سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
التاسع : في إثبات فضلها -رضي الله تعالى عنها- بأبيها صلى الله عليه وسلم وأقاربها أصلا وفرعا

روى الطبراني عن أبي أيوب -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة : "نبينا خير الأنبياء ، وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك" الحديث .

وروى الطبراني برجال الصحيح عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : "ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها صلى الله عليه وسلم" .

[ ص: 47 ] العاشر : في أنها أصدق الناس لهجة

وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : ما رأيت أحدا قط أصدق من فاطمة -رضي الله تعالى عنها- إلا أن يكون أباها صلى الله عليه وسلم .

وروى أبو عمر عنها قالت : ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة -رضي الله تعالى عنها- إلا أن يكون الذي ولدها صلى الله عليه وسلم .

الحادي عشر : في برها برسول الله صلى الله عليه وسلم

روى أبو يعلى عن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق عليه ، فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا ، فأتى فاطمة فقال : يا بنية ، هل عندك أكلة ، فإني جائع ، فقالت : لا والله ، بأبي أنت وأمي ، فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم ، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها ، وغطت عليها ، قالت : والله ، لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي ، وكانوا جميعا محتاجين إلى شعبة طعام ، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له : بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشيء فخبأته لك ، قال : "هلمي فأتته فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما ، فلما نظرت إليها بهتت ، وعرفت أنها بركة من الله ، فحمدت الله ، وصلت على نبيه ، وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما ، رآه حمد الله ، وقال : "من أين لك هذا يا بنية ؟ " فقالت : يا أبت ، هو من عند الله ، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ، ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا ، وبقيت الجفنة كما هي ، قالت : فأوسعت ببقيتها على جميع جيرانها ، وجعل الله فيه بركة وخيرا كثيرا .

الثاني عشر : فيما كانت فيه من ضيق العيش وخدمتها نفسها -رضي الله تعالى عنها- مع استصحاب الصبر الجميل

روى الدولابي عن أسماء بنت عميس عن فاطمة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها .

وروى أبو يعلى برجال الصحيح وابن أبي شيبة عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قلت لأمي فاطمة بنت أسد -رضي الله تعالى عنها- اكفي بنت محمد صلى الله عليه وسلم سقاية الماء والذهاب في الحاجة ، وتكفيك خدمة الداخل الطحن والعجن .

وروى الطبراني برجال ثقات إلا عتبة بن حميد ، وثقه ابن حبان وضعفه جماعة ، عن عمران بن حصين قال : إني لجالس عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبلت فاطمة ، فقامت بحذاء النبي صلى الله عليه وسلم مقابلة فقال : "ادني يا فاطمة" ، فدنت دنوة ، ثم قال "ادني يا فاطمة" ، فدنت دنوة ، ثم قال : [ ص: 48 ] "ادني يا فاطمة" فدنت دنوة ، حتى قامت بين يديه ، قال عمران : فرأيت صفرة قد ظهرت على وجهها وذهب الدم ، فبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصابعه ثم وضع كفه بين ترائبها فرفع رأسه قال : "اللهم ، مشبع الجوعة ، وقاضي الحاجة ، ورافع الوضعة ، لا تجع فاطمة بنت محمد" ، فرأيت صفرة الجوع قد ذهبت عن وجهها ، وظهر الدم ، ثم سألتها بعد ذلك فقالت : ما جعت بعد ذلك .

وروى الإمام أحمد بسند جيد عن علي -رضي الله تعالى عنه- أنه قال لفاطمة -رضي الله تعالى عنها- ذات يوم : والله ، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري ، وقد جاء أبوك بسبي فاذهبي فاستخدميه ، فقالت : وأنا والله ، لقد طحنت حتى مجلت يداي ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "ما جاء بك أي بنية ؟ " قالت : جئت لأسلم عليك ، واستحيت أن تسأله ورجعت ، فقال : ما فعلت ؟ قالت : استحييت أن أسأله ، فأتيا جميعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال علي : يا رسول الله ، لقد سنوت حتى اشتكيت صدري ، وقالت فاطمة : يا رسول الله ، لقد طحنت حتى مجلت يداي ، وقد جاءك الله بسبي وسعة ، فأخدمنا ، فقال : لا ، والله ، لا أعطيكم ، وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع ، لا أجد ما أنفق عليهم ، ولكني أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم فرجع . فأتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد دخلا في قطيفتهما إذا غطت رؤوسهما تكشفت أقدامهما ، وإذا غطت أقدامهما تكشفت رؤوسهما ، فتأثر ، فقال : مكانكما ، ثم قال : "ألا أخبركما بخير مما سألتماني" ، قالا : بلى ، قال : "كلمات علمنيهن جبريل ، فقال : تسبحان الله في دبر كل صلاة عشرا ، وتحمدان عشرا ، وتكبران عشرا ، فإذا أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبرا أربعا وثلاثين" .

[قال : فوالله ، ما تركتهن منذ سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فقال له ابن الكوا : ولا ليلة صفين ، فقال : قاتلكم الله يا أهل العراق ولا ليلة صفين .


وروى الطبراني بسند حسن عن فاطمة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يوما فقال : "أين ابناي ؟ " يعني : حسنا وحسينا ، قالت : أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق ، فقال علي : أذهب بهما؛ فإني أتخوف أن يبكيا عليك وليس عندك شيء ، فذهب إلى فلان اليهودي ، فتوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في شربة ، بين أيديهما فضل من تمر ، فقال : "يا علي! ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر ؟ " قال علي : أصبحنا وليس في بيتنا شيء ، فلو جلست يا رسول الله ، حتى أجمع لفاطمة شيئا من التمر ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اجتمع لفاطمة شيء من التمر ، فجعله في صرته ثم أقبل ، فحمل النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما وعلي الآخر ، حتى أقلبهما .

[ ص: 49 ] وروى الإمام أحمد عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن بلالا -رضي الله تعالى عنه- أبطأ عن صلاة الصبح ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما حبسك ؟ قال : مررت بالسيدة فاطمة ، وهي تطحن ، والصبي يبكي ، فقلت : إن شئت كفيتك الرحا وكفيتيني الصبي ، وإن شئت كفيتك الصبي ، وكفيتيني الرحا ، فقالت : أنا أرفق بابني منك ، فذاك الذي حبسني ، فقال : رحمتها ، رحمك الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية