سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : في رواية البخاري في التفسير : الرؤيا الصادقة وفي غيره : الصالحة . وهما بمعنى بالنسبة إلى أمور الآخرة في حق الأنبياء . وأما بالنسبة إلى أمور الدنيا فالصالحة في الأصل أخص ، فرؤيا النبي كلها صادقة ، وقد تكون صالحة ، وهي الأكثر ، وغير صالحة بالنسبة للدنيا كما وقع في الرؤيا يوم أحد .

وأما رؤيا غير الأنبياء فبينهما عموم وخصوص ، إن فسرنا الصادقة بأنها التي لا تحتاج إلى تعبير ، وأما إن فسرناها بأنها غير الأضغاث فالصالحة أخص مطلقا .

قال الإمام نصر بن يعقوب الدينوري في التعبير القادري : الرؤيا الصادقة ما يقع بعينه أو ما يعبر في المنام أو يخبر به من لا يكذب . والصالحة ما يسر .

الثاني : قال البيضاوي رحمه الله : شبه ما جاءه في اليقظة ووجده في الخارج طبقا لما رآه في المنام بالصبح في إنارته ووضوحه ، والفلق : الصبح ، لكنه لما كان مستعملا في هذا المعنى وفي غيره أضيف إليه للتخصيص والبيان إضافة العام إلى الخاص ، كقولهم عين الشيء ونفسه .

قال الطيبي رحمه الله تعالى : وللفلق شأن عظيم ولذلك جاء وصفا لله تعالى في قوله :

فالق الإصباح وأمر بالاستعاذة برب الفلق لأنه ينبئ عن انشقاق ظلمة عالم الشهادة وطلوع تباشير الصبح بظهور سلطان الشمس وإشراقها في الآفاق ، كما أن الرؤيا الصالحة مبشرات تنبئ عن وفود أنوار عالم الغيب وآثار مطالع الهدايات ، شبه الرؤيا التي هي جزء يسير من أجزاء [ ص: 238 ] النبوة وتنبيه من تنبيهاتها لمشتركي العقول على ثبوت النبوة ، لأن النبي إنما سمي نبيا لأنه ينبئ عن الغيب الذي لا تستقل العقول بإدراكه .

وقال ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى : إنما شبهت رؤياه بفلق الصبح دون غيره ، لأن شمس النبوة قد كانت الرؤيا مبادئ أنوارها ، فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس وتم نورها ، فمن كان باطنه نوريا كان في التصديق كأبي بكر الصديق ، ومن كان باطنه مظلما كان في التكذيب خفاشا كأبي جهل ، وبقية الناس بين هاتين المنزلتين ، كل منهم بقدر ما أعطي من النور .

الثالث : قال الخطابي رحمه الله تعالى : هذه الأمور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بدئ بها من صدق الرؤيا وحب العزلة عن الناس والخلوة في غار حراء والتعبد فيه ومواظبته عليه الليالي ذوات العاد إنما هي أسباب ومقدمات أرهصت لنبوته وجعلت مبادئ لظهورها ، والخلوة يكون معها فراغ القلب وهي معينة على الفكر ومقطع لدعاوى الشغل ، والبشر لا ينفك عن طباعه ولا يترك مألوفه من عاداته إلا بالرياضة البليغة والمعالجة الشديدة ، فلطف الله تعالى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم في بادية أمره فحبب إليه الخلوة وقطعه عن مخالطة البشر ، ليتناسى المألوف من عاداتهم ويستمر على هجران ما لا يحمد من أخلاقهم وألزمه شعار التقوى وأقامه في مقام التعبد بين يديه ليخشع قلبه وتلين عريكته لورود الوحي فيجد منه مرادا سهلا ولا يصادفه حزنا وعرا ، فجعلت هذه الأسباب مقدمات لما أرصد له من هذا الشأن ليرتاض بها ويستعد لما ندب إليه ، ثم جاءه التوفيق والتبشير وأخذه بالقوة الإلهية ، فجبرت منه النقائص البشرية وجمعت له الفضائل النبوية .

وقال غيره : من فوائد خلوة نفسه ما ألهمه الله تعالى قبل ظهور الملك له ومخاطبته لما أراده الله تعالى من صدوفه عن متعبدات قريش وعزوب نفسه الشريفة عن قرب أرجاس الأصنام وتبريه منه وبغضه لها وإقباله على التحنث وهو فعل البر والقرب .

الرابع : قال ابن أبي جمرة رحمه الله تعالى : الحكمة في تخصيصه صلى الله عليه وسلم التخلي بغار حراء ، أن المقيم فيه كان يمكنه رؤية الكعبة فيجتمع لمن يخلو فيه ثلاث عبادات : الخلوة والتعبد والنظر إلى البيت .

وقال الحافظ وكانت قريش تفعله كما كانت تصوم عاشوراء وإنما لم ينازعوا النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء مع مزيد الفضل فيه على غيره لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنه ، فتبعه على ذلك من كان يتأله ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو مكان جده فسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم . [ ص: 239 ]

الخامس : قوله : فرأى بمكة أن آت أتاه . إلخ ، قال السهيلي رحمه الله تعالى : ليس ذكر النوم حديث عائشة ، بل يدل ظاهره على أن نزول جبريل حين نزل بسورة اقرأ قد كان في اليقظة وقد يمكن الجمع بين الحديثين بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة توطئة وتيسيرا عليه ورفقا به ، لأن أمر النبوة عظيم وعبؤها ثقيل والبشر ضعيف ، وسيأتي في حديث الإسراء من مقالة العلماء ما يؤكد هذا الفرض ويصححه .

قال في «الزهر» : والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم هذا شأنهم ، فلا حاجة إلى ما ذكره السهيلي بقوله : وقد يمكن إلخ ، لأن الرواية بذلك لا بأس بسندها . وبسط الكلام على ذلك .

السادس : قال السهيلي : في كون الكتاب في نمط من الديباج إشارة إلى أن هذا الكتاب به يفتح على أمته ملك الأعاجم ويسلبونهم الديباج والحرير الذي كان زيهم وزينتهم وبه ينال أيضا ملك الآخرة ولباس الجنة وهو الحرير والديباج .

السابع : يؤخذ من قول عائشة رضي الله تعالى عنها : «فجاءه الملك فيه» - كما في كتاب التعبير من الصحيح- أي في الغار ، دفع توهم من يظن أن الملك لم يدخل إليه الغار بل كلمه والنبي صلى الله عليه وسلم داخل الغار والملك خارجه على الباب .

قال الحافظ : وإذا علم أنه كان يجاور في غار حراء شهر رمضان وأن ابتداء الوحي جاءه وهو في الغار المذكور اقتضى ذلك أنه نبئ في شهر رمضان . ويعكر على قول ابن إسحاق أنه بعث على رأس الأربعين مع قوله : إنه ولد في شهر ربيع . ويمكن أن يكون المجيء في الغار كان أولا في شهر رمضان وحينئذ نبيء وأنزل عليه : اقرأ باسم ربك [العلق 1] ثم كان المجيء الثاني في شهر ربيع الأول بالإنذار وأنزلت عليه : يا أيها المدثر قم فأنذر [المدثر : 1] فيحمل قول ابن إسحاق : على رأس الأربعين ، أي : عند المجيء بالرسالة .

الثامن : فإن قيل : لم كرر : «اقرأ» ثلاث مرات؟

أجاب الإمام أبو شامة رحمه الله تعالى بأنه يحتمل أن يكون قوله أولا : «ما أنا بقارئ» على الامتناع ، وثانيا على الإخبار بالنفي المحض ، وثالثا على الاستفهام . ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة إنه قال : كيف أقرأ . وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق ماذا أقرأ . وفي مرسل الزهري عند البيهقي كيف أقرأ وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية .

وقال الحافظ : لعل الحكمة في تكرير «اقرأ» الإشارة إلى انحصار الإيمان الذي ينشأ الوحي بسببه في ثلاث : القول والعمل والنية ، وأن الوحي يشتمل على ثلاث : التوحيد والأحكام والقصص . [ ص: 240 ]

التاسع : الحكمة في غط جبريل له : شغله عن الالتفات لشيء آخر ، أو لإظهار الشدة والجد في الأمر تنبيها على ثقل القول الذي سيلقى إليه ، فلما ظهر أنه صبر على ذلك ألقى إليه ، هذا وإن كان في علم الله حاصل لكن المراد إبرازه للظاهر بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم وقيل ليختبر هل يقول من قبل نفسه شيئا فلما لم يأت بشيء دل على أنه لا يقدر عليه .

ونقل الحافظ عن بعض من لقيه أن هذا يعد من خصائصه صلى الله عليه وسلم إذا لم ينقل عن أحد من الأنبياء أنه وقع له عند ابتداء الوحي مثل ذلك .

قال البلقيني : وكأن الذي حصل للنبي صلى الله عليه وسلم عند تلقي الوحي من الجهد مقدمة لما صار يحصل له من الكرب عند نزول القرآن وبسط الكلام على ذلك ، ويأتي بتمامه في باب شدة الوحي .

العاشر : الحكمة في تكرير الغط : المبالغة في التنبيه ، ففيه أنه ينبغي للمعلم أن يحتاط في تنبيه المتعلم وأمره بإحضار قلبه . وقيل الإشارة إلى التشديدات الثلاث التي وقعت له ، وهي الحصر في الشعب ، وخروجه إلى الهجرة ، وما وقع له يوم أحد ، وفي الإرسالات الثلاث إشارة إلى حصول التيسير له عقب الثلاث ، أو في الدنيا ، والبرزخ ، والآخرة .

الحادي عشر : هذا القدر الذي ذكر من سورة اقرأ هو الذي نزل أولا بخلاف بقية السورة ، فإنما نزل بعد ذلك بزمان .

والحكمة في هذه الأولية : أن هذه الآيات الخمس اشتملت على مقاصد القرآن ، ففيها براعة الاستهلال وهي جديرة أن تسمى عنوان القرآن لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصده بعبارة وجيزة ، في أوله ، وهذا بخلاف الفن البديعي المسمى بالعنوان فإنهم عرفوه بأن يأخذ المتكلم في فن فيؤكده بذكر مثال سابق .

وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن : أنها تنحصر في علم التوحيد والأحكام والأخبار ، وقد اشتملت على الأمر بالقراءة والبداءة فيها باسم الله ، وفي هذا الإشارة إلى الأحكام . وفيها ما يتعلق بتوحيد الرب وإثبات ذاته وصفاته من صفات ذات وصفات فعل ، وفي هذا إشارة إلى أصول الدين ، وفيها ما يتعلق بالأخبار من قوله علم الإنسان ما لم يعلم .

وقال السهيلي : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم . اقرأ باسم ربك فإنك لا تقرأ بحولك وقوتك ولا بصفة نفسك ولا بمعرفتك ، ولكن اقرأ مفتتحا قراءتك باسم ربك مستعينا في جميع أمورك به ، فهو يعلمك كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وعلمك ما لم تكن تعلم من أمور الدين ومصالح العباد وما تنطق به من المغيبات .

الثاني عشر : قال الحافظ : ذكر أكثر الأئمة أن هذا القدر المذكور في القصة من سور . [ ص: 241 ]

اقرأ أول ما نزل من القرآن . وشذ صاحب الكشاف فقال : إن أكثر المفسرين على أن أول سورة نزلت الفاتحة . وهذا وهم بلا شك . وقال في موضع آخر : المحفوظ أن أول ما نزل : اقرأ باسم ربك وأن نزول الفاتحة كان بعد ذلك . وقال النووي : أول ما نزل من القرآن : اقرأ . هذا هو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف وقيل أوله : يا أيها المدثر وليس بشيء .

الثالث عشر : إنما اضطرب فؤاده لما فجأه من الأمر المخالف للعادة والمألوف ، فنفر طبعه البشري ولم يتمكن من التأمل في تلك الحالة ، لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها .

الرابع عشر : قال البلقيني : الحكمة في العدول عن القلب إلى الفؤاد أن الفؤاد وعاء القلب كما قاله بعض أهل اللغة ، فإذا حصل للوعاء الرجفان حصل للقلب فيكون في ذكره من تعظيم الأمر ما ليس في ذكر القلب .

الخامس عشر : الحكمة في طلب التزمل أن العادة جرت بسكون الرعدة بالتلفف .

السادس عشر : دل قوله : «لقد خشيت على نفسي» مع قوله «ترجف بوادره» وفي لفظ : «فؤاده» على انفعال حصل له من مجيء الملك ، ومن ثم قال : «زملوني» .

والخشية المذكورة اختلف في المراد بها على اثني عشر قولا : أولاها بالصواب : الموت من شدة الرعب . وقيل المرض . وقيل دوامه . وقيل تعييرهم إياه .

قال القاضي : ليس هذا من معنى الشك فيما آتاه الله ، لكنه صلى الله عليه وسلم عساه يخشى أن لا يقوى على مقاومة هذا الأمر ولا يقدر على حمل أعباء النبوة فتزهق نفسه أو ينخلع قلبه لشدة ما لقيه أولا عند لقاء الملك . قال : أو يكون قوله هذا الأول ما رأى التباشير في النوم واليقظة وسمع الصوت قبل لقاء الملك وتحقق رسالة ربه فيكون ما خاف أولا أن يكون من الشيطان ، فأما منذ ما جاءه الملك برسالة ربه فلا يجوز عليه الشك ولا يخشى من تسلط الشيطان عليه .

قال : وعلى هذا يحمل كل ما ورد من مثل هذا في حديث البعث .

قال النووي : وهذا الاحتمال الثاني ضعيف ، لأنه خلاف تصريح الحديث بأن هذا بعد غط الملك وإتيانه بـ «اقرأ باسم ربك» .

السابع عشر : خص ورقة موسى بالذكر ولم يقل على عيسى ، مع كون ورقة نصرانيا ، لأن كتاب موسى مشتمل على أكثر الأحكام بخلاف عيسى ، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم ، أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه ، بخلاف عيسى ، وكذلك وقعت النقمة على يد النبي صلى الله عليه وسلم بفرعون هذه الأمة وهو أبو جهل ومن معه يوم بدر . أو قاله تحقيقا للرسالة ، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتابين بخلاف عيسى ، فإن كثيرا من اليهود ينكرون نبوته . [ ص: 242 ]

قال الحافظ : وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الأقانيم فهو محال لا يعرج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل ولم يأخذ عمن بدل .

على أنه قد ورد عند أبي نعيم في الدلائل بسند حسن عن عروة في هذه القصة أن خديجة أولا قد أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر ، فقال : لئن كنت صدقتيني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم . فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة : ناموس عيسى وتارة ناموس موسى ، فعند إخبار خديجة له بالقصة قال لها ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية ، وعند أخبار النبي صلى الله عليه وسلم له قال ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها ، وكل صحيح .

الثامن عشر :

قال السهيلي : قال ورقة للنبي صلى الله عليه وسلم : لتكذبنه فلم يقل له شيئا ، ثم قال ولتؤذينه . فلم يقل له شيئا . ثم قال : ولتخرجنه فقال عليه الصلاة والسلام : أو مخرجي هم؟

ففي هذا دليل على حب الوطن وشدة مفارقته على النفس ، وأيضا فإنه حرم الله تعالى وجوار بيته وبلدة أبيه إسماعيل ، فلذلك تحركت نفسه عند ذكر الخروج ما لم تتحرك قبل ذلك ، فقال : أو مخرجي هم؟

والموضع الدال على تحرك النفس وتحرقها : إدخال الواو بعد ألف الاستفهام مع اختصاص الإخراج بالسؤال عنه ، وذلك أن الواو ترد إلى الكلام المتقدم وتشعر المخاطب بأن الاستفهام على جهة الإنكار والتفجع لكلامه والتألم منه .

قال الحافظ : ويحتمل أن يكون انزعاجه كان من جهة خشية فوات ما أمله من إيمان قومه بالله وإنقاذهم به من وضر الشرك وأدناس الجاهلية ومن عذاب الآخرة وليتم له المراد من إرساله إليهم . ويحتمل أن يكون انزعج من الأمرين معا .

وسبقه إلى ذلك الشيخ تقي الدين السبكي فقال : كما حكاه عنه ولده في الطبقات : الأحسن أن يقال : تحركت نفسه ، لما في الإخراج من فوات ما ندب إليه من إيمانهم ، وهدايتهم ، فإن ذلك مع التكذيب والإيذاء مترقب ، ومع الإخراج منقطع ، وذلك هو الذي لا شيء عند الإنسان أعظم منه ، لأنه امتثال أمر الله تعالى ، وأما مفارقة الوطن فأمر جبلي والنبي صلى الله عليه وسلم أجل وأعلى مقاما من الوقوف عنده في هذا الموطن العظيم .

التاسع عشر : قال الإسماعيلي رحمه الله تعالى : موه بعض الطاعنين على المحدثين فقال : كيف يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يرتاب في نبوته حتى يرجع إلى ورقة ويشكو لخديجة ما يخشاه؟

والجواب : إن عادة الله سبحانه وتعالى جرت بأن الأمر الجليل إذا قضى الله تعالى . [ ص: 243 ]

بإيصاله إلى الخلق أن يتقدمه ترشيح وتأسيس ، وكان ما يراه النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك ، فلما جاءه الملك فجأه بغتة أمر خالف العادة والمألوف فنفر طبعه البشري منه وهاله ذلك ولم يتمكن من التأمل في تلك الحال ، لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها ، فلا يتعجب أن يجزع مما لم يألفه وينفر طبعه منه ، حتى إذا اندرج عليه وألفه استمر عليه ، فلذلك رجع إلى أهله التي ألف أنسها فأعلمها بما وقع له ، فهونت عليه خشيته مما عرفته من أخلاقه الكريمة وطريقته الحسنة ، فأرادت الاستظهار بمسيرها به إلى ورقة لمعرفتها بصدقه ومعرفته وقراءته الكتب القديمة فلما سمع كلامه أيقن بالحق واعترف به ، وأشار إلى أن الحكمة في ذكره صلى الله عليه وسلم ما اتفق له في هذه القصة : أن يكون سببا في انتشار خبره في بطانته ومن يستمع لقوله ويصغي إليه طريقا في معرفتهم مباينة من سواه في أحواله لينبهوا على محله .

العشرون : ورقة هو ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي ابن عم خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم . ذكره الطبري والبغوي وابن نافع وابن السكن وغيرهم في الصحابة .

وروى يونس بن بكير عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أحد كبار التابعين أن ورقة قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به عيسى ابن مريم وأنك على مثل ناموس موسى ، وأنك نبي مرسل . فذكر الحديث وفيه : فلما توفي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لقد رأيت القس في الجنة عليه ثياب بيض لأنه آمن بي وصدقني» .

في سنده انقطاع .

ويعضده ما رواه الزبير بن بكار بسند جيد عن عروة بن الزبير قال : كان بلال لجارية من بني جمح ، وكانوا يعذبونه برمضاء مكة يلصقون ظهره بالرمضاء لكي يشرك فيقول : أحد أحد . فمر به ورقة وهو على تلك الحال فيقول : أحد أحد يا بلال ، والله لئن قتلتموه لأتخذنه حنانا .

فهذا المرسل يدل على أن ورقة عاش إلى أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام حتى أسلم بلال .

قال الحافظ : والجمع بين هذا وبين حديث عائشة : أن يحمل قولها : لم ينشب ورقة أن توفي . أي قبل أن يشتهر الإسلام ويؤمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد .

ولا يعكر على ذلك ما رواه ابن عائذ عن ابن عباس أن ورقة مات على نصرانيته لأن في [ ص: 244 ] سنده عثمان بن عطاء وهو ضعيف .

وروى الإمام أحمد بسند حسن عن عائشة أن خديجة رضي الله تعالى عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ورقة فقال : قد رأيته فرأيت عليه ثيابا بيضا ، فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بيض .

وروى أبو يعلى بسند حسن عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ورقة بن نوفل فقال : «أبصرته في بطنان الجنة وعليه السندس» .

وروى البزار وابن عساكر بإسناد جيد عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين» .

الحادي والعشرون : في بيان غريب ما سبق :

أول ما بدئ به نكرة موصوفة ، أي أول شيء .

من الوحي : أي من المبشرات من إيحاء الوحي بالرؤيا : أي مطلق ما دل على نبوته ، فتقدمت له أشياء مثل تسليم الحجر والشجر ويحتمل أن تكون «من» للتبعيض ، أي من أقسام الوحي . ويحتمل أن تكون بيانية ورجحه القزاز . واحترزت بقولها : «من الوحي» عما رآه من دلائل نبوته من غير وحي ، وأول ذلك مطلقا ما سمعه من بحيرا الراهب وما سمعه عند بناء الكعبة حين قيل له : اشدد عليك إزارك . وكذلك تسليم الحجر والشجر عليه .

الرؤيا : ما يرى في المنام .

في النوم : صفة موضحة ، أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة لجواز إطلاقها مجازا .

فلق الصبح وفرقه بفتح اللام والراء : ضياؤه إذا تميز عن ظلمة الليل وظهور نوره ، وفي الكلام حذف تقديره : جاء تأويلها كفلق الصبح ، وإنما يقال هذا اللفظ في الشيء الواضح البين .

لم يأن : لم يقرب .

هاله ذلك : أفزعه . [ ص: 245 ]

سطا بي : غلبني .

من النواميس : جمع ناموس . يأتي بيانه .

يتحسسون : الإحساس : العلم بالحواس .

أبشر : بفتح الهمزة .

نمط : بنون فميم مفتوحتين فطاء مهملة : ضرب من البسط ، والجمع أنماط .

فغته : بغين معجمة مفتوحة فمثناة فوقية مشددة أي خنقه .

هب من نومه : استيقظ .

حبب : مبني للمفعول ، وعبر به لعدم تحقق الباعث على ذلك وإن كان الكل من عند الله ، أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر ، أو يكون ذلك من وحي الإلهام .

الخلاء : بالمد مصدر بمعنى الخلوة ، أي الاختلاء وهو بالرفع نائب عن الفاعل .

الغار : النقب في الجبل .

حراء : بكسر الحاء المهملة وتخفيف الراء وبالمد ، وحكى الأصيلي فتحها والقصر ، وعزاها في القاموس للقاضي وهي لغية ، وهو مصروف إن أريد المكان وممنوع إن أريد البقعة ، فهي أربعة : التذكير والتأنيث والمد والقصر . وقد ألغزه بعضهم فقال :


وما اسم أتت فيه وجوه عديدة أيؤنث طورا ثم طورا يذكر     وقد جاء فيه الصرف أيضا ومنعه
ومن شاء يمدده ومن شاء يقصر

وكذا حكم قباء وقد نظم بعضهم أحكامهما فقال :


حرا وقبا ذكر وأنثهما معا     ومد أو اقصر واصرفن وامنع الصرفا

وهو جبل بينه وبين مكة نحو ثلاثة أميال على يسار الذاهب إلى منى .

يتحنث فيه : بحاء مهملة وآخره مثلثة في موضع الحال ، أي : يخلو بالغار متحنثا فيه .

وفي رواية : «فيتحنف» بالفاء فيكون عطفا على يخلو ، وهو من الأفعال التي معناها السلب أي اجتناب فاعلها لمصدرها ، مثل تأثم وتحوب إذا اجتنب الإثم والحوب . أو هو بمعنى الرواية الأخرى : يتحنف بالفاء أي يتبع الحنيفية دين إبراهيم ، والفاء تبدل ثاء ، وهو عائد إلى مصدر يتحنف .

التعبد : يأتي الكلام على تعبده صلى الله عليه وسلم في أول أبواب عبادته . قال في «الزهر» : أخبرني [ ص: 246 ] القدوة أبو الصبر أيوب السعودي ، قال سألت سيدي أبا السعود بن أبي العشائر : بم كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبد في حراء قال : بالتفكر .

الليالي : أي مع أيامهن ، واقتصر عليهن للتغليب لأنهن آنس للخلوة .

وقال النووي : قوله الليالي متعلق بيتحنث ، لا بالتعبد ، والمعنى يتحنث الليالي ، ولو جعل متعلقا بالتعبد فسد المعنى ، فإن التحنث لا يشترط فيه الليالي بل يطلق على الكثير والقليل ، ونصبها على الظرفية .

ووصف الليالي بقوله ذوات العدد قال الكرماني : لإرادة التقليل كما في قوله تعالى :

دراهم معدودة أو الكثرة لاحتياجها إلى العدد وهو المناسب .

قال الحافظ : أما كونه فمسلم ، وأما الأول فلا ، لأن عادتهم في الكثيرة أن يوزن في القليل أن يعد .

وقد جزم الشيخ ابن أبي جمرة بأن المراد به الكثرة لأن العدد على قسمين فإذا أطلق أريد به مجموع القلة والكثرة ، فكأنها قالت : ليالي كثيرة أي مجموع قسمي العدد ، وأبهم العدد لاختلافه بالنسبة إلى المدد التي تخللها مجيئه إلى أهله .

تنبيه هذا التفسير للزهري وأدرجه في الخبر ، كما جزم به الطيبي ، ورواية البخاري في التفسير تؤيده .

ينزع : بمثناة تحتية مفتوحة فنون فزاي مكسورة : يرجع وزنا ومعنى .

أهله : خديجة وأولاده ويحتمل أن يريد أقاربه .

التزود : استصحاب الزاد وهو الطعام الذي يحمله المسافر .

لمثلها : أي الليالي . كما رجحه الحافظ في كتاب التعبير من «الفتح» وإن كان رجح غيره في تفسير سورة "اقرأ" لأن مدة الخلوة كانت شهرا ، فكان يتزود لبعض ليالي الشهر فإذا نفد ذلك الزاد رجع إلى أهله فيتزود قدر ذلك ولم يكونوا في سعة بالغة من العيش ، وكان غالب أدمهم اللبن واللحم ، وذلك لا يدخر منه كفاية شهر لئلا يسرع الفساد إليه ، ولا سيما وقد وصفه بأنه كان يطعم من يرد عليه .

حتى : هنا على بابها ، من انتهاء الغاية ، أي انتهى توجهه لغار حراء بمجيء الملك فترك ذلك .

فجئه : بفتح الفاء وكسر الجيم ثم همزة ويقال فجأه بفتح الجيم ، لغتان ، أي جاء . [ ص: 247 ]

الوحي . قاله النووي قال : فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن متوقعا للوحي .

قال البلقيني : وفي إطلاق هذا النفي نظر ، فإن الوحي كان جاءه في النوم مرارا ، واستدل بما رواه ابن إسحاق عن عبيد بن عمير أنه صلى الله عليه وسلم وقع له في النوم نظير ما وقع له في اليقظة من الغط والأمر بالقراءة وغير ذلك . قال الحافظ : ففي كون ذلك يستلزم وقوعه في اليقظة حتى يتوقعه نظر ، فالأولى ترك الجزم بأحد الأمرين .

الحق : قال الطيبي : أي الأمر الحق ، وهو الوحي أو رسول الحق وهو جبريل . وقال البلقيني : أي الأمر البين الظاهر أو المراد : الملك بالحق ، أي الأمر الذي بعث به .

فجاءه الملك : هو جبريل بلا خلاف كما قال البلقيني ، واللام فيه لتعريف الماهية لا للعهد ، إلا أن يكون المراد به ما عهده صلى الله عليه وسلم قبل ذلك ، لما كلمه في صباه ، أو اللفظ لعائشة وقصدت به ما يعهده من تخاطبه به .

قال الإسماعيلي : هي عبارة عما عرف بعد أنه ملك ، إنما الذي في الأصل : فجاءه جاء وكان ذلك الجائي ملكا ، فأخبر صلى الله عليه وسلم عنه يوم أخبر بحقيقة جنسه ، وكان الحامل على ذلك أنه لم يتقدم له معرفة به .

وقال البلقيني : والفاء يحتمل أن تكون سببية أي حتى قضي بمجيء الوحي ، فبسبب ذلك جاءه الملك .

قال الحافظ : وهو أقرب من الذي قبله . وقال في مكان آخر هذه الفاء تسمى التفسيرية وليست التعقيبية ، لأن مجيء الملك ليس بعد مجيء الوحي حتى يعقب به بل هو نفسه ، ولا يلزم من هذا التقدير أن يكون من باب تفسير الشيء بنفسه ، بل التفسير عين المفسر به من جهة الإجمال وغيره من جهة التفصيل .

فقال «اقرأ» : يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرد التنبيه والتيقظ لما سيلقى إليه ، وأن يكون على بابه من الطلب ، ويحتمل أن صفة الأمر محذوفة أي قل : اقرأ ، وإن كان الجواب ما أنا بقارئ فعلى ما فهم من ظاهر اللفظ ، وكأن السر في حذفها لئلا يتوهم أن لفظ قل من القرآن .

قال أبو شامة : وقع في الصحيحين الأمر بالقراءة من غير ذكر المقروء

وفي حديث عبيد بن عمير قال صلى الله عليه وسلم : «فجاءني وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال اقرأ» .

ففي هذه الرواية بيان المقروء ، إلا أن الأشبه أن هذا المجيء غير الذي في حديث عائشة ، لأن هذا صرح فيه أنه كان فيه مناما وحديث عائشة في اليقظة . [ ص: 248 ]

ما أنا بقارئ : وفي لفظ : «ما أحسن أن أقرأ»

فما نافية واسمها أنا وخبرها بقارئ ، ولو كانت استفهامية لم يصلح دخول الباء وإن حكي عن الأخفش جوازه فهو شاذ ، والباء زائدة لتأكيد النفي ، وتقدم في التنبيه الثاني ما يدل على أنها استفهامية وجزم به بعض الشراح .

فغطني : بغين معجمة فطاء مهملة أي عصرني وضمني . يقال : غطه وغته بالغين المعجمة . وضغطه وخنقه وغمره ، كله بمعنى . وفي رواية الطبري : فغتني بتاء مثناة فوقية . وفي رواية عند أبي داود الطيالسي : فأخذ بحلقي .

حتى بلغ مني الجهد : يجوز فتح الجيم وضمها ، وهو الغاية والمشقة . ويجوز نصب الدال وضمها أي بلغ الغط مني الجهد أي غاية وسعي فهو مفعول حذف فاعله ، ويروى بضم الجيم والدال أي بلغ مني الجهد مبلغه ، فهو فاعل بلغ .

فأرسلني : أطلقني .

فرجع بها : أي رجع مصاحبا للآيات الخمس المذكورة .

يرجف : بضم الجيم : يخفق ويضطرب .

الفؤاد : قال الزمخشري : وسط القلب ، سمي بذلك لتفؤده أي توقده وفسر الجوهري القلب بالفؤاد ، ثم فسر الفؤاد بالقلب .

قال الزركشي : والأحسن قول غيره أن الفؤاد غشاء القلب والقلب حبته وسويداؤه ، فإذا حصل للوعاء الرجفان حصل لما فيه فيكون في ذكره من تعظيم الأمر ما ليس في ذكر القلب .

ويؤيد الفرق قوله صلى الله عليه وسلم «ألين قلوبا وأرق أفئدة» وهو أولى من قول بعضهم أنه كرر لاختلاف اللفظ .

بوادره : قيل المراد بها اللحمة التي بين المنكب والعنق ، وجرت العادة بأنها تضطرب عند الفزع ، وعلى ذلك جرى الجوهري أي اللحمة المذكورة سميت بلفظ الجمع وتعقبه ابن بري فقال : البوادر جمع بادرة وهي ما بين المنكب والعنق يعني أنه لا يختص بعضو واحد ، وهو جيد فيكون إسناد الرجفان إلى القلب لكونه محله ، وإلى البوادر لأنها مظهره . خشيت علي : بالتشديد وفي رواية على نفسي .

الروع : براء مفتوحة فواو ساكنة فعين مهملة : الفزع . والروع بضم الراء موضع الفزع من القلب .

كلا : قال النووي تبعا لغيره : هي كلمة نفي وإبعاد وقد تأتي بمعنى حقا وبمعنى الاستفتاح . وقال القزاز : هي هنا بمعنى الرد لما خشي على نفسه ، أي لا خشية عليك ، ويؤيده أن في رواية أبي ميسرة : فقالت معاذ الله .

ومن اللطائف أن هذه الكلمة التي ابتدأت خديجة رضي الله تعالى عنها النطق به . [ ص: 249 ]

عقب ما ذكر لها النبي صلى الله عليه وسلم من القصة التي وقعت له ، هي التي وقعت عقب الآيات الخمس من سورة اقرأ في نسق التلاوة ، فجرت على لسانها اتفاقا لأنها لم تكن نزلت بعد ، وإنما نزلت في قصة أبي جهل ، وهذا هو المشهور عند المفسرين .

لا يخزيك : بمثناة تحتية مضمومة فمعجمة فزاي فمثناة تحتية . وفي لفظ : يحزنك بحاء مهملة فزاي فنون ثلاثيا ورباعيا ، قال اليزيدي : أحزنه : لغة تميم ، وحزنه لغة قريش والحزن :

الوقوع في بلية وشهرة بذلة .

نينوى : بنون ، قال ياقوت في «المشترك» بنون مكسورة ، فمثناة تحتية ساكنة فنون فواو فألف قال ياقوت : بلد قديم كان مقابل مدينة الموصل خرب وقد بقي من آثاره شيء وبه كان قوم يونس وجرجس عليهما الصلاة والسلام ، وكذا وجد مضبوطا بكسر النون الأولى في نسخة صحيحة من كتاب «الذيل والصلة» لكتاب التكملة للصغاني وعليها خطه في مواضع كثيرة . وقال أبو ذر : روي بضم النون وبفتحها وهو أشهر .

قدوس : بضم القاف وتفتح : الطاهر المنزه عن العيوب والنقائص . وفعول بالضم والتشديد من أبنية المبالغة . قال في النور : والظاهر أن معنى هذا الكلام التعجب مثلما يقول القائل : الله الله ويحتمل أن يريد : أنت قدوس أي طاهر منزه عن المعاصي يشير بذلك إلى أنه نبي .

عداس : بعين مفتوحة فدال مشددة وآخره سين مهملات .

الرحم : القرابة وصلتها بالإحسان إليها على حسب حال الواصل والموصول ، فتارة يكون بالمال وتارة بالخدمة وتارة بالزيارة وغير ذلك .

الكل : بفتح الكاف وتشديد اللام وهو الذي لا يستقل بأمره أو الثقل بكسر المثلثة وإسكان القاف .

تكسب المعدوم : بفتح المثناة الفوقية : أي تعطي الناس مالا يجدونه عند غيرك ، فحذف أحد المفعولين ، يقال : كسبت الرجل مالا واكتسبته بمعنى ، وقيل معناه تكسب المال المعدوم وتصيب منه ما لا يصيبه غيرك وكانت العرب تتمادح بكسب المال لا سيما قريش ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة محظوظا في التجارة كما سبق بيان ذلك ، وإنما يصح هذا المعنى هنا إذا ضم إليه ما يليق به من أنه كان مع إفادته للمال يجود به في الوجوه التي ذكرت من المكرمات .

وفي رواية : بضم المثناة الفوقية ، من اكتسبت ، أي تكسب غيرك المال المعدوم أي [ ص: 250 ] تتبرع له به ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه ، أو تعطي الناس مالا يجدونه عند غيرك من نفائس الفوائد ومكارم الأخلاق .

والرواية الأولى قال القاضي : أصح . وعلى الرواية الثانية قال الخطابي : الصواب المعدم بلا واو أي الفقير لأن المعدوم لا يكسب .

وأجاب صاحب التحرير بأنه لا يمتنع أن يطلق على المعدم المعدوم ، لكونه كالمعدوم الميت الذي لا تصرف له . والكسب هو الاستفادة فكأنها قالت : إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تفيد رجلا عاجزا فتعاونه .

وقال قاسم بن ثابت في الدلائل : تكسب المعدوم : معناه ما يعدمه غيره ويعجز عنه ويصيبه وهو يكسبه ، وأنشد على ذلك شاهدين من كلام العرب .

وفي تهذيب الأزهري عن ابن الأعرابي : رجل عديم : لا عقل له . ومعدوم : لا مال له .

قال الدماميني : كأنهم نزلوا وجود من لا مال له منزلة العدم .

تقري الضيف : بفتح أوله بلا همز ثلاثيا قال الآبي : وسمع بضمها رباعيا ، أي تهيئ له طعامه وشرابه .

نوائب الحق : حوادثه وإنما أضافت النوائب للحق لأنها تكون في الحق والباطل

ورقة : بفتح الراء .

تنصر : صار نصرانيا .

الجاهلية : ما كان قبل البعثة .

فكان يكتب الكتاب العبراني : وفي رواية : العربي .

يكتب من الإنجيل بالعبرانية وفي رواية بالعربي والجميع صحيح ، لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية فكان يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي لتمكنه من الكتابين واللسانين .

يا ابن عم : هذا نداء على الحقيقة . ووقع في مسلم : يا عم . قال الحافظ : وهو وهم لأنه وإن كان صحيحا لجواز إرادة التوقير لكن القصة لم تتعدد ومخرجها متحد فلا يحمل على أنها قالت ذلك مرتين ، فتعين الحمل على الحقيقة .

الناموس : صاحب السر ، كما جزم به البخاري في أحاديث الأنبياء ، ويقال نمست السر بفتح النون والميم أنمسه بكسر الميم نمسا : كتمته . ونمست الرجل ونامسته : ساررته .

قال الحافظ : وزعم ابن ظفر وغيره أن الناموس صاحب سر الخير ، والجاسوس صاحب سر الشر ، والأول الصحيح الذي عليه الجمهور وقد سوى بينهما رؤبة بن العجاج أحد فصحاء العرب . [ ص: 251 ]

والمراد بالناموس هنا جبريل عليه الصلاة والسلام وسمي بذلك لأن الله تعالى خصه بالغيب والوحي .

يا ليتني فيها : أي أيام الدعوة .

جذعا : بفتح الجيم والذال المعجمة ، وروى في الصحاح بفتح العين وبضمها قال ابن بري : التقدير يا ليتني جعلت فيها جذعا . وقيل النصب على الحال إذا جعلت فيها خبر ليت ، والعامل في الحال ما يتعلق به الخبر من معنى الاستقرار ، قاله القاضي والسهيلي ، قال النووي :

وهو الصحيح الذي اختاره أهل التحقيق والمعرفة من شيوخنا . والجذع : الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور النبي صلى الله عليه وسلم شابا ليكون أمكن لنصره .

أو مخرجي هم : بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع مخرج ، فالياء الأولى ياء الجمع والثانية ضمير المتكلم ، وفتحت للتخفيف لئلا يجتمع الكسر والياءان بعد كسرتين ، فهم : مبتدأ مؤخر ، ومخرجي : خبر مقدم .

إلا عودي : وفي رواية : إلا أوذي .

لتكذبنه ، إلى آخره : قال السهيلي لا ينطق بهذه الهاء إلا ساكنة لأنها هاء السكت وليست بهاء إضمار ، وقال الخشني : الهاء للسكت . كذا جاءت الرواية بسكونها ، ويحتمل أن تكون ضميرا منتصبا بالفعل ولكن كذا جاءت الرواية .

مؤزرا - بالهمز للأكثر وتشديد الزاي بعدها راء من التأزير والتقوية وأصله من الأزر ، والصواب موزرا بغير همز من وازرته موازرة إذا عاونته ، ومنه أخذ وزير الملك ، ويجوز حذف الألف فتقول نصرا موزرا . قال الحافظ ويرد عليه قول الجوهري : آزرت فلانا عاونته ، والعامة تقول وازرته .

وقال الإمام أبو شامة : يحتمل أن يكون من الإزار ، أشار بذلك إلى تشميره في نصرته .

قال الأخطل :


قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم

. البيت .

اليافوخ- بمثناة تحتية فهمزة ففاء فواو فخاء معجمة : وسط الرأس ، يقال في رأس الطفل حتى يشتد .

لم ينشب - بفتح الشين المعجمة أي لم يلبث ، وأصل النشوب التعلق ، أي لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات . [ ص: 252 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية