سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم

جماع أبواب بعض فضائل آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والوصية بهم ومحبتهم والتحذير من بعضهم ، وذكر أولاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأولادهم -رضي الله تعالى عنهم-

وتقدم في أبواب النسب النبوي الكلام على بعض فضائل العرب وقريش وبني هاشم ، ونذكر هنا ما لم يتقدم له ذكر .

الباب الأول

في فضائل قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونفعها ، والحث على محبتهم .

روى أبو داود الطيالسي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والإمام أحمد والحاكم عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما بال أقوام يقولون : إن رحمي لا ينفع ، بلى والله ، إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة ، ألا وإني فرطكم على الحوض ، فإذا جئت قام رجال فقال هذا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا فلان ، وقال هذا : يا رسول الله ، أنا فلان ، فأقول : قد عرفتكم ولكنكم أحدثتم بعدي ، ورجعتم القهقرى" .

وروى ابن ماجه والروياني والحاكم في "صحيحه" والطبراني (وابن عساكر والإمام أحمد عن العباس بن عبد المطلب -رضي الله تعالى عنه- قال : كنا نلقى النفر) من قريش وهم يتحدثون فيقطعون حديثهم ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "ما بال أقوام يتحدثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم" -وفي لفظ- قلت : يا رسول الله ، إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا أوسموا بوجوه حسنة ، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : "والذي نفسي بيده" وفي لفظ : "إن الله -عز وجل- لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبهم لله ، ولقرابتهم مني" .

وروى الإمام أحمد والترمذي والبغوي ومحمد بن نصر ، عن عبد الله بن الحارث ، عن عبد المطلب بن ربيعة -رضي الله تعالى عنه- قال : دخل العباس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : [ ص: 4 ] إنا لنخرج فنرى قريشا يتحدثون ، فإذا رأونا سكتوا ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودر العرق بين عينيه ، ثم قال : "والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي" وفي لفظ : لله ولرسوله .

وروى الطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنك تركت فينا ضغائن مند صنعت الذي صنعته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لن تنالوا الخير" أو قال : "الإيمان ، حتى يحبونكم لله ورسوله ولقرابتي ، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب" .

وروى الديلمي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من أحب الله أحب القرآن ، ومن أحب القرآن أحبني ، ومن أحبني أحب أصحابي وقرابتي" انتهى .

وروى ابن أبي عاصم والطبراني وابن مردويه وابن منده برجال ثقات غير عبد الرحمن بن بشير الدمشقي ، وثقه ابن حبان وضعفه ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر -رضي الله تعالى عنهم- قالوا : قدمت درة -بدال- بنت أبي لهب مهاجرة ، فقالت نسوة : أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب [المسد : 1] فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت ، ثم صلى بالناس الظهر ، فخطب : "يا أيها الناس مالي أوذى في أهلي ؟ ! فوالله ، إن شفاعتي لتنال قرابتي حتى إن صداء وحكم وحاء وسلهبا لتنالها يوم القيامة" .

رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وإن شفاعتي لتنال حاء وحكم" .

قال : حاء وحكم قبيلتان .


روى ابن منده والإمام الزاهد عمر الملي -بفتح الميم وتشديد اللام- الموصلي ، رحمه الله تعالى- وكان إماما عظيما ، وكان على المنبر بجامع الموصل احتسابا ، وكان السلطان نور الدين الشهيد -رحمه الله تعالى- يعتمد قوله ، ويقبل شفاعته لجلالته ، عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : جاءت سبيعة بنت أبي لهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن الناس يقولون : أنت بنت حطب النار ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي ؟ ! من آذاني في قرابتي فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى" .

وروى الطبراني مرسلا برجال ثقات عن عبد الله بن أبي رافع .

وروى الإمام أحمد في المناقب عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر بني هاشم ، والذي بعثني بالحق نبيا لو أخذت حلقة باب الجنة ، ما بدأت إلا بكم" .

[ ص: 5 ] وروى أبو بكر بن يوسف بن البهلول ، عن طلحة بن مصرف -رحمه الله تعالى- قال : كان يقال : بغض بني هاشم نفاق .

وروى أبو قاسم حمزة السهمي في "فضائل العباس" عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : "أعطى الله -عز وجل- بني عبد المطلب سبعا الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم وحب الناس .

وروى الحاكم ، وقال : على شرط مسلم ، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله ثلاثة أن يجعلكم جوداء ، نجداء ، رحماء" وفي لفظ : "أن يثبت قائمكم ، وأن يهدي ظالمكم ، وأن يعلم جاهلكم ، وسألته أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء ، فلو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ولقي الله ، وهو مبغض لأهل بيت محمد صلى الله عليه وسلم دخل النار" .

وفي رواية "صفن قدمه" .

ونجداء : بدال مهملة .

صفن -بصاد مهملة ففاء خفيفة فنون- : جمع بين قدميه .

والنجدة : الشجاعة وشدة البأس .

وروى عمر الملا عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله -تعالى- أن يثبت قائمكم ، وأن يهدي ضالكم ، وأن يعلم جاهلكم ، وأن يجعلكم رحماء نجداء ، ولو أن رجلا صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ، ثم مات ، وهو مبغض لأهل هذا البيت لدخل النار" .

التالي السابق


الخدمات العلمية