سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيه : خوف المقربين خوف إجلال وإعظام .

قال الشيخ شهاب الدين السهروردي : لا يعتقد أن الغني حالة يفقر حاله نقص ، بل هو كمال أو تتمة كمال ، ثم مثل ذلك يحقن العين أي يسيل لدفع القذى عن العين مثلا ، فإنه يمنع العين من الرؤية .

فهذا من هذه الحيثية نقص ، وفي الحقيقة كمال ، هذا محصل كمال كلامه بعبارة طويلة .

قال : فهكذا بصيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- متعرضة للأغيرة من أنفاس الأغيار .

فدعت الحاجة إلى الستر على صدقة بصيرته صيانة لها ، ووقاية عن ذلك .

السابعة والعشرون : وبوجوب كونه مطالبا برؤية مشاهدة الحق مع معاشرة الناس بالنفس والكلام .

ذكرها ابن القاص والبيهقي وابن سعد ، ولم يذكرها الشيخان قال الخضري : ولا أعلم دليلا صريحا على وجوب ذلك . انتهى .

الثامنة والعشرون : وبوجوب الأحكام الشرعية حين كان يؤخذ عن الدنيا عند تلقي الوحي ، فلا تسقط عنه صلاة ولا غيرها . ذكرها ابن القاص وتبعه البيهقي والنووي . وحديث عائشة وصفوان بن يعلى عن أبيه وابن سعيد- رضي الله تعالى عنهم- في شأن الوحي في الصحيحين صريح في أنه -صلى الله عليه وسلم- كان ينتقل من حاله المعروف إلى حالة تستلزم الاستغراق والغيبة عن الحالة الدنيوية حتى ينتهي الوحي ، ويفارقه الملك . [ ص: 403 ]

وقال شيخ الإسلام البلقيني : وهي حالة يؤخذ فيها عن حال الدنيا من غير موت ، فهو مقام برزخي يحصل له عند تلقي الوحي ، فلما كان البرزخ العام ، ينكشف فيه للميت كثير من الأحوال ، خص الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- ببرزخ في الحياة ، يلقي الله تعالى فيه وحيه المشتمل على كثير من الأسرار . وقد يقع لكثير من الصلحاء عند الغيبة بالنوم ، أو غيره اطلاع على كثير من الأسرار ، وذلك مستمد من المقام النبوي ، ويشهد لذلك "رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة" .

التاسعة والعشرون : وبوجوب الركعتين عليه بعد العصر قاله رزين .

الثلاثون : وبأن جميع نوافله -صلى الله عليه وسلم- كانت فرضا ، لأن النفل إنما هو للجبر ، ولا نقص في صلاته حتى يجبر . قاله رزين .

قلت : وهذا الذي قاله رزين ليس بشيء ، ولا يلزم من عدم وقوع نقص في صلواته الخمس أن يكون ما عداها من الصلوات فرضا ، بل ذلك نافلة ليس إلا .

ويدل لذلك ما رواه الإمام أحمد وابن جرير والطبراني عن أبي أمامة (-رضي الله عنه- ) في قوله- تبارك وتعالى- : ومن الليل فتهجد به نافلة لك [الإسراء - 79] ، قال : كانت للنبي -صلى الله عليه وسلم- نافلة ، ولكم فضيلة .

وفي لفظ : إنما كانت النافلة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- خاصة .

وروى الطيالسي والطبراني بسند جيد عنه أنه قال : "إذا توضأ الرجل المسلم فأحسن الوضوء ، فإن قعد قعد مغفورا له ، وإن قام يصلي كانت له فضيلة ، قيل : له نافلة ؟ فقال : إنما النافلة للنبي -صلى الله عليه وسلم- كيف يكون نافلة وهو يسعى في الخطايا والذنوب ؟ ولكن فضيلة" .

وروى ابن جرير وابن المنذر في تفسيريهما ، والبيهقي في "الدلائل" عن مجاهد (رضي الله عنه) في الآية قال : لم تكن النافلة لأحد إلا للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة ، من أجل أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فما عمل من عمل مع المكتوب ، فهو له نافلة سوى المكتوب ، من أجل أنه لا يعمل ذلك من كفارة الذنوب فهي نوافل له وزيادة ، والناس يعملون ما سوى المكتوب في كفارة ذنوبهم ، فليس للناس نوافل ، إنما هي للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة .

وروى ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه .

وروى ابن المنذر وغيره عن الحسن قال : ليس لأحد نافلة إلى للنبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة .

ولأن فرائضه كانت للزيادة وأما غيره ، فلا يخلو عن نقص ، فنوافله تكمل فرائضه . [ ص: 404 ]

وروى أيضا عن الضحاك نحوه فتبين بهذه الآثار أن صلوات النبي -صلى الله عليه وسلم- ليست كلها فرضا بل فيها الفرض والنفل .

التالي السابق


الخدمات العلمية