سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس في بعض مناقب سيدنا إبراهيم ابن سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم

وفيه أنواع :

الأول : في أمه ، وميلاده ، وعقيقته ، وتسميته ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم

أمه : مارية القبطية بنت شمعون ، ذكرت في مناقب أمهات المؤمنين في أبواب نكاحه صلى الله عليه وسلم ، ولد في ذي الحجة سنة ثمان بالعالية ، قاله مصعب بن الزبير .

وروى ابن سعد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجبا بمارية القبطية ، وكانت بيضاء جميلة ، فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سليم بنت ملحان ، وعرض عليها الإسلام ، فأسلمت فوطأ مارية بالملك ، وحولها إلى مال له بالعالية ، كان من أموال بني النضير ، فكانت فيه في الصيف وفي خرافة النخل ، فكان يأتيها هناك ، وكانت حسنة الدين ، وولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما فسماه إبراهيم ، وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة يوم سابعه ، وحلق رأسه ، فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين ، وأمر بشعره فدفن في الأرض ، وكانت قابلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت إلى زوجها أبي رافع ، فأخبرته بأن مارية ولدت غلاما ، فجاء أبو رافع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشره فوهب له عبدا ، وغار نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشتد عليهن حين رزق منها الولد .

سلمى مولاة صفية ولا شك أن مولاة عمة الشخص مولاته .

وروى ابن سعد عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : لما ولد إبراهيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : السلام عليك يا أبا إبراهيم . ورواه ابن منده بلفظ : لما ولد إبراهيم ابن مارية جاريته كاد يقع في نفس النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتاه جبريل ، فقال : السلام عليك ، يا أبا إبراهيم!

وروى الإمام أحمد ومسلم وابن سعد عنه ، قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح ، فقال : إنه ولد لي في الليلة ولد وإني سميته باسم أبي إبراهيم .

وذكر الزبير عن أشياخه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عنه بكبشين ، وحلق رأسه أبو هند ، وسماه يومئذ هكذا ، قال الزبير : سماه يوم سابعه .

الثاني : في رضاعه ومن أرضعه .

روى ابن سعد والزبير بن بكار عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال : ولد [ ص: 22 ] سيدنا إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنافست فيه نساء الأنصار أيتهن ترضعه وأحببن أن يفرغوا مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما يعلمن من ميله إليها ، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم بردة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، وزوجها البراء بن أوس بن خالد بن الجعد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن النجار ، فكانت ترضعه ، وكان يكون عند أبويه في بني النجار ، ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة فيقيل عندها ويؤتى بإبراهيم -عليه السلام- وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بردة قطعة نخل .

وروى الشيخان عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع سيدنا إبراهيم -عليه السلام- إلى أم سيف امرأة قين بالمدينة ، يقال له : أبو سيف ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبعته حتى انتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ بكيره ، وقد امتلأ البيت دخانا ، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف فقلت : يا أبا سيف ، أمسك ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه ، وقال : ما شاء الله أن يقول .

وروى أيضا عنه قال : ما رأيت أحدا أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة ، فكان يأتيه (ونجيء معه) فيدخل البيت وإنه ليدخن ، قال : وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله .

الثالث : في وفاته وتاريخه ، وصلاته عليه ، وحزنه عليه

مات سنة عشر ، جزم به الواقدي ، وقال : يوم الثلاثاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول .

وقالت عائشة : عاش ثمانية عشر شهرا . رواه الإمام أحمد . وفي صحيح البخاري أنه عاش سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر شهرا على الشك .

وقال محمد بن المؤمل : بلغ سبعة عشر شهرا وثمانية أيام .

وروى ابن سعد عن مكحول ، وابن سعد عن عطاء ، وابن سعد عن عبد الرحمن بن عوف ، وابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، وابن سعد عن قتادة ، وابن سعد عن أنس -رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف ، فانطلقا به إلى النخل الذي فيه إبراهيم -عليه السلام- فدخل وإبراهيم يجود بنفسه فوضعه في حجره ، فلما (مات) زرفت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عبد الرحمن بن عوف : تبكي يا رسول الله ؟ أولم تنه عن البكاء ؟ قال : "إنما نهيت عن النوح وعن صوتين أحمقين فاجرين؛ صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجه ، وشق جيب ، ورنة شيطان" .

[ ص: 23 ] وفي رواية : "إنما نهيت عن النياحة ، وأن يندب الميت بما ليس فيه" ، ثم قال : "وإنما هذه رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم لولا أنه أمر حق ، ووعد صادق ، ويوم جامع . . . " .

وفي لفظ : "لولا أنه أجل معدود ، ووقت معلوم ، ووعد صادق ، وأنها سبيل مأتية ، وإن أخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا ، وإن بك يا إبراهيم لمحزونون تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب" .

وفي رواية : فلقد رأيته يكيد بنفسه ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، والله يا إبراهيم ، إنا بك لمحزونون" .

وروى مسلم وأبو داود وابن سعد والإمام أحمد وعبد بن حميد عن أنس -رضي الله تعالى عنه- والطبراني عن أبي أمامة -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الله تعالى ، والله إنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون" .

وروى ابن ماجه والطبراني في "الكبير" وابن عساكر عن أسماء بنت يزيد -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، ولولا أنه وعد صادق ، وموعود جامع ، وأن الآخر منا يتبع الأول لوجدنا عليك يا إبراهيم وجدا أشد من هذا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون" .

وروى ابن سعد عن بكير بن عبد الله بن الأشج -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى على ابنه إبراهيم فصرخ أسامة بن زيد ، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : رأيتك تبكي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "البكاء من الرحمة ، والصراخ من الشيطان" .

وروى ابن سعد عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فانطلق بي إلى النخل الذي فيه إبراهيم فوضعه في حجره ، وهو يجود بنفسه ، فذرفت عيناه ، فقلت له : أتبكي يا رسول الله ، أولم تنه عن البكاء ؟ قال : "إنما نهيت عن النوح ، عن صوتين أحمقين فاجرين ، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان ، وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان" .

قال : قال عبد الله بن نمير في حديثه : "إنما هذا رحمة ، ومن لا يرحم لا يرحم ، يا إبراهيم ، لولا أنه أمر حق ، ووعد صادق ، وأنها سبيل مأتية ، وإن أخرانا ستلحق أولانا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا ، وإنا بك لمحزونون ، تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب عز وجل" .

وروى ابن ماجه والحكيم والترمذي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- لما قبض إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تدرجوه في أكفانه ، حتى أنظر إليه" فأتاه فانكب عليه وبكى .

[ ص: 24 ] واختلف : هل صلى عليه أم لا ؟

وروى الإمام أحمد وابن سعد من طريق جابر الجعفي وهو ضعيف عن البراء ، والبيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه ، وابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس ، وابن سعد وأبو يعلى عن أنس ، وأبو داود والبيهقي مرسلا عن عطاء بن أبي رياح ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه سيدنا إبراهيم ، زاد البيهقي : "في المقاعد" وهو موضع الجنائز ، زاد أنس : وكبر عليه أربعا ، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا .

وروى ابن سعد عن عطاء ، وابن سعد عن مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على شفير قبر ابنه فرأى فرجة في اللحد ، فناول الحفار مدرة وقال : "إنها لا تضر ولا تنفع ، ولكنها تقر عين الحي" ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي بإصبعه ، ويقول : "إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه؛ فإنه مما يسلي بنفس المصاب" .

قال الزبير بن بكار : ولما دفن قبل علي قبره ، وأعلى بصلاته ، وهو أول قبر رش .

وروى ابن سعد عن رجل من آل علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دفن سيدنا إبراهيم ، قال : هل من أحد يأتي بقربة ، فأتى رجل من الأنصار بقربة ماء ، فقال : رشها على قبر إبراهيم ، وقال : وقبر إبراهيم قريب من الطريق ، وأشار إلى قريب من دار عقيل .

الرابع : في انكساف الشمس يوم وفاته

روى ابن سعد عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت ، عن أمه سيرين قالت : حضرت موت إبراهيم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا ، فلما مات نهانا عن الصياح .

وغسله الفضل بن عباس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان ، ثم حمل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر والعباس جالس إلى جنبه ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد ، وأنا أبكي عند قبره ، ما ينهاني أحد ، وخسفت الشمس في ذلك اليوم ، فقال الناس : لموت إبراهيم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته" ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة من اللبن ، فأمر بها أن تسد ، فقيل : "يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنها لا تضر ولا تنفع ، ولكن تقر عين ، وإن الحي العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه" .

ومات يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة عشر .

وروى الشيخان عن المغيرة بن شعبة -رضي الله تعالى عنه- قال : انكسفت الشمس يوم موت إبراهيم فقال الناس : لموت إبراهيم ، فقال صلى الله عليه وسلم : "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد" .

[ ص: 25 ] الخامس : في أن له ظئرا تتم رضاعه في الجنة .

روى ابن ماجه بسند ضعيف عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إن له مرضعا في الجنة ، ولو عاش لكان صديقا نبيا ، ولو عاش لعتقت أخواله القبط ، وما استرق قبطي . انتهى .

السادس : في الرد على من زعم أنه لقنه

اشتهر على الألسنة أنه لقن ابنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم بعد الدفن ، وهذا شيء لم يوجد في كتب الحديث ، وإنما ذكره المتولي في "تتمته والإبانة" بلفظ : روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن إبراهيم قال : "قل : الله ربي ، ورسولي أبي ، والإسلام ديني" فقيل : يا رسول الله ، أنت تلقنه فمن يلقننا ؟ فأنزل الله تعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [إبراهيم : 27] الآية .

والأستاذ أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى "النظامي" ولفظه : عن النبي صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره ، فقال : "يا بني! القلب يحزن ، والعين تدمع ، ولا نقول ما يسخط الرب ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا بني! قل : الله ربي ، والإسلام ديني ، ورسول الله أبي" فبكت الصحابة وبكى عمر بن الخطاب بكاء ارتفع له صوته ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى عمر يبكي وأصحابه فقال : "يا عمر ، ما يبكيك ؟ " فقال : يا رسول الله ، هذا ولدك وما بلغ الحلم ، ولا جرى عليه القلم ، ويحتاج إلى ملقن ، فمثلك تلقن التوحيد في مثل هذا الوقت ، فما حال عمر وقد بلغ الحلم ، وجرى عليه القلم ، وليس له ملقن مثلك ، أي شيء يكون صورته في تلك الحالة ؟ فبكى النبي صلى الله عليه وسلم وبكت الصحابة معه ، فنزل جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب بكائهم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما قاله عمر وما ورد عليهم من قوله صلى الله عليه وسلم ، فصعد جبريل ونزل ، وقال : ربك يقرئك السلام وقال : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة [إبراهيم : 27] يريد بذلك وقت الموت ، وعند السؤال ، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم الآية ، فطابت الأنفس ، وسكنت القلوب ، وشكروا الله ، وهذا كما ترى منكر جدا ، بل لا أصل له .

السابع : في أنه لو عاش لكان نبيا

روى البخاري وابن ماجه عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت لابن أبي أوفى : هل رأيت السيد إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : مات صغيرا ، ولو قضي أن يكون نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم لعاش ابنه إبراهيم ، ولكن لا نبي بعده .

ورواه الإمام أحمد بلفظ : سمعت ابن أبي أوفى يقول : لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه إبراهيم ، ولكن لا نبي بعده .

وروى ابن سعد بسند على شرط مسلم قال : أخبرنا عفان بن مسلم ويحيى بن حماد ، وموسى بن إسماعيل التبوذكي قالوا : أخبرنا أبو عوانة ، أخبرنا إسماعيل السدي قال : سألت أنس [ ص: 26 ] ابن مالك -رضي الله تعالى عنه- أصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم ؟ قال : لا أدري -رحمة الله على السيد إبراهيم- لو عاش لكان صديقا نبيا .

وروى ابن عساكر من طريقين عن السدي قلت لأنس : كم بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : قد كان غلاما بالمهد ، ولو بقي لكان نبيا ، ولكن لم يبق؛ لأن نبيكم آخر الأنبياء صلى الله عليه وسلم .

قال الباوردي في "المعرفة" : حدثنا محمد بن عثمان بن محمد ، حدثنا منجاب بن الحارث ، حدثنا أبو عامر الأسدي ، ثنا سفيان ، عن السدي ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا" .

وروى ابن ماجه والبيهقي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن له مرضعا في الجنة ، ولو عاش لكان صديقا نبيا" .

وروى ابن عساكر عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لو عاش إبراهيم لكان صديقا نبيا" .

فائدة :

قال الشيخ تقي الدين السبكي -قدس الله روحه ونور ضريحه- في الكلام على حديث : "كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد" .

فإن قلت : النبوة وصف ، لا بد أن يكون الموصوف به موجودا ، وإنما تكون بعد أربعين سنة أيضا ، فكيف يوصف قبل وجوده وقبل إرساله ؟

قلت : قد جاء أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد ، فقد تكون الإشارة بقوله : "كنت نبيا" إلى روحه الشريفة وإلى حقيقة ، والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها ، وإنما يعلمها خالقها ، ومن أمده الله تعالى بنور إلهي .

ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله تعالى كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء ، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكون من (قبل) خلق آدم صلى الله عليه وسلم أتاها الله ذلك الوصف ، بأن يكون خلقها متهيئة لذلك ، وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبيا . انتهى .

وقد سبق ذلك في أوائل الكتاب .

ومن هذا يعرف تحقيق نبوة السيد إبراهيم ابن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال صغره ، وإن لم يبلغ سن الوحي .

الثامن : في الوصية بأخواله القبط .

روى ابن سعد عن الزهري مرسلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا ملكتم القبط فأحسنوا إليهم؛ فإن لهم ذمة ، وإن لهم رحما .

[ ص: 27 ] وروى عن أبي بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "استوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما" .

وروى الطبراني عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "الله الله في قبط مصر فإنكم مستظهرون عليهم ، فيكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله" .

التالي السابق


الخدمات العلمية