سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثالث : في شبهه برسول الله صلى الله عليه وسلم [ . . . . . . ] .

الرابع : في أنه من أهل الجنة رضي الله تعالى عنه

روى ابن حبان وابن سعد وأبو يعلى وابن عساكر والضياء عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- قال : من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة -وفي لفظ : إلى سيد شباب أهل الجنة- فلينظر إلى الحسين بن علي -رضي الله تعالى عنهما- فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله .

الخامس : في نزوله على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

روى أبو القاسم البغوي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى -رضي الله تعالى عنه- قال : خلونا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل حسين ، فجعل ينزو على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى بطنه ، فبال ، فقمنا إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوه" ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فصبه على ثوبه .

[ ص: 73 ] السادس : في قوله صلى الله عليه وسلم : "حسين مني ، وأنا من حسين ، ومن أحبه فقد أحبني" .

روى سعيد بن منصور والترمذي وحسنه عن يعلى بن مرة العامري -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حسين مني ، وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ، وحسين سبط من الأسباط" .

وروى الإمام أحمد عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الحسن والحسين سبطان من الأسباط" .

روى الطبراني في الكبير عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من أحب هذين يعني الحسن والحسين فقد أحبني" .

وروى الحاكم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اللهم ، إني أحبه ، فأحبه" يعني الحسين .

السابع : في أن المهدي من ذريته رضي الله تعالى عنهما

روى أبو نعيم في الدلائل [عن أم الفضل ، قالت : مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال : "إنك حامل بغلام ، فإذا ولدت فأتيني به" ، قالت : فلما ولدته أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فأذن في أذنه اليمنى ، وأقام في أذنه اليسرى ، وألبأه من ريقه ، وسماه عبد الله ، وقال : اذهبي بأبي الخلفاء ، فأخبرت العباس ، وكان رجلا لباسا ، فلبس ثيابه ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما بصر به قام فقبل بين عينيه ، قال : قلت يا رسول الله : ما شيء أخبرتني به أم الفضل ؟ قال : هو ما أخبرتك ، هذا أبو الخلفاء حتى يكون منهم السفاح ، حتى يكون منهم المهدي ، حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم عليه السلام] .

الثامن : في تأذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببكائه رضي الله تعالى عنه

روى أبو القاسم البغوي عن يزيد بن أبي زياد قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة -رضي الله تعالى عنها- فمر على باب فاطمة -رضي الله تعالى عنها- فسمع حسينا -رضي الله تعالى عنه- يبكي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أما تعلمي أن بكاءه يؤذيني" .

التاسع : في إخبار جبريل وملك المطر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين وإراءتهما له تربة الأرض التي يقتل بها .

روى الطبراني في "الكبير" وابن سعد عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة ، وأخبرني أن فيها مضجعه" .

[ ص: 74 ] وروى الإمام أحمد عن ثابت عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : استأذن ملك المطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له ، فقال لأم سلمة -رضي الله تعالى عنها- : "احفظي علينا الباب لا يدخل أحد" فجاء حسين فوثب حتى دخل فجعل يصعد على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الملك : أتحبه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "نعم" قال : إن أمتك تقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، قال : فضرب بيده ، فأراه ترابا أحمر ، فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها ، قال : فكنا نسمع بقتله بكربلاء .

ورواه البيهقي من حديث وهب بن ربيعة ، وزاد قال : أخبرتني أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطجع ذات يوم فاستيقظ وهو خاثر ثم اضطجع فرقد ، ثم استيقظ وهو خاثر ، دون ما رأيت منه في المرة الأولى ، ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء وهو يقبلها فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله ؟ قال : "أخبرني جبريل أن ابني هذا يقتل بأرض العراق" ، قال : قلت له : يا جبريل ، أرني تربة الأرض ، فقال : هذه تربتها .

وروى البزار عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : كان الحسين جالسا في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل : أتحبه ؟ فقال : "وكيف لا أحبه ، وهو ثمرة فؤادي ؟ " فقال : أما إن أمتك ستقتله ، ألا أريك من موضع قبره ، فقبض قبضة ، فإذا تربة حمراء .

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن يحيى عن أبيه أنه سار مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله تعالى وجهه- فلما حاذى شط الفرات قال : خيرا يا عبد الله ، قلت : وما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعيناه تفيضان ، فقلت : مم ذاك يا رسول الله- صلى الله عليك وسلم- ؟ قال : "قام من عندي جبريل- عليه الصلاة والسلام- وأخبرني أن الحسين يقتل بشط الفرات" ، وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟

فقلت : نعم ، فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عيني أن فاضتا .


وروى الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تبكوا هذا الصبي" يعني حسينا ، فكان يوم أم سلمة ، فنزل جبريل- عليه الصلاة والسلام- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة : "لا تدعي أحدا يدخل" ، فجاء الحسين فأخذته واحتضنته ، فبكى فخلته يدخل حتى قعد في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال جبريل -عليه الصلاة والسلام- : إن أمتك ستقتله ، قال "يقتلونه وهم مؤمنون ؟ " قال : نعم ، وأراه من تربته .

وفي رواية قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يا جبريل ، أفلا أراجع فيه ربي -عز وجل ؟ " قال : لا؛ إنه أمر قد قضي وفرغ منه .

وروى الإمام أحمد عن عائشة أو أم سلمة -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 75 ] قال : "لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها" ، فقال : إن ابنك هذا حسين مقتول ، وإن شئت أريتك الأرض التي يقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء .

وروى البغوي عن أنس بن الحارث -رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "إن ابني هذا -يعني الحسين- يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد ذلك فلينصره" .

قال : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء ، فقاتل مع الحسين -رضي الله تعالى عنه- فقتل .

وروى ابن سعد وغيره عن علي -رضي الله تعالى عنه- أنه مر بكربلاء ، وهو ذاهب إلى صفين ، فسأل عن اسمها ، فقيل : كربلاء ، فنزل فصلى عند شجرة هنالك ، فقال : يقتل ها هنا شهداء وهم خير الشهداء ، يدخلون الجنة بغير حساب ، وأشار إلى مكان فعلموه بشيء ، فقتل فيه الحسين رضي الله تعالى عنه .

وقد تقدم في باب إخباره بقتل الحسين من المعجزات بشيء غير ذلك .

العاشر : في رؤيا أم سلمة وابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامهما وإخباره إياهما أنه شهد قتل الحسين رضي الله تعالى عنه

روى ابن أبي الدنيا عن علي بن زيد بن جدعان ، قال : استيقظ ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- من نومه ، فاسترجع ، فقال : قتل الحسين ، والله ، فقال له أصحابه : كلا يا ابن عباس ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زجاجة من دم ، فقال : ألا ترى ما صنعت أمتي من بعدي قتلوا ابني الحسين ، وهذا دمه ودم أصحابه ، أرفعه إلى الله -عز وجل- فكتب ذلك اليوم الذي قال فيه ، وتلك الساعة ، فجاء الخبر بعد أيام أنه قتل في ذلك اليوم وتلك الساعة .

وروى الترمذي عن سلمى ، قالت : دخلت على أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- وهي تبكي فقلت : ما يبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، وعلى رأسه ولحيته التراب ، قلت : ما لك يا رسول الله- صلى الله وسلم عليك ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا .

وروى ابن سعد عن شهر بن حوشب -رضي الله تعالى عنه- قال : إنا لعند أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- فسمعتها صارخة ، فأقبلت حتى انتهيت إلى أم سلمة ، فقالت : قتل الحسين ، فقالت : قد فعلوها ، ملأ الله قبورهم أو بيوتهم نارا ، ووقعت مغشيا عليها وقمنا .

الحادي عشر : في نوح الجن لقتل الحسين رضي الله تعالى عنه

قد حكى غير واحد أن أهل كربلاء لا يزالون يسمعون نوح الجن على الحسين -رضي الله تعالى عنه- وهن يقلن :


مسح الرسول جبينه فله بريق في الخدود



[ ص: 76 ]

أبواه في عليا قريش     وجده خير الجدود

.

وقد أجابهم بعض الناس فقال :


خرجوا به وفدا إليه     فهم له شر الوفود
قتلوا ابن بنت نبيهم     سكنوا به دار الخلود

.

زاد بعضهم أن نساء الجن ينحن ويقلن :


أيها القاتلون ظلما حسينا     أبشروا بالعذاب والتنكيل
كل أهل السماء يدعو عليكم     ونبي مرسل وقبيل
قد لعنتم على لسان داود     وموسى وصاحب الإنجيل

.

وروى الطبراني من طريق حبيب بن أبي ثابت عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- قالت : ما سمعت نوح الجن منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذه الليلة ، وما أرى ابني إلا قد قتل يعني الحسين ، فقالت لجاريتها : اخرجي فاسألي ، فأخبرت أنه قد قتل وإذا بجنية تنوح :


ألا يا عين فاحتفلي بجهدي     ومن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا     إلى متجبر في ملك عبدي

.

وروى أبو نعيم عن بريدة بن جابر الحضري ، عن أمه قالت : سمعت الجن تنوح على الحسين وهي تقول :


انعي حسينا هبلا     كان حسين جبلا

.

وروى أبو نعيم من طريق ابن لهيعة ، عن أبي قبيل قال : لما قتل الحسين -رضي الله تعالى عنه- اجتزوا رأسه ، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ يتحيون بالرأس ، فخرج عليهم قلم من حديد من حائط فكتب سطرا بدم :


أترجو أمة قتلت حسينا     شفاعة جده يوم الحساب

.

روى ابن عساكر عن المنهال بن عمرو قال : أنا -والله- رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق ، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف ، حتى بلغ قوله تعالى : أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا [الكهف : 9] فأطلق الله تعالى الرأس بلسان ذرب فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي .

الثاني عشر : في خطبته -رضي الله تعالى عنه- حين أيقن بالقتل

روى الزبير بن بكار ، حدثني محمد بن الحسين قال : لما أيقن الحسين -رضي الله [ ص: 77 ] تعالى عنه- بأنهم قاتلوه قام خطيبا فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال : قد نزل ما ترون من الأمر ، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت ، وأدبر خيرها ومعروفها ، واستمرت حتى لم يبق منها إلا كصبابة الإناء ، إلا خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحق ؟ ألا ترون الحق يعمل به والباطل لا يتناهى عنه؛ ليرغب المؤمن في لقاء الله -عز وجل- وإني لا أرى الموت إلا ساعة ، والحياة مع الظالمين إلا ندامة .

قالوا : وذكر كلاما كثيرا غير ذلك ، وبات هو وأصحابه يصلون ويستغفرون ويتضرعون وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

وقال علي زين العابدين بن الحسين -رضي الله تعالى عنهما- : إني لجالس في تلك العشية التي قتل أبي في صبيحتها ، وعمتي زينب من جنبي سمعت أبي يقول :


يا دهر أف لك من خليل     كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل     والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الأمر إلى الجليل     وكل حي سالك السبيل

.

قال : فأعادها مرتين أو ثلاثا ، فعرفت ما أرادهما ، فخنقتني العبرة ، فقامت عمتي حاسرة ، حتى جاءت إليه ، فقالت : والله ، ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ، ماتت أمي فاطمة وعلي أبي ، وحسن أخي ، يا خليفة الماضي ، قال : فنظر إليها ، وقال : يا أختاه لا يذهبن حلمك الشيطان ، فقالت : بأبي أنت يا أبا عبد الله ، وبكت ولطمت وجهها ، وشقت جيبها ، وخرت مغشيا عليها ، فقام إليها فصب على وجهها الماء ، وقال : يا أختاه ، اتقي الله وتعزي بعز الله ، واعلمي أن أهل الأرض يموتون ، وأن أهل السماء لا يبقون ، وكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وتعالى ، يا أختاه ، أبي خير مني ، وأمي خير مني ، وأخي خير مني ، ولي ولهم ولكل مسلم أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم حرج عليها أن لا تفعل شيئا من هذا بعد قتله ، ثم أخذ بيدها فردها إلى عندي ، رضي الله تعالى عنهم أجمعين .

وذكر أبو بكر بن الأنباري -رحمه الله تعالى- أن زينب بنت عقيل بن أبي طالب لما قتل أخوها الحسين -رضي الله تعالى عنه- أخرجت رأسها من الخباء ، وأنشدت رافعة صوتها :


ماذا تقولون إن قال النبي لكم     ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي     منهم أسارى وقتلى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم     أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم



[ ص: 78 ] ومن كلامه -رضي الله تعالى عنه- : اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله -عز وجل- فلا تملوا النعم ، فتعود نقما ، واعلموا أن المعروف يكسب حمدا ، ويعقب أجرا ، فلو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه رجلا حسنا جميلا ، يسر الناظرين ، ويفوق العالمين ، ولو رأيتم اللؤم رجلا لرأيتموه رجلا سمجا مقبوحا ، تنفر منه القلوب ، وتغض دونه الأبصار ، واعلموا أن من جاد ساد ، ومن بخل رذل ، ومن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا .

وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج : إياك ودم آل أبي طالب؛ فإني رأيت بني حرب لما قتلوا حسينا -رضي الله تعالى عنه- نزع الله -عز وجل- الملك منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية