سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الخامسة عشرة في نعت خلفائه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة .

روى ابن عساكر عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : خرجت إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت على شيخ من الأزد عالم ، قد قرأ [ ص: 279 ] الكتب ، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين ، فقال : أحسبك حرميا ؟ قلت : نعم ، وأحسبك قرشيا ؟ قلت : نعم ، قال : وأحسبك يتيما ؟ قلت : نعم ، قال : بقيت لي منك واحدة ، قلت : ما هي ؟ قال : تكشف عن بطنك ، قلت : ولم ذاك ؟ قال : أجد في العلم الصادق أن نبيا يبعث في الحرم يعاون عليه أمره ، فتى وكهلا ، فأما الفتى فخواض غمرات ، ودفاع معضلات ، وأما الكهل فأبيض نحيف على بطنه شامة وعلى فخذه اليسرى علامة ، وما عليك إلا أن تريني ، فقد تكاملت لي فيك الصفة ، إلا ما خفي علي . فقال أبو بكر الصديق : فكشفت له عن بطني فرأى شامة سوداء فوق سرتي ، فقال : أنت هو ، ورب الكعبة .

وروى ابن عساكر عن الربيع عن أنس رضي الله عنه قال : مكتوب في الكتاب الأول : مثل أبي بكر رضي الله عنه كمثل القطر أينما يقع نفع .

وروى ابن عساكر عن أبي بكر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل من أهل الكتاب : ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب ؟ قال : خليفة رسول الله وصديقه .

وروى الدينوري في المجالسة وابن عساكر من طريق زيد بن أسلم قال : أخبرنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : خرجت مع ناس من قريش ، في تجارة إلى الشام في الجاهلية فذكر قصته ، قال : فانتهيت إلى دير فاستظللت في ظله فخرج إلي رجل ، فقال : يا عبد الله ، ما يجلسك ها هنا ؟ قلت : أضللت عن أصحابي ، فجاءني بطعام وشراب ، وصعد في النظر وخفضه . ثم قال : يا هذا ، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أعلم مني بالكتاب ، وإني أجد صفتك التي تخرجنا من هذا الدير ، وتغلب على هذه البلدة ، قلت : أيها الرجل ، قد ذهبت في غير مذهب ، قال : ما اسمك ؟ قلت : عمر بن الخطاب ، قال : والله أنت صاحبنا ، فهو غير شك ، فاكتب لي على ديري وما فيه ، قلت : أيها الرجل ، قد صنعت معروفا ، فلا تكدره ، فقال : اكتب لي كتابا في رق كيس عليك فيه شيء ، فإن تك صاحبنا فهو ما نريد ، وإن تكن الأخرى ، فليس يضرك ، قلت : هات ، فكتبت له ثم ختمت عليه ، فلما قدم عمر الشام في خلافته ، أتاه ذلك الراهب ، وصاحب دير القدس بذلك الكتاب ، فلما رآه عمر تعجب منه ، وأنشأ يحدثنا حديثه ، فقال : أوف لي بشرطي ، فقال : ليس لعمر ولا لابن عمر منه شيء .

وروى ابن سعد عن ابن مسعود ، وعبد الله ابن الإمام أحمد ، في زوائد الزهد ، عن أبي عبيدة رضي الله عنهما قالا : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركض فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانكشف ثوبه عن فخذه ، فرأى أهل نجران أن بفخذه شامة سوداء ، فقالوا : هذا الذي نجد في كتابنا أنه يخرجنا من أرضنا ، وروى أبو نعيم من طريق شهر بن حوشب عن كعب ، قال : قلت لعمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام : إنه مكتوب في هذه الكتب ، إن [ ص: 280 ] هذه البلاد مفتوحة على يد رجل صالح من المؤمنين ، رحيم بهم ، شديد على الكافرين ، سره مثل علانيته ، وقوله لا يخالف فعله ، القريب والبعيد سواء في الحق عنده أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار ، متراحمون ، متواصلون ، متبارون ، قال عمر رضي الله عنه : أحق ما تقول ؟ قال : إي والله ، قال : الحمد لله الذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .

وروى ابن عساكر عن عبيد بن آدم ، وأبي مريم وأبي شعيب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية ، فقدم خالد بن الوليد إلى بيت المقدس قالوا : ما اسمك ؟ وما اسم صاحبك ؟ قال : عمر بن الخطاب ، قالوا : انعته لنا ، فنعته ، قالوا : أما أنت فلست تفتحها ، ولكن عمر؛ فإنا نجد في الكتب كل مدينة تفتح قبل الأخرى ، وكل رجل يفتحها نعته ، وإنا نجد في الكتاب قيسارية ، تفتح قبل بيت المقدس ، فاذهبوا فافتحوها ثم تعالوا بصاحبكم .

وروى ابن عساكر عن ابن سيرين رضي الله عنه قال : قال كعب لعمر : يا أمير المؤمنين ، هل ترى في منامك شيئا ؟ فانتهره ، فقال : أنا أجد رجلا يرى أمر الأمة في منامه .

وروى الطبراني وأبو نعيم عن مغيث الأوزاعي رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لكعب : كيف تجد نعتي في التوراة ؟ قال : خليفة قرن من حديد ، أمير شديد لا يخاف في الله لومة لائم ، ثم خليفة من بعدك تقتله أمة ظالمون له ، ثم يقع البلاء بعده .

وروى ابن عساكر عن الأقرع مؤذن عمر ، أن عمر رضي الله عنه دعا الأسقف ، فقال : هل تجدوننا في شيء من كتبكم ؟ قالوا : نجد صفتكم وأعمالكم ، ولا نجد أسماءكم ، قال : كيف تجدونني ؟ قالوا : قرنا من حديد ، قال : ما قرن من حديد ؟ قالوا : أمير شديد ، قال عمر : الله أكبر ، قال : والذي من بعدي ؟ قالوا : رجل صالح يؤثر أقرباءه ، قال عمر : يرحم الله ابن عفان ، فالذي من بعده ، قال : صداء حديد ، فقال عمر : وادفراه! قال : مهلا يا أمير المؤمنين ، فإنه رجل صالح ، ولكن تكون خلافته في هراقة من الدماء والسيف مسلول .

وروى إسحاق بن راهويه في مسنده بسند حسن عن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : كان عبد الله بن سلام قبل أن يأتي أهل مصر يدخل على رؤوس قريش ، فيقول لهم : لا تقتلوا هذا الرجل ، يعني عثمان ، فيقولون : والله ما نريد قتله ، فيخرج وهو يقول : والله ليقتلنه ، ثم قال لهم : لا تقتلوه ، فو الله ، ليموتن إلى أربعين يوما ، فأبوا؛ فخرج عليهم بعد أيام ، فقال لهم : لا تقتلوه ، فو الله ، ليموتن إلى خمس عشرة ليلة . انتهى .

وروى ابن سعد وابن عساكر عن طاوس ، قال : سئل عبد الله بن سلام ، حين قتل عثمان رضي الله عنه : كيف تجدون صفة عثمان في كتابكم ، قال : نجده يوم القيامة أميرا على القاتل والخاذل . [ ص: 281 ]

وروى أبو القاسم البغوي عن سعيد بن عبد العزيز رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قيل لذي قربات الحميري ، وكان من أعلم يهود : يا ذا قربات ، من بعده ؟ قال : الأمير ، يعني أبا بكر رضي الله عنه ، قيل : فمن بعده ؟ قال : قرنا من حديد ، يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيل : فمن بعده ؟ قال : الأزهر ، يعني عثمان رضي الله عنه ، قيل : فمن بعده ؟ قال : الوضاح المنصور ، يعني معاوية .

وروى إسحاق بن راهويه والطبراني عن عبد الله بن معقل رضي الله عنه قال : قال ابن سلام : لما قتل علي قال : هذا رأس الأربعين ، وسيكون عندها صلح .

وروى ابن سعد عن أبي صالح رضي الله عنه قال : كان الحادي يحدو بعثمان رضي الله عنه وهو يقول :

إن الأمير بعده علي وفي الزبير خلف مرضي فقال كعب : لا ، بل معاوية ، فأخذ معاوية بذلك ، وقال : يا أبا إسحاق ، أنى يكون هذا ، وها هنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علي والزبير ؟ قال : أنت صاحبها .

وروى الطبراني والبيهقي عن محمد بن يزيد الثقفي رضي الله عنه قال : اصطحب قيس بن خرشة ، وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين ، وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال : ليهراقن بهذه البقعة دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله ، فقال قيس : ما يدريك ، فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به ؟ فقال كعب : ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة .

وروى الحاكم عن عبيد الله بن الزبير رضي الله عنه أنه قال : لما أتي برأس المختار ، قال : ما حدثني كعب الأحبار بحديث إلا وجدت مصداقه إلا أنه حدثني أن رجلا من ثقيف سيقتلني ، قال الأعمش : ما درى أن الحجاج خبئ له .

وروى عبد الله ابن الإمام أحمد ، في زوائد الزهد ، عن هشام بن خالد الربعي رضي الله عنه قال : قد قرأت في التوراة أن السماء والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين سنة .

وروي أيضا عن محمد بن فضالة رضي الله عنه أن راهبا قال : إنا نجد عمر بن عبد العزيز من أئمة العدل موضع رجب من الأشهر الحرم .

وروي أيضا عن الوليد بن هشام بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط قال : نزلنا أرض كذا ، فقال رجل : ألا تسمع ما يقول هذا الراهب ؟ زعم أن سليمان بن عبد الملك توفي قال : فمن استخلف بعده ؟ قال : الأشج عمر بن عبد العزيز ، فلما قدمت الشام إذا هو كما قال ، فلما كان [ ص: 282 ] العام الرابع نزلنا ذلك المنزل ، فأتاه ذلك الرجل ، فقال : يا راهب ، الحديث الذي حدثتناه وقع ، كما قلت ، قال : فإنه والله ، إنه قد سقي عمر السم ، فأتيناه ، فوجدناه كذلك .

وروى ابن عساكر من طريق المغيرة بن النعمان عن رجل من أهل البصرة ، قال : خرجت أريد بيت المقدس ، فأواني المطر إلى صومعة راهب ، فأشرف علي ، فقال : إنا نجد في كتابنا أن قوما من أهل دينكم يقتلون بعذراء ، لا حساب عليهم ، ولا عذاب ، فما مكثت إلا يسيرا حتى جيء بحجر بن عدي وأصحابه ، فقتلوا بعذراء ، وروى البيهقي عن كعب : تظهر رايات سود لبني العباس ، حتى ينزلوا الشام ، ويقتل الله على أيديهم كل جبار وعدو لهم ، والآثار في هذا كثيرة .

السادسة عشرة وبشق الصدر في أحد القولين والأصح ، قلت : الراجح المشاركة ، فقد روى سعيد بن منصور وابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصة تابوت بني إسرائيل فيه سكينة من ربكم قال : طست من ذهب من الجنة ، كان يغسل فيها قلوب الأنبياء ، ورواه من طريق آخر عن السدي عن أبي مالك عن ابن عباس رضي الله عنه ولكن سند هذا الطريق ضعيف ، ولم أر لعدم المشاركة ما يعتمد عليه ببعض الفحص ، ولم يتعرض الشيخ في الكبرى لدلائل ما رجحه هنا ، وتقدم في شرح قصة المعراج ما يتعلق بشق الصدر أنه وقع أربع مرات فراجعه .

السادسة عشرة .

وتجعل خاتم النبوة يظهر بأن قلبه حيث يدخل الشيطان ، وقد أبيت القول في ذلك في شرح غريب قصة المعراج؛ فراجعه .

السابعة عشرة .

وبأنه له صلى الله عليه وسلم ألف اسم .

الثامنة عشرة .

وباشتقاق اسمه من اسم الله تعالى .

التاسعة عشرة .

وبأنه سمي من أسماء الله تعالى بنحو سبعين اسما ، وتقدم بيان ذلك في بيان أسمائه الشرعية .

التالي السابق


الخدمات العلمية