سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثانية والتسعون : وبإباحة الكنز إذا أدوا زكاته .

الثالثة والتسعون : وبأنه أحل لهم كثيرا مما شدد على من قبلهم .

الرابعة والتسعون :

وبأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج ، قال الله سبحانه وتعالى : وما جعل عليكم في الدين من حرج [الحج 78] وقال -عز وجل- : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر [البقرة 185] .

روى الإمام أحمد عن حذيفة -رضي الله عنه- قال : سجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما ، فلم يرفع ، حتى ظننا أن نفسه قد قبضت فيها ، فلما رفع قال : "إن ربي استشارني في أمتي" الحديث ، وفيه "وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ، ولم يجعل علينا في الدين من حرج ، فلم أجد لي شكرا إلا هذه السجدة" . [ ص: 358 ]

وروى الفريابي ، عن كعب -رضي الله عنه- قال : أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال ، لم يعطهن إلا الأنبياء ، كان النبي يقال له : بلغ ولا حرج ، وأنت شهيد على قومك ، وادع أجبك ، وقال لهذه الأمة : وما جعل عليكم في الدين من حرج [الحج 78] وقال : لتكونوا شهداء على الناس [البقرة 143] وقال : ادعوني أستجب لكم [غافر 60] .

الخامسة والتسعون : وبإباحة أكل الإبل .

السادسة والتسعون : والنعام .

السابعة والتسعون : وحمار الوحش .

الثامنة والتسعون : والأوز .

التاسعة والتسعون : والبط .

المائة : وجميع السمك الذي لا قشر عليه .

الحادية بعد المائة : والشحوم .

الثانية بعد المائة : والدم الذي ليس بمسفوح ، كالكبد ، والطحال ، والعروق .

الثالثة بعد المائة : وبرفع المؤاخذة عنهم بالخطأ ، والنسيان .

الرابعة بعد المائة : وما استكرهوا عليه .

الخامسة بعد المائة : والإصر الذي كان على الأمم قبلهم .

السادسة بعد المائة : وحديث النفس ، قال الله تعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا [البقرة 286] وقال تعالى : ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم [الأعراف 157] .

روى الفريابي في تفسيره عن محمد بن كعب -رضي الله عنه- قال : ما بعث من نبي ، ولا أرسل من رسول ، أنزل عليهم الكتاب ، إلا أنزل الله عليه هذه الآية : وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله [البقرة 284] فكانت الأمم تأتي على أنبيائها ، ورسلها ، ويقولون : نؤاخذ بما تحدث به أنفسنا ، ولم تعمل جوارحنا ، فيكفرون ، ويضلون ، فلما نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- اشتد على المسلمين ما اشتد على الأمم قبلهم ، فقالوا : يا رسول الله أنؤاخذ بما نحدث به أنفسنا ولم تعمل جوارحنا ؟ قال : "نعم ، فاسمعوا ، وأطيعوا ، واطلبوا إلى ربكم" ، فذلك قوله تعالى : آمن الرسول [البقرة 285] الآية ، فوضع الله عنهم حديث النفس ، إلا ما عملت الجوارح .

وروى مسلم ، والترمذي عنه نحوه ، بدون ذكر الأنبياء والأمم . [ ص: 359 ]

وروى الإمام أحمد ، وابن حبان والحاكم وابن ماجه عن ابن عباس قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" .

وروى سفيان بن عيينة ، والستة ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به" .

الإصر : الثقل والمشقة ، لأنه يأصر صاحبه أي يحبسه عن الحس لثقله .

السابعة بعد المائة : وبأن من هم بسيئة فلم يعملها ، لم تكتب سيئة ، بل تكتب حسنة ، فإن عملها كتبت سيئة .

الثامنة بعد المائة : ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت حسنة ، فإن عملها كتبت عشرا إلى سبعمائة ضعف .

روى البيهقي ، عن وهب بن منبه قال : إن الله تعالى لما قرب موسى نجيا قال : يا رب إني أجد في التوراة أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد قال : رب إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرءونها وكان من قبلهم يقرءون كتبهم نظرا ولا يحفظونها فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد ، قال : رب إني أجد في التوراة أمة يؤمنون بالكتاب الأول والآخر يقاتلون رءوس الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد قال : رب إني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم ، وكان من قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها نارا فأكلتها فإن لم تقبل لم تأكلها النار فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد قال : يا رب ، إني أجد في التوراة أمة إذا هم أحدهم بسيئة لم تكتب عليه ، فإن عملها كتبت سيئة واحدة ، وإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت حسنة ، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، فاجعلهم أمتي ، قال : تلك أمة أحمد .

التاسعة بعد المائة : وبوضع قتل النفس عنهم في التوبة ، قال الله تعالى : وإذ قال موسى لقومه : يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل [البقرة 54] الآية .

روى ابن أبي حاتم ، عن علي -رضي الله عنه- في قصة الذين عبدوا العجل ، قالوا لموسى : ما توبتنا ؟ قال : يقتل بعضكم بعضا ، فأخذوا السكاكين ، فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وأمه ، لا يبالي من قتل ، حتى قتل منهم سبعون ألفا ، فأوحى الله تعالى إلى موسى : مرهم فليرفعوا أيديهم ، وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي .

وروى ابن أبي حاتم ، عن الفضيل في قوله تعالى : ولا تحمل علينا إصرا [البقرة 286] قال : كان الرجل من بني إسرائيل إذا أذنب ، قيل له : توبتك أن تقتل نفسك ، فيقتل نفسه ، فوضعت الآصار عن هذه الأمة . [ ص: 360 ]

وروى عبد بن حميد ، عن قتادة في الآية قال : أمر القوم بشديدة من البلاء ، فقاموا يتشاجرون بالشفار ، ويقتل بعضهم بعضا ، حتى بلغ الله نعمته فيهم وعقوبته ، فلما بلغ ذلك سقطت الشفار من أيديهم ، وأمسك عنهم القتل ، فجعله الله تعالى للحي منهم توبة ، وللمقتول شهادة . انتهى .

العاشرة بعد المائة : وبوضع فقء العين عنهم من النظر إلى ما لا يحل .

الحادية عشر بعد المائة : وبوضع قرض موضع النجاسة .

روى الحاكم وصححه ، عن أبي موسى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "إن بني إسرائيل كان إذا أصاب أحدهم البول قرضه بالمقراض ، وروى ابن أبي شيبة ، وأبو داود والنسائي ، وابن ماجه ، عن عبد الرحمن بن حسنة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "إن بني إسرائيل كانوا إذا أصابهم البول قرضوه بالمقاريض فنهاهم رجل منهم فعذب في قبره" .

وروى ابن أبي شيبة في المصنف ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : دخلت على امرأة من اليهود ، فقالت : إن عذاب القبر من البول ، فقلت : كذبت . قالت : بلى ، إنه ليقرض منه الجلد والثوب ، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "صدقت" .

التالي السابق


الخدمات العلمية