سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثالث عشر : في خروجه إلى أرض العراق -رضي الله تعالى عنه- ونهي ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وغيرهم إياه عن ذلك ، ومكاتبة جماعة من وجوه أهل الكوفة في القدوم عليهم ، وأنهم ينصرونه ، وخذلانهم له ، وكيفية قتله ، رضي الله تعالى عنه

روى ابن حبان وأبو داود الطيالسي في "مسنده" عن الشعبي قال : بلغ ابن عمر -رضي الله تعالى عنه- أن الحسين بن علي -رضي الله تعالى عنهما- قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة ، فقال : أين تريد ؟ قال : العراق ، ومعه طوامير وكتب ، فقال : لا تأتهم ، فقال : هذه كتبهم وبيعتهم ، فقال له : إن الله -عز وجل- خير نبيه -صلى الله عليه وسلم- بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ، وإنكم بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله لا يليها أحد منكم أبدا ، وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم ، فارجعوا ، فأبى ، وقال : هذه كتبهم وبيعتهم ، قال : فاعتنقه ابن عمر ، وقال : أستودعك الله من قتيل .

وقد وقع ما فهمه ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- سواء بسواء من أهل هذا البيت؛ لأنها صارت ملكا ، والله -عز وجل- قد صان أهل بيت نبيه- عليه الصلاة والسلام- عن الملك والدنيا .

وروى أبو القاسم البغوي ، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : استشارني الحسين في الخروج فقلت : لولا أن يزرى بي وبك ، لنشبت يدي في رأسك ، فقال : لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلي من أن أستحل حرمتها ، يعني مكة ، وكان ذلك الذي سلى نفسي عنه .

وروي عن بشر بن غالب ، قال : كان ابن الزبير يقول للحسين -رضي الله تعالى عنهما- : تأتي قوما قتلوا أباك ، وطعنوا أخاك ، فقال الحسين -رضي الله تعالى عنه- لأن أقتل بموضع كذا وكذا أحب إلي من أن يستحل بي ، يعني الحرم .

الرابع عشر : في كرامات حصلت له ، وآيات ظهرت لمقتله ، رضي الله تعالى عنه

[ ص: 79 ] روى عمر الملا عن رجل من كلب قال : صاح الحسين بن علي -رضي الله تعالى عنهما- : اسقونا ماء ، فرماه رجل بسهم ، فشد شدقه ، فقال -رضي الله تعالى عنه- : لا أرواك الله عز وجل ، فعطش الرجل إلى أن رمى بنفسه في الفرات ، فشرب حتى مات .

وروى ابن أبي الدنيا عن العباس بن هشام بن محمد الكوفي ، عن أبيه عن جده ، قال : كان رجل يقال له زرعة شهد قتل الحسين -رضي الله تعالى عنه- فرمى الحسين -رضي الله تعالى عنه- بسهم فأصاب حنكه ، وذلك أن الحسين -رضي الله تعالى عنه- دعا بماء ليشرب ، فرماه ، فحال بينه وبين الماء ، فقال -رضي الله تعالى عنه- : اللهم ظمه ، فحدثني من شهد موته ، وهو يصيح من الحر في بطنه ، ومن البرد في ظهره ، وبين يديه الثلج والمراوح ، وخلفه الكانون ، وهو يقول : اسقوني ، أهلكني العطش ، فيؤتى بالعسل العظيم ، فيه السويق والماء واللبن ، لو شربه خمسة لكفاهم ، فيشربه فيعود ، ثم يقول : اسقوني أهلكني العطش ، فانقد بطنه كانقداد البعير .

وروى أبو القاسم البغوي عن علقمة بن وائل أو وائل بن علقمة أنه شهد هنالك قال : قام رجل فقال : أفيكم الحسين ؟ قالوا : نعم ، قال : أبشر بالنار ، قال -رضي الله تعالى عنه- : أبشر برب رحيم ، وشفيع مطاع ، من أنت ؟ قال : أنا جويرة ، قال : اللهم جره إلى النار ، فنفرت به الدابة ، فتعلقت رجله في الركاب ، فوالله ما بقي عليها منه إلا رجله .

روي أيضا عن أبي معشر عن بعض مشايخه قال : إن قاتل الحسين لما جاء ابن زياد ، وذكر له كيفية قتله اسود وجهه ، ولما قاله للحسين اسود وجهه .

وروى عمر الملا عن سفيان قال : حدثتني جدتي أنها رأت رجلين ممن شهدا قتل الحسين -رضي الله تعالى عنه- قالت : أما أحدهما فطال ذكره ، حتى كان يلفه ، وأما الآخر فإنه كان يستقبل الرواية فيشربها إلى آخرها فما يروى .

وروى سعيد بن منصور عن أبي محمد الهلالي قال : شرك رجلان مني في دم الحسين بن علي -رضي الله تعالى عنه- فأما أحدهما فابتلي بالعطش ، فكان لو شرب راوية ما روي ، وأما الآخر فابتلي بطول ذكره ، فكان إذا ركب الفرس يلفه على عنقه .

وروي أيضا عنه عن جدته أن رجلا ممن شهد قتل الحسين -رضي الله تعالى عنه- كان يحمل ورسا فصار ورسه رمادا .

وروى الإمام أحمد في المناقب عن أبي رجاء أنه كان يقول : لا تسبوا عليا ولا أهل هذا البيت ، فإن جارا لنا من بني الهجيم قدم من الكوفة فقال : ألم تروا هذا الفاسق ابن الفاسق ، إن [ ص: 80 ] الله تعالى قتله ، يعني الحسين -رضي الله تعالى عنه- فرماه الله تعالى بكوكبين في عينيه فطمس بصره .

وروى منصور بن عمار عن أبي قبيل قال : لما قتل الحسين بن علي -رضي الله تعالى عنه- بعث برأسه إلى يزيد ، فنزلوا أول مرحلة ، فجعلوا يشربون ويتحيون بالرأس ، فبينما هم كذلك إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد ، فكتب سطرا بدم :


أترجو أمة قتلت حسينا شفاعة جده يوم الحساب ؟ !



وروى الحافظ ابن عساكر -رحمه الله تعالى- أن طائفة من الناس ذهبوا في غزوة إلى بلاد الروم فوجدوا في كنيسة :


أترجو أمة قتلت حسينا     شفاعة جده يوم الحساب ؟ !

فسألوا : من كتب هذا ؟ فقالوا : هذا مكتوب من قبل مبعث نبيكم بثلاثمائة سنة .

وروى أبو نعيم في "الدلائل" عن نضرة الأزدية أنها قالت لما قتل الحسين -رضي الله تعالى عنه- : أمطرت السماء دما فأصبحنا وجباهنا وجوارحنا مملؤة دما .

وروى أبو القاسم البغوي عن مروان مولى هند بنت المهلب قالت : حدثني أيوب بن عبيد الله بن زياد أنه لما جيء برأس الحسين -رضي الله تعالى عنه- رأيت دار الإمارة تسيل دما .

وروي أيضا عن جعفر بن سليمان قال : حدثتني خالتي أم سلمة قالت : لما قتل الحسين -رضي الله تعالى عنه- أمطرنا مطرا كالدم على البيوت ، والجدار ، قال : وبلغني أنه كان بخراسان والشام والكوفة .

وروى ابن السدي عن أم سلمة قالت : لما قتل الحسين -رضي الله تعالى عنه- مطرنا دما .

وروى أيضا عن ابن شهاب قال : لما قتل الحسين -رضي الله تعالى عنه- لم يرفع ولم يقلع حجر بالشام إلا عن دم .

وروى الترمذي وصححه عن عمارة بن عمير ، قال : لما جيء برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد وأصحابه نضدت في المسجد في الرحبة ، فانتهيت إليهم وهم يقولون : قد جاءت ، قد جاءت ، فإذا حية قد جاءت تتخلل الرؤوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد وأصحابه ، فمكثت هنيهة ، ثم خرجت ، فذهبت حتى تغيبت ، ثم قالوا : قد جاءت ، قد جاءت ، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا .

[ ص: 81 ] الخامس عشر : فيما جاء فيما يقتل به رضي الله تعالى عنه

روى عمر الملا عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن جبريل -عليه الصلاة والسلام- أخبرني أن الله -عز وجل- قتل بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفا ، وهو قاتل بدم الحسين سبعين ألفا وسبعين ألفا" انتهى .

في انتقام الله -عز وجل- من قتلة الحسين وتسليط الجبارين عليهم [ . . . . . . . ] .

السادس عشر : في ولد الحسين رضي الله تعالى عنه

ذكر الشيخ شمس الدين سبط ابن الجوزي -رحمه الله تعالى- : علي الأكبر ، وعلي الأصغر ، وهو زين العابدين والنسل له ، وجعفر ، وفاطمة ، وعبد الملك ، وسكينة ، ومحمد ، وأسقط البلاذري جعفرا .

وروي : قال المحب الطبري في الذخائر : ولد للحسين -رضي الله تعالى عنه- ستة بنين ، وثلاث بنات ، علي الأكبر استشهد مع أبيه ، وعلي زين العابدين ، وعلي الأصغر ، ومحمد ، وعبد الله ، استشهد مع أبيه ، وجعفر ، وسكينة ، وفاطمة ، وجعل المحب الطبري عليا الأصغر غير زين العابدين ، وهو غير موافق على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية