سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيه : توفي زيد قبل المبعث بخمس سنين وقريش تبني الكعبة .

تفسير الغريب

قرط : بضم القاف وإسكان الراء وبالطاء المهملة .

رياح : بالمثناة التحتية .

رزاح : روي بكسر الراء وبفتحها ، وبه جزم الدارقطني .

النجي : الجماعة يتحدثون سرا عن غيرهم ، ويقع للاثنين والجماعة بلفظ واحد . فقحنا :

بفاء فقاف مفتوحتين مشددة فحاء مهملة يقال فقح إذا فتح عينيه .

الموءودة : شيء كان يفعله بعض العرب ، كان إذا ولد له بنت دفنها في التراب أو في الرمل حية ، وأصل وأد : أثقل فسميت الموءودة لأنها أثقلت بالتراب .

بادى : بغير همز أي ظهر ، وبه : ابتدأ .

ميفعة : بمثناة تحتية وزن منفعة ، قرية من أرض البلقاء من الشام ، وهي بفتح الموحدة ثم لام ساكنة ثم قاف ممدودة .

شام اليهودية : اسم فاعل من الشم ومعناه أنه استخبر ، فاستعاره من الشم فنصب اليهودية نصب المفعول به . ومن خفض جعل شام اسم فاعل من شممت ، والفعل أولى بهذا الموضع .

غنما : بفتح الغين المعجمة وسكون النون صنم كانوا يعبدونه .

يربل : بمثناة تحتية مفتوحة فراء ساكنة فموحدة مضمومة فلام ، يقال ربل الطفل يربل إذا شب وعظم .

ثاب : رجع .

يتروح الغصن : يهتز .

لا تبوروا : لا تهلكوا .

يبعث أمة وحده : الأمة : الشخص المنفرد بدين ، أي يقوم مقام جماعة . [ ص: 186 ]

خبر قس بن ساعدة هو ابن ساعدة بن جذامة بن زفر بن زياد بن نزار الإيادي .

قال المرزباني : عاش ثلاثمائة وثلاثين سنة . وكثير من أهل العلم يذكر أنه عاش ستمائة سنة . وقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم حكمته . وهو أول من آمن بالبعثة من أهل الجاهلية ، وأول من اتكأ على عصا في الخطبة ، وأول من قال أما بعد . وأول من كتب : من فلان إلى فلان . وقد جاء أنه خطب الناس بعكاظ وبشرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وحثهم على إتباعه وذلك قبل البعثة .

روى الإمام محمد بن داود بن علي الظاهري في كتاب «الزهرة» حدثنا أحمد بن عبيد النحوي ، حدثنا علي بن محمد المدائني حدثنا محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن سعد بن أبي وقاص . والطبراني والبزار من طريق محمد بن الحجاج ، وهو متروك ، والبيهقي من طريق سعيد بن هبيرة وهو متروك ، والبيهقي من طريق أحمد بن سعيد بن فرسخ الأخميمي ، عن شيخه القاسم بن عبد الله بن مهدي ، وهما متهمان ، عن ابن عباس . والبيهقي عن أنس وفي سنده من اتهم ، وأبو نعيم والخرائطي عن عبادة بن الصامت ، والأزدي عن أبي هريرة ، وخلف بن أعين ، رواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، والحسن البصري ، رواه أبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه : أن وفد إياد لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قس بن ساعدة فقالوا : يا رسول الله مات . قال : كأني أنظر إليه في سوق عكاظ على جمل أحمر أورق وهو يخطب الناس وهو يقول كلاما ما أراني أحفظه .

فقال بعض القوم : نحن نحفظه يا رسول الله . فقال : هاتوا . فقال قائلهم إنه قال : أيها الناس اسمعوا وعوا وإذا وعيتم فانتفعوا ، إنه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، مطر ونبات ، وأرزاق وأقوات ، وآباء وأمهات ، وأحياء وأموات ، جميع وأشتات ، وآيات بعد آيات ، إن في السماء لخبرا وإن في الأرض لعبرا ، ليل داج وسماء ذات فجاج وبحار ذات أمواج ، مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا هناك فناموا ، أقسم قس قسما حقا لا حانثا فيه ولا آثما ، إن لله دينا هو أحب إليه من دينكم الذي أنتم عليه ونبيا خاتما حان حينه وأظلكم أوانه وأدرككم إبانه ، فطوبى لمن آمن به فهداه ، وويل لمن خالفه وعصاه .

ثم قال : تبا لأرباب الغفلة من الأمم الخالية والقرون الماضية ، يا معشر إياد أين الآباء والأجداد وأين المريض والعواد ، وأين الفراعنة الشداد ، أين من بنى وشيد ، وزخرف ونجد وغره المال والولد ، أين من بغى وطغى وجمع فأوعى وقال : أنا ربكم الأعلى ، ألم يكونوا أكثر [ ص: 187 ]

منكم أموالا وأولادا وأبعد منكم آمالا وأطول منكم آجالا طحنهم الثرى بكلكله ومزقهم الدهر بتطاوله ، فتلك عظامهم بالية وبيوتهم خالية عمرتها الذئاب العاوية ، كلا بل هو الله الواحد المعبود ، ليس بوالد ولا مولود . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فأيكم يروي شعره؟ فأنشده أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال :


في الذاهبين الأولي ــن من القرون لنا بصائر     لما رأيت مواردا
للموت ليس لها مصادر     ورأيت قومي نحوها
تمضي الأصاغر والأكابر     لا يرجع الماضي إلي
ولا من الباقين غابر     أيقنت أني لا محا
لة حيث صار القوم صائر .

هذا حاصل الطرق السابقة .

قال البيهقي بعد أن أورد بعضها : إذا ورد الحديث من أوجه وإن كان بعضها ضعيفا دل على أن للحديث أصلا .

وقال الحافظ عماد الدين بن كثير : هذه الطريق على ضعفها كالمتعاضدة على إثبات أصل القصة .

وقال الحافظ في الإصابة طرقه كلها ضعيفة : وقال الشيخ رحمه الله تعالى في تهذيب موضوعات ابن الجوزي : أمثل طرقه الأول ، فإن ابن أخي الزهري ومن فوقه من رجال البخاري ومسلم ، وعلي بن محمد المدائني ثقة . وأحمد بن عبيد قال ابن عدي . صدوق له مناكير .

قلت : وقال الذهبي : صويلح . قال الحافظ : لين الحديث . انتهى .

قال الشيخ رحمه الله تعالى : فإذا ضم طريق خلف بن أعين إليه حكم بحسنه بلا توقف . انتهى .

إذا علمت ذلك فالحديث ضعيف لا موضوع ، خلافا لابن الجوزي ومن تبعه .

وقد رواه البيهقي من وجه آخر عن ابن عباس . فذكر حديثا طويلا مسجعا فيه أشعار كثيرة .

قال الشيخ رحمه الله تعالى : وآثار الوضع ظاهرة عليه .

وروى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قس بن ساعدة كان يخطب قومه في [ ص: 188 ] سوق عكاظ فقال : سيعمكم حق من هذا الوجه . وأشار بيده إلى نحو مكة . قالوا له : وما هذا الحق؟ قال : رجل أبلج أحور من ولد لؤي بن غالب يدعوكم إلى كلمة الإخلاص وعيش الأبد ونعيم لا ينفد ، فإن دعاكم فأجيبوه ولو علمت أني أعيش إلى مبعثه لكنت أول من سعى إليه .

تفسير الغريب

أورق : الورقة في الإبل : لون يضرب إلى الخضرة كلون الرماد . وقيل إلى السواد .

داج : مظلم .

رتاج : براء مكسورة ثم مثناة فوقية مخففة فألف فجيم : الباب .

المقام : بضم الميم وفتحها . قال في النور : لكن هنا يتعين الضم لأن بعده قافا فهو من الرباعي .

أظلكم : أقبل عليكم ودنا منكم كأنه ألقى ظله عليكم .

تبا : خسرانا .

شيد : بفتح الشين المعجمة والمثناة التحتية المشددة : والشيد : كل ما طلي به الحائط من جص وغيره .

نجد : زين .

الكلكل والكلكال : الصدر .

خبر العباس عن بعض أحبار اليمن

روى أبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : قال العباس خرجت في تجارة إلى اليمن في ركب فيهم أبو سفيان بن حرب ، فورد كتاب حنظلة بن أبي سفيان أن محمدا قائم بالأبطح يقول : أنا رسول الله أدعوكم إلى الله . ففشا ذلك في مجالس أهل اليمن فجاءنا حبر من اليهود فقال : بلغني أن فيكم عم هذا الرجل الذي قال ما قال . قال العباس : فقلت نعم .

قال : نشدتك هل كانت لابن أخيك صبوة؟ فقلت : لا والله ولا كذب ولا خان ، وإن كان اسمه عند قريش إلا الأمين قال : فهل كتب بيده؟ فأردت أن أقول نعم ، فخشيت من أبي سفيان أن يكذبني ويرد علي فقلت : لا يكتب . فوثب الحبر وترك رداءه وقال : ذبحت يهود وقتلت يهود .

قال العباس : فلما رجعنا إلى منزلنا قال أبو سفيان : يا أبا الفضل إن يهود تفزع من ابن [ ص: 189 ] أخيك . قلت : قد رأيت ، فهل لك أن تؤمن به . قال : لا أومن به حتى أرى الخيل في كداء .

قلت : ما تقول؟! قال : كلمة جاءت على فمي ، إلا أني أعلم أن الله لا يترك خيلا تطلع على كداء .

قال العباس : فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ونظرنا إلى الخيل قد طلعت من كداء قلت : يا أبا سفيان تذكر تلك الكلمة؟ قال : إي والله إني لأذكرها .


كداء : كسحاب : الثنية العليا بأعلى مكة عند المقبرة ، لا تنصرف . وقال النووي : ويجوز الصرف على إرادة الموضع .

خبر أمية عن بعض أحبار الشام

روى البيهقي وأبو نعيم واللفظ له عن أبي سفيان بن حرب قال : خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت تجارا إلى الشام فقال : هل لك في عالم من علماء النصارى إليه انتهى علم الكتاب نسأله . قلت له : لا أرب لي فيه . فذهب ثم رجع فقال : إني جئت هذا العالم فسألته عن أشياء ثم قلت : أخبرني عن هذا النبي الذي ينتظر . فقال : هو رجل من العرب قلت : من أي العرب؟

قال : من أهل بيت يحجه العرب من إخوانكم من قريش . قلت : صفه لي . قال : رجل شاب حين دخل في الكهولة ، بدء أمره يجتنب المظالم والمحارم ويصل الرحم ويأمر بصلتها ، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة أكثر جنده الملائكة . قلت : ما آية ذلك؟ قال : قد رجفتالشام بعد عيسى ابن مريم صلى الله عليهما وسلم ثلاثين رجفة كلها مصيبة ، وبقيت رجفة عامة فيها مصائب . قال أبو سفيان : فقلت : هذا والله الباطل . فقال أمية : والذي حلفت به إن هذا لهكذا .

ثم خرجنا فإذا راكب من خلفنا يقول : أصاب أهل الشام بعدكم رجفة دمرت أهلها وأصابتهم فيها مصائب عامة . قال أبو سفيان : فأقبل علي أمية فقال : كيف ترى قول النصراني؟

قلت : أرى والله إنه حق .

وقدمت مكة فقضيت ما معي ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجرا فمكثت بها خمسة أشهر ، ثم قدمت مكة فجاء الناس يسلمون علي ويسألون عن بضائعهم ثم جاءني محمد صلى الله عليه وسلم فسلم علي ورحب بي وسألني عن سفري ومقامي ولم يسألني عن بضاعته ، ثم قال : فقلت لهند : والله إن هذا ليعجبني! ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا وقد سألني عنها ما سألني هذا عن بضاعته . قالت : وما علمت بشأنه؟ إنه يزعم أنه رسول الله . فوقذتني . وذكرت قول النصراني : قلت : لهو أعقل من أن يقول هذا . قالت : بلى والله إنه يقول ذلك . [ ص: 190 ]

خبر أبي سفيان عن أمية

روى الطبراني وأبو نعيم عن معاوية بن أبي سفيان عن أبيه قال : كنا بغزة أو بإيلياء فقال لي أمية بن أبي الصلت : يا أبا سفيان إيه عن عتبة بن ربيعة؟ قلت : إيه عن عتبة بن ربيعة .

قال : كريم الطرفين ويجتنب المحارم والمظالم؟ قلت : نعم وشريف مسن . قال : السن أزرى به .

قلت : كذبت بل ما ازداد سنا إلا ازداد شرفا . قال : لا تعجل علي حتى أخبرك . فقال : إني أجد في كتبي نبيا يبعث من حرتنا هذه فكنت أظن أني هو ، فلما دارست أهل العلم إذا هو من بني عبد مناف ، فنظرت في بني عبد مناف فلم أجد أحدا يصلح لهذا الأمر غير عتبة بن ربيعة ، فلما أخبرتني بسنه عرفت أنه ليس به حين جاوز الأربعين ولم يوح إليه .

قال أبو سفيان : فرجعت وقد أوحى الله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، فخرجت في ركب في تجارة فمررت بأمية فقلت له كالمستهزئ به : خرج النبي الذي كنت تنعته . قال : أما إنه حق فاتبعه وكأني بك يا أبا سفيان إن خالفته ربطت كما يربط الجدي حتى يؤتى بك فيحكم فيك .

والله تعالى أعلم بالصواب .

خبر عبد الرحمن بن عوف عن عثكلان الحبر

روى ابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه قال : سافرت إلى اليمن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسنة ، فنزلت على عثكلان بن عواكن الحميري ، وكان شيخا كبيرا وكنت لا أزال إذا قدمت اليمن أنزل عليه فيسألني عن مكة وعن الكعبة وزمزم ويقول :

هل ظهر فيكم رجل له نبه له ذكر؟ هل خالف أحد منكم عليكم في دينكم؟ فأقول : لا . حتى قدمت القدمة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافيته قد ضعف وثقل سمعه فنزلت عليه فاجتمع عليه ولده وولد ولده فأخبروه بمكاني فشدت عصابة على عينيه وأسند فقعد فقال لي : انتسب يا أخا قريش . فقلت : أنا عبد الرحمن بن عوف بن عبد عدي بن الحارث بن زهرة . قال : حسبك يا أخا زهرة ألا أبشرك ببشارة هي خير لك من التجارة؟ قلت : بلى . قال :

أنبئك بالمعجبة وأبشرك بالمرغبة ، إن الله تعالى بعث في الشهر الأول من قومك نبيا ارتضاه صفيا وأنزل عليه كتابا وجعل له ثوابا ، ينهى عن الأصنام ويدعو إلى الإسلام يأمر بالحق ويفعله وينهى عن الباطل ويبطله فقلت : ممن هو؟ قال : لا من الأزد ولا ثمالة ، ولا من سرو ولا تبالة ، هو من بني هاشم وأنتم أخواله ، يا عبد الرحمن أحسن الوقعة وعجل الرجعة ثم امض وآزره وصدقه [ ص: 191 ] واحمل إليه هذه الأبيات :


أشهد بالله ذي المعالي     وفالق الليل والصباح
إنك في السر من قريش     يا ابن المفدى من الذباح
أرسلت تدعو إلى يقين     يرشد للحق والفلاح
أشهد بالله رب موسى     أنك أرسلت بالبطاح
فكن شفيعي إلى مليك     يدعو البرايا إلى النجاح

قال عبد الرحمن : فحفظت الأبيات وأسرعت في تقضي حوائجي وانصرفت فقدمت مكة فلقيت أبا بكر فأخبرته الخبر فقال : هذا محمد بن عبد الله قد بعثه الله رسول الله إلى خلقه .

فأتيته في نفر في بيت خديجة فلما رآني ضحك وقال : أرى وجها خليقا أرجو خيرا ما وراءك؟ قلت : وما ذاك يا محمد؟ قال : حملت إلي وديعة أم أرسلك مرسل إلى برسالة هاتها .

فأخبرته وأسلمت فقال : أما إن أخي حمير من خواص المسلمين ثم قال : «رب مؤمن بي ولم يرني ومصدق بي وما شاهدني أولئك إخواني حقا»
.

خبر عروة بن مسعود الثقفي عن بعض الكهان والكواهن

ذكر أبو هاشم بن ظفر في «خبر البشر» أن عروة بن مسعود الثقفي رضي الله تعالى عنه قال : خرجت في تجارة لنجران قبل أن يظهر أمر محمد فجلست تحت سرحة منتبذا من أصحابي فإذا جاريتان تسوقان بهما إلى السرحة ، فجلستا وأنا مضطجع فتناومت ، فقالت إحداهما للأخرى : من هذا فيما تظنين يا ابنة الأكرمين؟ قالت الأخرى : هذا عروة بن مسعود سيد غير مسود ، جود وعصر منجود . قالت : صدقت فمن أين هو وإلى أين؟ فقالت الأخرى :

أتى من المعقل المنيف ، طائف ثقيف ينوي نجران ذات المخاليف فقالت : صدقت فما هو مصيب في سفره هذا؟ فقالت : يسهل طريقه وينفق سوقه ويعلو فوقه . قالت : صدقت فما عاقبة أمره؟ قالت : يعيش زعيما ويتبع نبيا كريما ويتعاطى أمرا جسيما . فقالت : صدقت وما هذا النبي؟

فقالت : داع مجاب ، له أمر عجاب ، يأتيه من السماء كتاب يبهر الألباب ويقهر الأرباب . قال عروة : ثم أمسكتا فغشيني النعاس ، فلما استيقظت لم أر لهما أثرا فلما بلغت نجران قال أسقفها- وكان لي صديقا- : يا أبا يعفور هذا حين خروج نبي من أهل حرمكم يهدي إلى الحق ، وحق المسيح إنه لخير الأنبياء وآخرهم فإن ظهر فكن أول من يؤمن به .

تفسير الغريب

السرحة- بسين مفتوحة فراء ساكنة فحاء مهملات : الشجرة العظيمة . [ ص: 192 ]

منتبذا : منفردا .

البهم- بضم الباء الموحدة : صغار الغنم .

العصر بعين وصاد مهملتين مفتوحتين- الملجأ .

المنجود : المكروب .

هوى : قصد أرضا غورا وأصله أن يخر من علو إلى سفل .

نوى : قصد .

المنيف : المرتفع .

المخاليف : قرى تخلف القرية العظيمة في المرافق وتنوب منابها ، واحدها مخلاف .

يعلو فوقه- بضم الفاء وسكون الواو وضم القاف- هذا مثل يضرب للظفر والعلو والجد وأصله فوق السهم .

زعيما : سيدا .

خبر عمرو بن معدي كرب عن بعض الكهان

ذكر ابن ظفر أيضا أن أبا ثور عمرو بن معدي كرب رضي الله تعالى عنه قال : والله لقد علمت أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث . فقيل له : وكيف ذاك؟ قال : فزعنا إلى كاهن لنا في أمر نزل بنا ، فقال الكاهن : أقسم بالسماء ذات الأبراج والأرض ذات الأدراج والريح ذات العجاج إن هذا لإمراج ولقاح ذي نتاج . قالوا : وما نتاجه؟ قال : ظهور نبي صادق بكتاب ناطق وحسام ذالق . قالوا : أين يظهر وإلام يدعو؟ قال : يظهر بصلاح ويدعو إلى فلاح ويعطل الأقداح ، وينهى عن الراج والسفاح وعن كل أمر قباح . قالوا : ممن هو؟ قال من ولد الشيخ الأكرم حافر زمزم ومطعم الطير المحوم والسباع الضرم . قالوا : وما اسمه؟ قال : محمد ، وعزه سرمد ، وخصمه مكمد .

صلاح : من أسماء مكة . وتقدم ضبطه .

خبر ابن الهيبان

روى البيهقي عن عاصم بن عمرو بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال : هل تدري عما كان إسلام أسيد وثعلبة ابني سعية وأسيد بن عبيد ، نفر من هذل لم يكونوا من بني قريظة ولا النضير ، كانوا فوق ذلك . فقلت : لا . [ ص: 193 ]

قال : فإنه قدم علينا رجل من الشام . من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام عندنا ، والله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس خيرا منه ، فقدم علينا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بسنين ، فكنا إذا قحطنا وقل علينا المطر نقول : يا ابن الهيبان اخرج فاستق لنا . فيقول : لا والله حتى تقدموا أمام مخرجكم صدقة . فنقول : كم؟ فيقول : صاع من تمر أو مدين من شعير . فنخرجه ثم يخرج إلى ظاهر حرتنا ونحن معه فيستقي فو الله ما يقوم من مجلسه حتى تمر السحاب . قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة . فحضرته الوفاة فاجتمعنا إليه فقال : يا معشر يهود ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قالوا : أنت أعلم . قال : فإنه إنما أقدمني هذه البلدة أتوكف خروج نبي قد أظل زمانه هذه البلاد مهاجره فأتبعه فلا تسبقن إليه إذا خرج يا معشر يهود ، فإنه يبعث بسفك الدماء وسبي النساء والذراري ممن يخالفه ، فلا يمنعكم ذلك منه . ثم مات . فلما كانت الليلة التي فتحت فيها قريظة قال أولئك الفتية- وكانوا شبابا أحداثا- يا معشر يهود والله إنه الذي ذكر لكم ابن الهيبان . فقالوا : ما هو به . قالوا : بلى والله إنها لصفته . ثم نزلوا فأسلموا وخلوا أموالهم وأولادهم وأهاليهم في حصن مع المشركين ، فلما فتح رد ذلك عليهم .

تفسير الغريب

أسيد : وقع في الرواية بضم الهمزة وفتحها وصوبه الدارقطني وعبد الغني .

سعية- بسين مفتوحة فعين ساكنة مهملتين فمثناة تحتية ويقال بالنون بدلها .

أتوكف : انتظر وأستشعر .

أظل زمانه : أشرف عليكم وقرب .

خبر الحبر من جرهم

روى ابن أبي خيثمة عن عكرمة أن نفرا من قريش مروا بجزيرة من جزائر البحر فإذا هم بشيخ من جرهم . فقال : ممن أنتم؟ قالوا : من أهل مكة من قريش : فقال الشيخ ذات يوم : لقد طلع الليلة نجم لقد بعث فيكم نبي . فنظروا فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث تلك الليلة .

خبر الحبر من أهل بصرى

روى ابن سعد والبيهقي عن طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه قال : حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول : سلوا أهل هذا الموسم هل فيهم أحد من أهل الحرم؟ فقلت : نعم أنا . قال : هل ظهر أحمد؟ قلت : ومن أحمد؟ قال : ابن عبد الله بن عبد المطلب ، هذا شهره الذي يخرج فيه وهو آخر الأنبياء مخرجه من الحرم ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ ، فإياك أن تسبق إليه . قال طلحة : فوقع في قلبي ما قال . فقدمت مكة فقلت :

هل كان من حدث؟ قالوا : نعم محمد بن عبد الله الأمين تنبأ وقد تبعه ابن أبي قحافة . فخرجت سريعا حتى قدمت على أبي بكر فأخبرته بما قال الراهب ، فخرج أبو بكر حتى دخل على [ ص: 194 ]

رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فسر بذلك وأسلم طلحة فأخذ نوفل بن العدوية أبا بكر وطلحة فشدهما في حبل واحد فلذلك سميا القرينين .


خبر رئيس نجران

قال ابن هشام : وبلغني أن رؤساء نجران كانوا يتوارثون كتبا عندهم ، فكلما مات رئيس منهم فأفضت الرياسة إلى غيره ختم على تلك الكتب خاتما مع الخواتم التي قبله ولم يكسرها ، فخرج الرئيس الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يمشي فعثر ، فقال ابنه : تعس الأبعد . يريد النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له أبوه : لا تفعل فإنه نبي واسمه في الوضائع- يعني الكتب . فلما مات لم يكن همه إلا أن شد فكسر الخواتم فوجد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه ، فحج وهو الذي يقول :


إليك تعدو قلقا وضينها     معترضا في بطنها جنينها

مخالفا دين النصارى دينها

تفسير الغريب

نجران : بفتح النون وإسكان الجيم .

عثر : بفتح المثلثة ، والعثرة : الزلة .

تعس : - بفتح العين وكسرها- ومعناه : عثر وانكب لوجهه .

الوضائع- بفتح الواو وبالضاد المعجمة وبعد الألف مثناة تحتية ثم عين مهملة : يعني الكتب . زاد في النهاية : التي تكتب فيها الحكمة .

الوضين - بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة وسكون المثناة التحتية : بطان : منسوج بعضه على بعض يشد به الرحل على البعير كالحزام للسرج ، أراد أنها قد هزلت ودقت للسير عليها . [ ص: 195 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية