سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثاني عشر : في سخائه وكرمه رضي الله تعالى عنه

روي عن . . . أن معاوية أمر لابن عباس -رضي الله تعالى عنه- بأربعة آلاف درهم ، ففرقها في بني عبد المطلب ، فقالوا : إنا لا نقبل الصدقة ، فقال : إنها ليست بصدقة ، وإنما هي هدية .

الثالث عشر : في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- كلمات ينفعه الله تعالى بهن .

وروى عبد بن حميد والخلعي وأبو نعيم واللفظ له ، عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : "يا غلام ، ألا أعلمك كلمات ينفعك الله -عز وجل- بهن ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة ، واعلم أن الخلق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا لم يكتبه الله لك لم يقدروا على ذلك ، وعلى أن يمنعوك شيئا كتبه الله لك لن يقدروا على ذلك ، فاعمل لله -عز وجل- بالرضى واليقين ، واعلم أن النصر مع الصبر ، وأن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسرا" .

[ ص: 131 ] الرابع عشر : في حرصه على الخير في صغره

روى الشيخان عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : أقبلت راكبا على أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى غير جدار بمنى .

وروى ابن جرير عن سعيد بن جبير -رضي الله تعالى عنه- عن ابن عباس قال : بت عند خالتي ميمونة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بعدما أمسى ، فقال : أصلى الغلام ؟ قالوا : نعم ، فاضطجع حتى مضى من الليل ما شاء ، ثم قام فتوضأ ، فقمت فتوضأت بفضلته ، ثم اشتملت بإزاري ، ثم قمت عن يساره ، فأخذ بأذني فأدارني حتى أقامني عن يمينه ، ثم صلى سبعا أو خمسا أوتر بهن ، لم يسلم إلا في آخرهن .

وروي عن عكرمة -رضي الله تعالى عنه- قال : بت عند خالتي ميمونة فقمت فقلت : لأنظرن إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام من الليل ، فقمت معه ، فبال فتوضأ وضوءا خفيفا ، ثم عاد ثم قام ، فبال فتوضأ وضوءا فأحسن الوضوء ، ثم توضأ ، قال : فصلى من الليل فقمت خلفه ، فأهوى بيده وأخذ برأسي فأقامني عن يمينه إلى جنبه ، فصلى أربعا ثم أربعا ، ثم أوتر بثلاث ، ثم نام ، حتى سمعته ينفخ ، ثم أتاه المؤذن فخرج إلى الصلاة ، ولم يحدث وضوءا .

وروى ابن أبي شيبة عنه -رضي الله تعالى عنه- قال : بت ذات ليلة عند ميمونة بنت الحارث ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فقمت عن يساره ، فأخذ بداوية كانت لي أو برأسي ، فأقامني عن يمينه .

وروى عبد الرزاق عنه قال : بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فأتى الخوخة ثم جاء فغسل وجهه ويديه ، ثم قام يصلي من الليل فأتى القربة ، فتوضأ وضوءا بين وضوءين ، لم يكثر وقد أبلغ ، ثم قام يصلي ، وتمطيت كراهية أن يراني القتيبة -يعني أراقبه- ثم قمت ، ففعلت كما فعل ، فقمت عن يساره فأخذ بما يلي أذني فكنت عن يمينه ، وهو يصلي ، فتتامت صلاته إلى ثلاث عشرة ركعة ، منها ركعتا الفجر ، ثم اضطجع فنام حتى نفخ ، ثم جاء بلال فآذنه بالصلاة ، فقام يصلي ، ولم يتوضأ .

وروي أيضا عنه قال : كنت في بيت ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، فقمت عن يساره فأخذ بيدي ، فجعلني عن يمينه ، ثم صلى ثلاث عشرة ركعة ، حررت قيامه في كل ركعة قدر "يا أيها المزمل" .

الخامس عشر : في قوله صلى الله عليه وسلم : "هذا شيخ قريش" وهو صغير

روى أبو زرعة الرازي في "العلل" عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه- قال : أتيت خالتي ميمونة فقلت : إني أريد أن أبيت عندكم الليلة ، فقالت : وكيف تبيت وإنما الفراش [ ص: 132 ] واحد ؟ !! فقلت : لا حاجة لي بفراشكما ، أفرش نصف إزاري ، وأما الوسادة فإني أضع رأسي مع رأسكما من وراء الوسادة ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثته ميمونة بما قال ابن عباس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هذا شيخ قريش" .

التالي السابق


الخدمات العلمية