سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
التاسعة والثلاثون : وبأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك .

الأربعون : وبأن الملائكة تستغفر لهم حتى يفطروا .

الحادية والأربعون : ويغفر لهم في آخر ليلة منه .

روى الأصبهاني في ترغيبه ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أعطيت في رمضان خمس خصال لم تعطهن أمة كانت قبلكم : خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك ، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا ، وتصفد مردة الجن والشياطين ، فلا يصلون فيه إلى ما كانوا يصلون إليه ، ويزين الله تعالى جنته في كل يوم فيقول : يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة ، ويصيروا إليك ، ويغفر لهم في آخر ليلة من رمضان" فقالوا : يا رسول الله ، هي ليلة القدر قال : "لا ، ولكن العامل إنما يوفى أجره عند انقضاء عمله" .

الثانية والأربعون : وبالسحور .

روى مسلم عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "فضل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور" .

الثالثة والأربعون : وبتعجيل الفطر .

روى أبو داود ، وابن ماجه ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لا يزال هذا الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ، إن النصارى واليهود يؤخرون" .

الرابعة والأربعون : وبتحريم الوصال في الصوم ، وكان مباحا لمن قبلنا .

الخامسة والأربعون : وبإباحة الكلام في الصوم ، وكان محرما على من قبلنا فيه ، عكس الصلاة .

قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي : كان من قبلنا من الأمم ، صومهم الإمساك عن الكلام ، مع الطعام والشراب ، فكانوا في حرج ، فأرخص الله لهذه الأمة بحذف نصف زمانها ، ونصف صومها ، وهو الإمساك عن الكلام ، ورخص لها فيه .

السادسة والأربعون : وبليلة القدر ، ولم تكن لمن قبلنا .

ذكره النووي في شرح المهذب ، قال : فيه ليلة القدر مختصة بهذه الأمة ، زادها الله [ ص: 351 ]

تعالى شرفا ،
لم تكن لمن قبلنا ، هذا هو الصحيح المشهور الذي قطع به أصحابنا كلهم ، وجماهير العلماء ، وقاله الحافظ في الفتح ، وجزم بذلك ابن حبيب ، وغيره من المالكية ، ونقله صاحب "العمدة" من الشافعية عن الجمهور ورجحه ، قال : وسميت ليلة القدر أي : ليلة الحكم ، والفصل ، وقيل : لعظم قدرها ، قال : ويراها من شاء الله تعالى من بني آدم ، كما تظاهرت عليه الأحاديث ، وأخبار الصالحين ، قال : وأما قول المهلب بن أبي صفرة الفقيه المالكي : لا يمكن رؤيتها حقيقة ، فغلط . انتهى .

وقال مالك في "الموطأ" : بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أري أعمار الناس قبله ، أو ما شاء الله من ذلك ، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله تعالى ليلة القدر خيرا من ألف شهر .

روى الديلمي عن أنس -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن الله وهب لأمتي ليلة القدر ، ولم يعطها أحدا ممن كان قبلكم" .

وروى ابن أبي حاتم عن عروة -رضي الله عنه- قال : ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما أربعا من بني إسرائيل عبدوا الله تعالى ثمانين عاما لم يعصوه طرفة عين ، فعجب الصحابة من ذلك ، فأتاه جبريل ، فقال : قد أنزل الله تبارك وتعالى عليك خيرا من ذلك ليلة القدر خيرا من ألف شهر ، هذا أفضل من ذلك ، فسر بذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس معه .

وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق ، عن مجاهد رضي الله عنه ، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رجلا من بني إسرائيل كان يقوم الليل حتى يصبح ، ويجاهد القوم بالنهار حتى يمسي ، فعل ذلك ألف شهر ، فعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى هذه الآية : ليلة القدر خير من ألف شهر [القدر 3] ، فقيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر .

قلت : أشار الحافظ في الفتح إلى تضعيف قول من قال : إنها خاصة بهذه الأمة ، قال : وعمدة من قال بهذا القول أثر مالك إلى السابق ، وهو محتمل للتأويل فلا يدفع التصريح من حديث أبي ذر عند النسائي قال : قلت : يا رسول الله أتكون مع الأنبياء ، فإذا ماتوا رفعت أم هي باقية إلى يوم القيامة ؟ قال : بل هي باقية إلى يوم القيامة .

قال شيخنا في شرح الموطأ : وهذا الحديث الذي ذكره أيضا محتمل التأويل ، وهو أن مراده هل يختص بزمن النبي -صلى الله عليه وسلم- أم ترفع بعد موته بقرينة مقابلة ذلك بقوله : أم هي باقية إلى يوم القيامة ، فلا يكون فيه معارضة لأثر الموطأ .

وقد ورد ما يعضده ، ففي فوائد أبي طالب المكي من حديث أنس -رضي الله عنه- "أن الله تعالى وهب لأمتي ليلة القدر ولم يعطها من كان قبلهم" .

التالي السابق


الخدمات العلمية