سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
العاشرة بعد المائة .

وبأنه نصر بالرعب مسيرة شهر أمامه وشهر خلفه .

الحادية عشر بعد المائة .

وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وفواتحه وخواتمه .

روى الشيخان عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه والطبراني عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي ، نصرت بالرعب مسيرة شهر» الحديث .

وروي أيضا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نصرت بالرعب وأوتيت جوامع الكلم» .

وروى الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنه قال : نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرعب على عدوه مسيرة شهرين .

وروي أيضا عن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نصرت بالرعب شهرا أمامي وشهرا خلفي» .

وروى الطبراني بسند حسن عن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما دفعت إليه قال : «أما إني سألت الله أن يعينني بالسنة تخيفكم ، وبالرعب أن يجعله في قلوبكم» قال : فقال بيديه جميعا : أما إني قد خلقت هذا ، وهكذا ألا أومن بك ، ولا أتبعك ، فما زالت السنة تخيفني وما زال الرعب يجعل في قلبي ، حتى قمت بين يديك [ ص: 316 ] [أفبالله الذي أرسلك ، أهو أرسلك بما تقول ؟ قال : «نعم » الحديث . وروى النسائي نحوه مختصرا .

وروى البزار برجال الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أتت الصباء الشمال ليلة الأحزاب ، فقالت : مري حتى تنصري رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت الشمال : إن الحرة لا تسري بالليل . . وتقدم الحديث في غزوة الخندق .

وقوله : «مسيرة شهر» مفهومه أنه لا يوجد لغيره النصر بالرعب في هذه المدة ولا في أكثر منها ، أما ما دونها فلا ، لكن في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن الإمام أحمد : «ونصرت على العدو بالرعب ، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر»

فالظاهر اختصاصه بها مطلقا .

وروى ابن أبي شيبة في مسنده ، وأبو يعلى عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعطيت فواتح الكلم ، وجوامعه وخواتمه» .

قال الحافظ : وإنما جعل الغاية شهرا؛ لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه أكثر منه .

وقال تلميذه الخضري : وهذا فيه نظر ، بل دعوته بلغت أطراف البلاد البعيدة مما مسيرته أكثر من شهر ، وكل من لم يجبه إلى الإسلام ، فهو عدوه ، اللهم إلا أن تحمل العداوة على من راسله واستمر على المخالفة والمنابذة . قلت : الظاهر أن مراد الحافظ بالعداوة هنا من تصدى لقتال ، والله تعالى أعلم .

وهذه الخصوصية حاصلة له صلى الله عليه وسلم على الإطلاق ، حتى لو كان وحده بغير عسكر ، ويرحم الله البوصيري حيث قال :


كأنه وهو فرد من جلالته في عسكر حين تلقاه وفي حشم

تنبيه :

في حديث جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما : مسيرة شهر ، وفي حديث لابن عباس : مسيرة شهرين ، والرواية الأولى مقدمة على الثانية بالصحة . قلت : لا مخالفة بينهما .

قال محمد بن شهاب الزهري : بلغني أن [إيتاءه صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم] أن جوامع الكلم أن يجمع الله تعالى له الأمور الكثيرة التي كانت تكتب في الكتب قبله في الأمر الواحد والأمرين ، وقال الهروي : هي القرآن ، جمع الله فيه الألفاظ الشهيرة من المعاني الكثيرة ، وكلامه صلى الله عليه وسلم كان بالجوامع قليل اللفظ كثير المعاني ، ومن تأمل الأحاديث الصحيحة ظهر له ذلك ، وقد ذكرت شيئا من ذلك في باب فصاحته صلى الله عليه وسلم .

قال الإمام القاضي أبو بكر محمد بن أبي الوليد أحمد بن عيسى بن حجاج الأشبيلي [ ص: 317 ] قاضي مراكش رحمه الله تعالى

قوله صلى الله عليه وسلم : «بين يدي»

يشعر أنه يريد إذا شرعت في حركة لعدو يقدمني الرعب إليهم ، وبيني وبينهم مسيرة شهر ، ولا شك أن كل متوجه لقتال قوم لا بد من وقوع خوف منه لأول سماعهم ، بتوجهه إليهم على مسيرة شهر ، أو على أكثر ، أو على أقل ، هذا الذي خص به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي يظهر والله تعالى أعلم أن الرعب اللاحق للمقصود على مراتب : رعب يلحق على البعد ، ورعب يلحق على القرب [ . . . . ] . ثم قال :

إن الرعب الذي يلحق بالمشاهدة يلحق من توجهه صلى الله عليه وسلم على مسيرة شهر ، ومن هنا يعرف حكمة التخصيص بشهر ، وذلك أن سليمان صلى الله عليه وسلم سخر له الجن والريح تجري به من غدوته وروحته مسيرة شهر ، فكان إذا توجه نحو عدو كانت مرحلته إليه مسيرة شهر لغيره ، فكان رعب المشاهدة يأتي منه على مسيرة شهر لقطعه إياه في الرحلة الواحدة ، فأعطي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رعب المشاهدة على مقدار تلك المسافة ، وإن لم يكن يلحق إياه بعد قطعها ، والله تعالى أعلم . انتهى كلامه ، وظاهر حديث السائب رضي الله عنه أن العدو الواحد لا يكون في جهتين بعيدتين ، وإنما يكون في إحدى الجهات ، إما أمامه أو خلفه فهو يرعب ولو لم يقابله ، فأطلق الشهر باعتبار إحدى الجهتين ، وكذا لو كانا عدوين في جهتين أمامه وخلفه؛ فالشهر نهاية مسافة الخوف ، ولم أر من نبه على هذا ، وهو بديع ، والله تعالى أعلم .

الثانية عشر بعد المائة .

وبأنه نصر بالصبا وأهلكت عاد بالدبور وكانت عذابا على من قبله ، كما رواه الإمام الشافعي .

روى الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أنس وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «نصرت بالصبا ، وأهلكت عاد بالدبور» .

الثالثة عشر بعد المائة .

وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي مفاتيح خزائن الأرض على فرس أبلق عليه قطيفة من سندس . عد هذه ابن عبد السلام رضي الله عنه .

الرابع عشر بعد المائة .

وبهبوط إسرافيل عليه ولم يهبط على أحد قبله . عد هذه ابن منيع رضي الله عنه .

روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بينما أنا نائم أوتيت بمفاتيح خزائن الأرض ، فوضعت بين يدي»

قال أبو هريرة : فقد ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تنتثلونها . [ ص: 318 ]

وروى الإمام أحمد وابن حبان عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوتيت مقاليد الدنيا على فرس أبلق ، جاء به جبريل عليه قطيفة من سندس» .

وروى الطبراني بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على الصفا فقال : «يا جبريل ، ما أمسى لآل محمد سفة من دقيق ولا كفة من سويق» ، فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هذه من السماء ، فأتاه إسرافيل فقال : إن الله سمع ما ذكرت فبعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض ، وأمرني أن أعرض عليك أسير معك جبال تهامة زمردا وياقوتا وذهبا وفضة ، فعلت : فإن شئت نبيا ملكا ، وإن شئت نبيا عبدا ، فأومأ إليه جبريل أن تواضع ، فقال : «بل نبيا عبدا» .

وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «لقد هبط علي ملك من السماء ما هبط على نبي قبلي ، ولا يهبط على أحد بعدي وهو إسرافيل ، فقال : أنا رسول ربك إليك ، أمرني أن أخيرك ، إن شئت نبيا عبدا ، وإن شئت نبيا ملكا ، فنظرت إلى جبريل ، فأومأ إلي أن تواضع ، فلو أني قلت : نبيا ملكا لسارت الجبال معي ذهبا» .

وسبقت أحاديث من هذا النمط في باب زهده صلى الله عليه وسلم . وقال الإمام الخطابي : المراد بخزائن الأرض ما فتح على الأمة من الغنائم من ذخائر كسرى وقيصر وغيرهما ، ويحتمل معادن الأرض التي فيها الذهب والفضة ، وقيل : يحمل على ما سواهم من ذلك . قلت : وهو أظهر ، والأحاديث تشعر به وقيل : المراد بمفاتيح خزائن الأرض بلادها التي ستفتح له ولأمته ويصل إليها دينه وشرعه ، فصار حكمه فيها كحكم الملك على ما تحت يده يتصرف فيها بأمر ربه تبارك وتعالى كيف أمره ، وقيل : أراد الله تعالى تنبيهه على ذلك وإعلامه بأن دينه سيبلغ مشارق الأرض ومغاربها ، وكذلك وقع ، ولله الحمد على ذلك ، وهذا معنى بديع يتعين اعتقاده ، وتكون الخصوصية له صلى الله عليه وسلم ، وهي أن بلاده التي تدخل في طاعته ، وتصير تحت حكمه تسلم مفاتيحها في يده عطية من الله تبارك وتعالى؛ ولذلك أخبر أمته صلى الله عليه وسلم بفتح كثير من البلاد كما تقدم في المعجزات .

الخامسة عشر بعد المائة :

وبأنه صلى الله عليه وسلم جمع له بين النبوة والسلطان .

عد هذه الغزالي رحمه الله تعالى ونصه لأجل اجتماع النبوة والملك والسلطنة لنبينا صلى الله عليه وسلم كان أفضل من سائر الأنبياء ، فإنه أكمل الله به صلاح الدين والدنيا ولم يكن السيف والملك لغيره من الأنبياء .

روى البيهقي عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق ، وأخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا [الإسراء 80] قال :

أخرجه من مكة مخرج صدق وأدخله المدينة مدخل صدق ، قال : وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا طاقة [ ص: 319 ] له بهذا الأمر إلا بسلطان ، فسأل سلطانا نصيرا لكتاب الله وحدوده وفرائضه ولإقامة كتاب الله ، فإن السلطان عزة من الله جعلها بين أظهر عباده ، لولا ذلك لأغار بعضهم على بعض ، وأكل شديدهم ضعيفهم ، قلت : وقد يشكل على كلام الغزالي .

السادسة عشر بعد المائة .

وبأنه صلى الله عليه وسلم أوتي علم كل شيء إلا الخمس .

روى الإمام أحمد والطبراني بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس : إن الله عنده علم الساعة [لقمان 34] الآية .

وروى الإمام أحمد وأبو يعلى عن ابن مسعود قال : أوتي نبيكم مفاتيح كل شيء غير الخمس ، إن الله عنده علم الساعة الآية . وروى الإمام أحمد وسعيد بن منصور والبخاري في الأدب عن ربعي بن حراش قال : حدثني رجل من بني عامر أنه قال : يا رسول الله ، هل بقي من العلم شيء لا تعلمه ؟ قال : «لقد علمني خيرا ، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله تعالى : الخمس : إن الله عنده علم الساعة الآية .

وروى الفريابي والشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : لا يعلم في غد إلا الله ، ولا متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا ما في الأرحام إلا الله ، ولا متى ينزل الغيث إلا الله ، وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ، وما تدري نفس ماذا تكسب إلا الله» .

السابعة عشر بعد المائة .

وبأنه أوتي علم الخمس وأمر بكتمها ، قاله بعضهم ، قلت : والأحاديث السابقة تبين أن ذلك خلاف الصواب؛ ولذلك سقتها .

الثامنة عشر بعد المائدة .

وبأنه صلى الله عليه وسلم اطلع على الروح فيما قاله بعضهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية