سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات :

الأول : قال ابن دريد : اشتقاق فاطمة من الفطم ، وهو القطع ، ومنه فطم الصبي إذا قطع عنه اللبن .

يقول الرجل للرجل : والله لأفطمنك عن كذا وكذا ، أي : لأمنعنك عنه .

وروى الخطيب وقال : فيه مجاهيل ، وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" وتقدم أن الحكم عليه بالوضع ليس بصواب عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن الله تعالى إنما سماها فاطمة؛ لأن الله تعالى فطمها وجنبها عن النار" .

الثاني : تقدم أن عليا -رضي الله تعالى عنه- أصدقها درعا ، وأنه باع الدرع ، وبعض متاعه وأصدقها بأربعمائة درهم .

قال المحب الطبري : يشبه أن يكون العقد وقع على الدرع كما دل عليه حديث علي وبعث بها علي ثم ردها إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبيعها ، فباعها وأتاه بثمنها من غير أن يكون بين [ ص: 53 ] الحديثين تضاد ، وقد ذهب إلى مدلول كل واحد من الحديثين قائل ، فقال بعضهم : كان مهرها -رضي الله تعالى عنها- الدرع ، ولم يكن إذ ذاك بيضاء ولا صفراء .

وقال بعضهم : كان أربعمائة وثمانين فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل ثلثها في الطيب .

الثالث : تضمن حديث ابن عباس ، وحديث علي ، وحديث أنس -رضي الله تعالى عنهم- أن الذي حثه على تزويج فاطمة -رضي الله تعالى عنها- متضاد ، ولا تضاد بينهما ، بل يحتمل أن يكون مولاته ، ثم أبو بكر وعمر ، أو بالعكس ، ثم لما خرج لذلك لقيه الأنصار فحثوه على ذلك من غير أن يكون أحدهم علم بالآخر .

الرابع : يحتمل أن تريد أسماء في حديثها بوليمة : ما قام هو بنفسه غير ما جاء به الأنصار من الكبش والذرة جمعا بين الحديثين ، وأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع لها مع ذلك الآصع من التمر والشعير ، وأن يكون ما جاء به الأنصار وليمة الرجال وما دفعه لها صلى الله عليه وسلم للنساء ، كما دل عليه حديثها .

الخامس : كيفية صب الماء ، وتخصيص علي -رضي الله تعالى عنه- به مخالف لما رواه ابن حبان عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال المحب الطبري -رحمه الله تعالى- : ولعله صلى الله عليه وسلم خص عليا -رضي الله تعالى عنه- بهذه الكيفية كما تضمنه الحديث ، فإنه لم يذكر فيه فاطمة -رضي الله تعالى عنها- ونضح صلى الله عليه وسلم عليهما على تلك الكيفية كما في حديث ابن حبان .

السادس : تضمن حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم أخبرها بشيئين ، بموته ، وأنها أول أهله لحوقا به . فبكت ، فأخبرها ثانيا بشيء واحد ، وهو : أنها سيدة نساء المؤمنين ، وسيدة نساء أهل الجنة فضحكت .

وتضمن حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- عند الدولابي أنه أسر إلى فاطمة -رضي الله تعالى عنها- أولا بموته فقط فبكت ، وفي الثانية بأنها سيدة نساء المؤمنين ، فضحكت .

وحديث فاطمة عند الدولابي أيضا ، أنه صلى الله عليه وسلم أسر إليها بموته أولا فبكت وثانيا بشيئين بلحوقها به ، وأنها سيدة نساء أهل الجنة .

وتضمن حديث عائشة عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن حبان عن فاطمة -رضي الله تعالى عنها- أنه أسر إليها أولا بموته فبكت ، وثانيا بأنها أول لاحق به فضحكت .

فيحمل ذلك على صدوره في مجالس مختلفة توفيقا بين الأحاديث ، وأن بكاءها -رضي الله تعالى عنها- في حديث مسلم لم يكن بمجموع الخبرين ، بل بموته صلى الله عليه وسلم فقط ، يدل عليه أنه صلى الله عليه وسلم لما أفرد خبر موته عن خبر لحوقها به كما في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- في هذا [ ص: 54 ] النوع بكت للأول وضحكت للثاني ، ولو كان البكاء لمجموعهما لما حصل لأحدهما ، أو لكل واحد منهما ، كما ضحكت للثاني ، ويدل أيضا على أن ضحكها في حديث الدولابي ، عن فاطمة -رضي الله تعالى عنها- لم يكن لمجموع الخبرين بل لكل واحد؛ إذ لو كان لهما لما استقل به أحدهما ، وقد استقل به في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- كما عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم كما سبق ، فدل على أنه لكل منهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية