سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثالث : في دعائه صلى الله عليه وسلم له رضي الله تعالى عنه

وروى ابن حيان عن أسامة بن زيد -رضي الله تعالى عنهما- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ، ويقعد الحسن على فخذه (الأخرى) ويقول : "اللهم ، إني أحبهما فارحمهما" .

وروى الدولابي عن محمد بن عبد الرحمن بن مولى بني هاشم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الحسن -رضي الله تعالى عنه- مقبلا فقال : اللهم ، "سلمه ، وسلم منه" انتهى .

الرابع : في أنه صلى الله عليه وسلم سأل أن الله تعالى سيصلح به بين فئتين ، وقد كان ذلك بتركه الخلافة والقتال ، لا لعلة ولا لزلة ، وأصلح الله بذلك بين طائفة وطائفة طائفته وطائفة معاوية؛ تحقيقا لمعجزته صلى الله عليه وسلم حيث كان ذلك كما أخبر .

روى الترمذي -وقال : حسن صحيح- والإمام أحمد والبخاري والنسائي عن أبي بكرة ، وابن [ ص: 66 ] عساكر عن أبي سعيد ، ويحيى بن معين في "فوائده" والطبراني والبيهقي في "الدلائل" والخطيب وابن عساكر والضياء عن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إن ابني هذا سيد" وفي لفظ : "وإنه ريحانتي ، وإني لأرجو أن يصلح الله به" وفي لفظ : "لعل الله أن يصلح به" ، وفي لفظ : وليصلحن الله به ، وفي لفظ : "يصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين" وفي لفظ : من المسلمين عظيمتين .

الخامس : في مصه صلى الله عليه وسلم لعاب الحسن ، ومحبته له ، وتقبيله سرته رضي الله تعالى عنه

روى الإمام أحمد في "المناقب" عن معاوية -رضي الله تعالى عنه- قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسان الحسن أو شفته ، وأنه لن يعذب لسان أو شفتان مصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : لا زلت أحب هذا الرجل -يعني حسنا- بعدما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع به ما يصنع ، رأيت الحسن في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدخل أصبعه في لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يدخل لسانه في فمه أو لسان الحسن في فمه ، ثم قال : "اللهم ، إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه" .

وروى الحاكم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "اللهم ، إني أحبه ، فأحبه" ، يعني الحسن .

السادس : (في تقبيله صلى الله عليه وسلم سرة الحسن رضي الله تعالى عنه) .

وروى ابن حبان عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أنه رأى الحسن بن علي -رضي الله تعالى عنهما- في بعض طرق المدينة ، فقال له : اكشف لي عن بطنك ، فداك أبي ، حتى أقبل منك حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله ، فكشف له عن بطنه فقبل سرته .

السابع : في وثوبه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم .

روى ابن أبي الدنيا وأبو بكر الشافعي عن عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنهما- قال : رأيت الحسن بن علي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فيركب على ظهره وهو ساجد ، فما ينزل حتى يكون هو الذي ينزل ، ويأتي وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر .

وروى أبو سعيد بن الأعرابي عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- قال : جاء الحسن [ ص: 67 ] -رضي الله تعالى عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد فركب على ظهره فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده فأقامه على ظهره ، ثم ركع ثم أرسله فذهب .

الثامن : في علمه رضي الله تعالى عنه

روى ابن أبي الدنيا في كتاب "اليقين" عن محمد بن معشر اليربوعي قال : قال علي للحسن ابنه -رضي الله تعالى عنهما- : كم بين الإيمان واليقين ؟ قال : أربع أصابع ، قال : اليقين ما رأته عيناك ، والإيمان ما سمعته أذنك ، وصدقت به ، قال : أشهد أنك ممن أنت منه ، ذرية بعضها من بعض .

التاسع : في خطبته يوم قتل أبوه رضي الله تعالى عنهما

روى الدولابي عن زيد بن الحسن -رضي الله تعالى عنهما- قال : خطب الحسن -رضي الله تعالى عنه- الناس حين قتل أبوه علي -رضي الله تعالى عنه- فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه الراية فيقاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فما يرجع حتى يفتح الله -عز وجل- عليه ، وما ترك على ظهر الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه ، وأراد أن يبتاع بها خادما لأهله ، ثم قال : أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي وأنا ابن الرضي ، وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل صلى الله عليه وسلم ينزل فيه ويصعد من عندنا ، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله -عز وجل- عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله تعالى مودتهم على كل مسلم ، فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا [الشورى : 42] واقتراف الحسنة تزيد لنا أهل البيت .

العاشر : في بيعته وخروجه إلى معاوية ، وتسليمه الأمر له بعد قتل أبيه -رضي الله تعالى عنهما- لثلاث عشرة بقيت من رمضان ، بايعه أكثر من أربعين ألفا ، وقال صالح ابن الإمام أحمد : سمعت أبي يقول : بايع الحسن تسعون ألفا ، فزهد في الخلافة ، وصالح معاوية ، ببذله له تسليم الأمر على أن تكون الخلافة له بعده ، وعلى أن لا يطلب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان من أيام أبيه ، وغير ذلك ، فظهرت المعجزة النبوية بقوله صلى الله عليه وسلم : "إن ابني هذا سيد ، يصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، ولم يسفك في أيامه دم ، وبقي نحو (ستة) أشهر ، وكان صلحهما لخمس بقين من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ، [ ص: 68 ] ولامه الحسين على ذلك ، والصواب مع الحسن .

قالوا : فإن مدة الخلافة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم انقضت بخلافته ، ولم يبق إلا الملك ، وقد صان الله تعالى أهل بيته ببركة نبيه صلى الله عليه وسلم .

قال الدولابي : أقام الحسن -رضي الله تعالى عنه- بالكوفة إلى ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ، وقد قتل عبد الرحمن بن ملجم ، ويقال : إنه ضربه بالسيف فقتله ، ثم سار إلى معاوية ، فالتقيا بمسكن من أرض الكوفة ، واصطلحا ، وسلم إليه الأمر ، وبايع له لخمس بقين من شهر ربيع الأول في سنة إحدى وأربعين . وقيل : إنه صالحه وأخذ منه مائة ألف دينار ، وكانت مدة خلافته ستة أشهر وخمسة أيام .

وروى الحافظ أبو نعيم وغيره عن الشعبي -رحمه الله تعالى- قال : شهدت خطبة الحسن -رضي الله تعالى عنه- حين سلم الأمر إلى معاوية ، قال : فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن أكيس الكيس التقى ، وإن أحمق الحمق الفجور ، ألا وإن هذه الأمور التي اختلفت فيها أنا ومعاوية ، إنما هو لأمري ، فإن كان له حق فهو بحقه ، وإن كان لي فقد تركته له إرادة إصلاح الأمة وحقن دمائها وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ثم نزل .

التالي السابق


الخدمات العلمية