سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات :

الأول : نقل ابن الجوزي في "التحقيق" عن أبي بكر بن البرقي قال : جميع أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة سبعة ويقال ثمانية : القاسم ، والطاهر ، والطيب ، وإبراهيم ، وزينب ورقية ، وأم كلثوم ، وفاطمة .

قال في "العيون" : لولا أنه قال : إنهم سبعة أو ثمانية لقلت : إن ذلك من النساخ ، وهذا شيء عجيب وهو وهم إما من البرقي ، وإما من غيره ، فإن قيل : لعله أراد آخر من خديجة يقال له : إبراهيم .

فالجواب : أن هذا لا يعرف ، ويدفع هذا قوله : جميع أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة ، ولا مرية أن إبراهيم من مارية القبطية .

الثاني : روى الهيثم بن عدي عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ولدت خديجة -رضي الله تعالى عنها- للنبي صلى الله عليه وسلم عبد العزى وعبد مناف والقاسم ، قال الهيثم ، قلت لهشام : فأين الطيب والطاهر ؟ قال : هذا ما وصفتم أنتم يا أهل العراق ، فأما أشياخنا فقالوا : عبد العزى وعبد مناف .

قال الذهبي في "الميزان" والحافظ في "اللسان" هذا من افتراء الهيثم على هشام .

[ ص: 18 ] وقال أبو الفرج : الهيثم كذاب ، لا يلتفت إلى قوله ، وقال لنا شيخنا ابن ناصر : لم يسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد مناف ولا عبد العزى قط ، والهيثم كذبه البخاري وأبو داود والعجلي والساجي .

وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه ، إلا على سبيل الاعتبار ، وذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني وغيرهم في الضعفاء ، وقال في "الموارد" : لا يجوز لأحد أن يقول : إن هذه التسمية وقعت من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولئن قيل : إن هذه التسمية وقعت فتكون من غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ويحتمل أن يكون ولد هذا الولد والنبي صلى الله عليه وسلم مشتغل بعبادة ربه أو لغير ذلك فلما جاء سماه بعض أهل خديجة بهذا الاسم من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على تسميته ، وأن الولد المذكور لم تطل له حياة فتوفي ذلك الولد ولم يسمه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ، ويكون أحد من شياطين الإنس والجن اختلق ذلك لما ولد أحد أولاد النبي صلى الله عليه وسلم المذكورين ليدخل في ذلك لبس في قلب ضعيف الإيمان ، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك غيره ، أو غير ذلك مما علمه الله -تعالى- انتهى .

ورد الطحاوي في "مشكل الحديث" والبيهقي في السنن وأبو سعيد النقاش والجوزقاني فيما صنع من الموضوعات وغيرهم ما نقله الهيثم عن هشام بن عروة ، ولم ينقل أحد من الثقات ما نقله الهيثم عن هشام .

الثالث : قال الإمام العلامة شيخ الأطباء ابن النفيس -رحمه الله تعالى- : لما كان صلى الله عليه وسلم مزاجه شديد الاعتدال لم يكن أولاده صلى الله عليه وسلم إناثا فقط؛ لأن ذلك إنما يكون لبرد المزاج ، ولا ذكورا فقط؛ لأن ذلك إنما يكون لحرارة المزاج ، فلما كان مزاج النبي صلى الله عليه وسلم معتدلا فيجب أن يكون له بنون وبنات ، وبنوه يجب أن لا يطول أعمارهم؛ لأن أعمارهم إذا طالت بلغوا إلى سن النبوة وحينئذ فلا يخلو إما أن يكونوا أنبياء أو لا يكونوا كذلك ، ولا يجوز أن يكونوا أنبياء ، وإلا لما كان هو خاتم النبيين ، ولا يجوز أن يكونوا غير أنبياء وإلا لكان ذلك نقصا في حقه صلى الله عليه وسلم ، وانحطاطا عن درجة كثير من الأنبياء ، فإن كثيرا من الأنبياء أولادهم أيضا أنبياء ، وأما بنات هذا النبي صلى الله عليه وسلم فيجوز أن تطول أعمارهن؛ إذ النساء لسن بأهل للنبوة .

الرابع : روى ابن الإعرابي في معجمه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أسقطت من النبي صلى الله عليه وسلم جنينا يسمى عبد الله ، كانت تكنى به ، ومدار سنده على داود بن المحبر ، وهو متروك ، واتهمه جماعة بالوضع ، ويرده ما رواه أبو داود في سننه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : "تكني بابن أختك عبد الله بن الزبير . ويروى : بابنك عبد الله بن الزبير؛ لأنها كانت استوهبته من أبويه ، فكان في حجرها يدعوها أما" ذكره ابن إسحاق .

المطهر : بضم الميم وفتح الطاء المهملة والهاء المشددة ، والمطيب مثله .

[ ص: 19 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية