سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السادس فيما اختص به-صلى الله عليه وسلم- عن أمته من المحرمات وفيه نوعان : الأول : في غير النكاح .

وفيه مسائل : الأولى : خص -صلى الله عليه وسلم- بتحريم الزكاة عليه ، ويشاركه في حرمتها ذوو القربى ومواليهم ، وكذا زوجاته ، لكن التحريم عليهم بسببه أيضا ، فالخاصية عائدة إليه ، وكذا صدقة التطوع عليه في الأظهر .

روى مسلم عن المطلب بن ربيعة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد" .

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي رافع ، والطبراني عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل الأرقم الزهري على السعاية ، فاستتبع أبا رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : "يا أبا رافع ، إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد ، وإن مولى القوم من أنفسهم" .

وروى الإمام الشافعي والبيهقي عن جعفر بن محمد أن أباه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة فقيل : أتشرب من الصدقة ؟ فقال : إنما حرم علينا الصدقة المفروضة ، قال العلماء : لما كانت الصدقة أوساخ الناس ، نزه منصبه الشريف عن ذلك ، وانجر إلى آله بسببه ، وأيضا فالصدقة تعطى على سبيل الترحم المبني عن ذل الآخذ ، فأبدلوا عنها الغنيمة المأخوذة بطريق الغزو الشريف المبني على عز الآخذ وذل المأخوذ منه .

وجزم الحسن البصري بأن الأنبياء كلهم كذلك ، وخالف سفيان بن عيينة .

الثانية : وبتحريم الكفارة .

الثالثة : والمنذورات ، وكذا على آله فيهما .

الرابعة : والوقف معينا . قاله الجلال البلقيني .

قال في الجواهر ما يؤيده ، فإنه قال : صدقة التطوع كانت حراما عليه على الصحيح .

وعن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- أن صدقات الأعيان كانت حراما عليه دون العامة كالمساجد ومياه الآبار . [ ص: 409 ]

الخامسة : وبتحريم كون آله -صلى الله عليه وسلم- عمالا على الزكاة في الأصح .

روى ابن سعد والحاكم عن علي قال : قلت للعباس : سل النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يستعملك على الصدقة ، فسأله فقال : "ما كنت لأستعملك على غسالة الأيدي" .

وروى ابن سعد عن عبد الملك بن المغيرة- رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يا بني عبد المطلب ، إن الصدقة أوساخ الناس ، فلا تأكلوها ولا تعملوها" .

السادسة : وبتحريم أكل ثمن أحد من ولد إسماعيل .

روى الإمام أحمد عن عمران بن حصين الضبي- رضي الله تعالى عنه- أن رجلا حدثه قال : كان شيخان للحي قد انطلق ابن لهما فلحق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- فقالا : ائته فاطلبه منه ، فإن أبى إلا الفداء فافتده ، فأتيته فطلبته منه فقال : "هو ذا ، فأت به أباه" ، فقلت : الفداء يا نبي الله ، فقال : "إنه لا يصلح ، لنا آل محمد أن نأكل ثمن أحد من ولد إسماعيل"

وهذا الحكم المذكور في هذا الحديث لم يتعرض له أحد من الفقهاء .

السابعة : قيل وبتحريم أكل ما له رائحة كريهة والأصح الكراهة والامتناع لتأذي الملك به ، وفي صحيح مسلم عن أبي أيوب- رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتي بطعام أكل منه وبعث بفضله إلي ، وإنه بعث إلي يوما بفضلة لم يأكل منها ، لأن فيها ثوما ، فسألته أحرام هو ؟ قال : لا ، ولكني أناجي من لا تناجي ، أكرهه من أجل ريحه ، قال : فإني أكره ما كرهت .

وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان بلفظ : إني أستحي من ملائكة الله ، وليس بمحرم .

فهذا صريح في نفي التحريم عليه -صلى الله عليه وسلم- فائدة :

روى الإمام أحمد وأبو داود بسند جيد عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت عن أكل البصل ، فقالت : آخر طعام أكله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه بصل .

زاد البيهقي أنه كان مشويا في قدر ، أي مطبوخا .

الثامنة : قيل : وبتحريم الأكل متكئا ، والأصح الكراهة .

روى النسائي بسند حسن عن ابن عباس (رضي الله عنه ) أن الله- سبحانه وتعالى- أرسل إلى نبيه -صلى الله عليه وسلم- ملكا من الملائكة ومعه جبريل فقال الملك : إن الله يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون نبيا ملكا ، فالتفت النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل كالمستشير ، فأشار جبريل بيده أن تواضع ، فقال رسول الله : لا ، بل أكون عبدا نبيا ، فما أكل بعد تلك الليلة طعاما قط متكئا .

والأحاديث في امتناعه من الأكل متكئا في الصحيح وليس فيها دليل على تحريم ذلك . [ ص: 410 ]

واجتنابه -صلى الله عليه وسلم- الشيء واختياره غيره لا يدل على كونه محرما عليه .

وقد قال ابن شاهين في ناسخه : لم يكن محرما عليه ، وإنما هو أدب من الآداب .

التالي السابق


الخدمات العلمية