلة من الناس ، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس ، فبينما هم على ذلك إذ بعث الله ريحا طيبة تحت آباطهم ، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ، ويبقى شرار الناس ، فيتهارجون تهارج الحمر ، فعليهم تقوم الساعة» .

وفي حديث كعب عند ابن جرير رضي الله عنه : ويبعث الله عينا يقال لها الحياة تطهر الأرض منهم ، وينبتها حتى إن الرمانة ليشبع منها السكن ، قيل : وما السكن يا كعب ؟ قال : أهل البيت ، قال : فبينما الناس على ذلك إذ أتاهم الصرايخ أن ذا السويقتين أتى البيت يريده ، فيبعث عيسى ابن مريم عليه السلام طليعة سبعمائة أو بين سبعمائة والثمانمائة ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله تعالى ريحا يمانية طيبة فتقبض فيها روح كل مؤمن ، ثم يبقى محاح من الناس فيتسافدون كما تتسافد البهائم ، فمثل الساعة كمثل رجل يطيف حول فرسه ينظرها متى تقنع . [ ص: 189 ]

وفي حديث حذيفة رضي الله عنه عند ابن جرير رضي الله عنه فعند ذلك تطلع الشمس من مغربها .

وروى ابن المنذر عن كعب رضي الله عنه قال : عرض أسكفة يأجوج ومأجوج التي تفتح لهم أربعة وعشرون ذراعا تحفيها حوافر خيلهم ، والعليا اثنا عشر ذراعا تحفيها أسنة رماحهم .

الثامن : في حج الناس بعدهم .

روى عبد بن حميد برجال ثقات عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «أن الناس يحجون ويعتمرون ، ويغرسون النخل بعد يأجوج ومأجوج» ورواه البخاري في صحيحه دون قوله : «ويغرسون النخل» والحاكم ، ولفظه : «ليحجن البيت ، وليعتمرن بعد يأجوج ومأجوج» ، والجمع بينهما أن يحج ويعتمر بعد ذلك ثم ينقطع الحج بمرة .

تنبيه : في بيان غريب ما سبق .

يأجوج : بمثناة تحتية وألف فجيمين بينهما واو ساكنة .

مأجوج : كذلك إلا أن أوله ميم مهموزين وغير مهموزين [يأجوج ومأجوج : هما قبيلتان من خلق الله تعالى] . [ ص: 190 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية