سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني في عصمته صلى الله عليه وسلم من أبي جهل

روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ، فقال : واللات والعزى ، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ، أو لأعفرن وجهه في التراب ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ، ويتقي بيديه ، فقيل له : ما لك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقا من نار ، وهولا ، وأجنحة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لو دنا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا» ، فأنزل الله تعالى : كلا إن الإنسان ليطغى إلى آخر السورة ، ورواه البخاري من حديث ابن عباس مختصرا .

وروى البزار والطبراني والحاكم وصححه عن العباس قال : كنت يوما جالسا في المسجد ، فأقبل أبو جهل ، فقال : إن لله علي إن رأيت محمدا ساجدا أن أطأ على رقبته ، فخرجت على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت عليه ، فأخبرته بقول أبي جهل ، فخرج غضبانا حتى أتى المسجد فعجل قبل أن يدخل من الباب ، فاقتحم الحائط ، فقلت : هذا يوم شر فاتزرت واتبعته .

وروى ابن إسحاق وأبو نعيم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال أبو جهل : يا معشر قريش ، إن محمدا قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وسب آلهتنا ، وإني لأعاهد الله لأجلسن له غدا بحجر ، فإذا سجد في صلاته فضحت به رأسه ، فليصنع بعد ذلك بنو عبد مناف ما بدا لهم ، فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينظرون ، فلما سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه ثم رجع ، منتقعا [ ص: 256 ]

لونه ، قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده ، فأتى قريشا ، فقالوا له : ما لك ؟ قال : لما قمت إليه عرض لي فحل من الإبل ، فوالله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ، ولا أنيابه لفحل قط ، فهم أن يأكلني ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ذاك جبريل ، لو دنا مني لأخذه»
.

وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : مر أبو جهل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فقال : ألم أنهك أن تصلي يا محمد ، لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني ، فانتهره النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال جبريل : فليدع ناديه سندع الزبانية ، فو الله لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية