سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السابع في بعض مناقب السيدة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم

وفيه أنواع :

الأول : في مولدها واسمها وفيمن تزوجها .

ولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره ثلاث وثلاثون سنة ، وسماها رقية -بقاف واحدة وبالتشديد- أسلمت حين أسلمت أمها خديجة بنت خويلد ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بايعه النساء ، قال قتادة بن دعامة ومصعب بن الزبير فيما رواه ابن أبي خيثمة -رضي الله تعالى عنه- كانت رقية -رضي الله تعالى عنها- تحت عتبة بن أبي لهب ، وأختها أم كلثوم تحت أخيه عتيبة ، فلما نزلت تبت يدا أبي لهب وتب [المسد : 1] قال أبوه لهما : رأسي بين رؤوسكما حرام إن لم تطلقا ابنتي محمد ، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتبة طلاق رقية ، وسألته رقية ذلك فقالت له أمه ، وهي حمالة الحطب : طلقها يا بني؛ فإنها قد صبأت ، ففارقاهما ، ولم يكونا دخلا بهما ، فتزوجت رقية عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنهما- بمكة ، وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة ثم إلى المدينة ، وذكر الدولابي أن تزوج عثمان إياها كان في الجاهلية ، والذي ذكره غيره أنه كان بعد إسلامه .

وروى الطبراني من طريقين بإسناد حسن ، والزبير بن بكار عن قتادة بن دعامة -رحمه الله تعالى- قال : كانت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عتبة بن أبي لهب ، فلما أنزل الله تعالى تبت يدا أبي لهب [المسد : 1] سأل النبي صلى الله عليه وسلم عتبة طلاقها ، وسألته رقية ذلك ، فتزوج عثمان بن عفان رقية وتوفيت عنده .

وروي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : أتت قريش عتبة بن أبي لهب ، فقالوا له : طلق ابنة محمد ، ونحن نزوجك .

الثاني : في أن تزويج رقية عثمان -رضي الله تعالى عنهما- كان بوحي

روى الطبراني عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله -عز وجل- أوحى إلي أن أزوج كريمتي عثمان" .

وروي عن عروة بن الزبير -رضي الله تعالى عنه-[ . . . . . ] .

الثالث : في حسنها رضي الله تعالى عنها

قال أبو عمرو -رحمه الله تعالى- : كانت رقية ذات جمال رائع, وقال أبو محمد بن قدامة : وكانت ذات جمال بارع ، فكان يقال : أحسن زوج رآها الإنسان مع زوجها .

[ ص: 34 ] وروي عن أسامة بن زيد قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بصحفة فيها لحم ، فدخلت عليه [ورقية جالسة فما رأيت اثنين أحسن منهما ، فجعلت مرة أنظر إلى رقية ومرة أنظر إلى عثمان ، فلما رجعت ، قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : أدخلت عليهما ؟ قلت : نعم ، قال : فهل رأيت زوجا أحسن منهما ؟ قلت : لا يا رسول الله لقد جعلت مرة أنظر إلى رقية ومرة أنظر إلى عثمان .

رواه الطبراني ، وقال : كان هذا قبل نزول الحجاب ، وفيه راو لم يسم ، وبقية رجاله رجال الصحيح .

وعن عبد الله بن حزم المازني قال : رأيت عثمان بن عفان فما رأيت قط ذكرا ولا أنثى أحسن وجها منه .

رواه الطبراني ، وفيه الربيع بن بدر ، وهو متروك .

وعن عبد الله بن شداد بن الهاد قال : رأيت عثمان بن عفان يوم الجمعة على المنبر عليه إزار عدني غليظ ، ثمنه أربعة دراهم أو خمسة ، وريطة كوفية ممشقة ، ضرب اللحم ، طويل اللحية ، حسن الوجه . رواه الطبراني وإسناده حسن .

وعن موسى بن طلحة قال : كان عثمان يوم الجمعة يتوكأ على عصا وكان أجمل الناس ، وعليه ثوبان أصفران إزار ورداء حتى يأتي المنبر فيجلس عليه . رواه الطبراني عن شيخه المقدام بن داود وهو ضعيف .

وعن عبد الله بن عون القاري قال : رأيت عثمان بن عفان أبيض اللحية . رواه الطبراني ، وفيه من لم أعرفه .

وعن ابن أبي ذئب ، عن عبد الرحمن بن سعد قال : رأيت عثمان بن عفان أصفر اللحية . رواه الطبراني عن مقدام بن داود ، وهو ضعيف] .

الرابع : في هجرتها رضي الله تعالى عنها

روى ابن أبي خيثمة بن سليمان وعمر الملا عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : أول من هاجر إلى أرض الحبشة عثمان ، وخرج معه ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرهما ، فجعل يترقب الخبر ، فقدمت امرأة من قريش ، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : رأيتها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "على أي حال رأيتها ؟ " فقالت : رأيتها وقد حملها على حمار من هذه الدواب ، وهو يسوقها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "منحهما الله -عز وجل- أن عثمان لأول من هاجر بأهله إلى الله -عز وجل- بعد لوط عليه السلام" .

الخامس : في إجابة دعائها رضي الله تعالى عنها

قال أبو محمد بن قدامة : روينا أن فتيان أهل الحبشة كانوا يعرضون للسيدة رقية ، وينظرون إليها ، ويعجبون من جمالها ، فأذاها ذلك ، فدعت عليهم جميعا ، فهلكوا .

السادس : في وفاتها رضي الله تعالى عنها

قال مصعب بن الزبير : توفيت رقية عند عثمان بالمدينة ، وتخلف عليها عن بدر ، بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وضرب له بسهمه وأجره .

وقال ابن شهاب : تخلف عثمان على امرأته السيدة رقية بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت -عليها السلام- وجعة فتوفيت يوم قدم أهل بدر المدينة ، فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 35 ] بسهمه وأجره .

رواهما ابن أبي خيثمة ، توفيت -عليها السلام- على رأس سبعة عشر شهرا من مهاجرته صلى الله عليه وسلم .

السابع : في ولدها رضي الله تعالى عنها

أسقطت من عثمان سقطا ، ثم ولدت له عبد الله .

قال مصعب بن الزبير : ولدت رقية لعثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنهما- بالحبشة ولدا سماه عبد الله ، فكان يكنى به ، بلغ سنتين ، وقيل : ست سنين ، فنقره في عينيه ديك ، فتورم وجهه ومرض ، فمات .

قال في "العيون" : إنه مات بعد أمه سنة أربع ، ولم تلد شيئا غيره .

وقال صلى الله عليه وسلم : "ونزل في حفرته أبوه عثمان" .

وقال الدولابي : مات وهو رضيع ، والله تعالى أعلم . وشذ قتادة فقال : لم تلد لعثمان -رضي الله تعالى عنه- وغلطوه في ذلك .

[ ص: 36 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية