سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب التاسع في بعض مناقب عبيد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه

وفيه أنواع :

الأول : في مولده واسمه وكنيته رضي الله تعالى عنه

كان أصغر من أخيه عبد الله بسنة .

الثاني : في كرمه وجوده .

كان كريما جميلا وسيما يشبه أباه في الجمال ، وكان سمحا جوادا محمودا مقصدا للوافدين عليه ، وكان يقول : لولا لذة العطاء ما ألبست المحامد ، وجاءه في يوم ستة آلاف ، ففرق الجميع في يومه ذلك ، وكان يذبح في كل يوم جزورا ويطعمه الناس ، فكان أهل المدينة يتغدون ويتعشون عنده ، وهو أول من وضع الموائد على (الطريق) .

روي أنه نزل في منزله على خيمة رجل من العرب ، فلما رآه الأعرابي أعظمه وأجله لما رأى من حسنه وشكله ، فقال لامرأته : ويحك ما عندك لضيفنا غداء ، فقالت : ليس عندنا إلا الشويهة التي حياة ابنتك على لبنها ، فقال : إنه لا بد من ذبحها ، قالت : أتقتل ابنتك ؟ قال : وإن كان ذاك ، وأخذ الشفرة والشاة ، وجعل يذبحها ويسلخها ويقول مرتجزا :


يا جارتي لا توقظي البنيه إن توقظيها تنتحب عليه     وتنزع الشفرة من يديه



ثم هيأها طعاما وحملها ، فوضعها بين يدي عبيد الله ومولاه فعشاهما ، وكان عبيد الله سمع محاورتهما في الشاة ، فلما أراد الارتحال ، قال لمولاه : ويحك ، ما معك من المال ؟ قال خمسمائة دينار فضلت من نفقتك ، فقال : ويحك ، ادفعها للأعرابي ، وعرفه أنه ليس معنا غيرها ، فقال له مولاه : سبحان الله تعطيه خمسمائة دينار وإنما دفع لنا شاة تساوي خمسة دراهم ؟ !! فقال : ويحك ، والله لهو أسخى منا وأجود ، إنما أعطيناه بعض ما نملك وجاد هو علينا وآثرنا على مهجة نفسه وولده بجميع ما يملك .

روي له حديث واحد في مسند الإمام أحمد .

وروى الطبراني برجال الصحيح إلا أن حبيبا لم يسمع من أبي أيوب ، عن حبيب بن أبي [ ص: 118 ] ثابت -رحمه الله تعالى- أن أبا أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه حين غزا أرض الروم ، فمر على معاوية فجفاه ، فانطلق ثم رجع من غزوته فجفاه ، ولم يرفع به رأسا ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأني أنا سنرى بعده أثرة ، قال معاوية : فبم أمركم ؟ قال : أمرنا بالصبر ، قال : اصبروا إذا ، فأتى عبد الله بالبصرة ، وقد أمره عليها علي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبا أيوب إني أريد أن أخرج لك عن سكني كما خرجت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر أهله فخرجوا ، وأعطاه كل شيء ، وأغلق عليه الدار ، فلما كان انطلاقه قال : حاجتك ، قال : حاجتي عطائي وثمانية أعبد يعملون في أرضي ، وكان عطاؤه أربعة آلاف ، فأضعفها له خمس مرات ، فأعطاه عشرين ألفا وأربعين عبدا . انتهى .

الثالث : في وفاته رضي الله تعالى عنه

قال خليفة بن خياط : توفي سنة ثمان وخمسين بالمدينة ، وقيل : بالشام ، وقيل : باليمن . والله أعلم . وعمره بضع وثمانون سنة .

الرابع : في أولاده رضي الله تعالى عنه

كان له عدة أولاد ذكور وإناث ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 119 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية