سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيه :

ما ذكر ابن إسحاق من أن صداقه -صلى الله عليه وسلم- لأكثر أزواجه أربعمائة درهم ، ورد ما يخالفه ، روى مسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : كان صداق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا ، قالت : أتدري ما النش ؟ قلت : لا ، قالت : النش نصف أوقية ، فذلك خمسمائة درهم ، فذلك صداق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأزواجه ، وهذا أولى بالصحة؛ لأنه متفق عليه ، ولأنه فيه زيادة على ما ذكره ابن إسحاق ، ومن ذكر الزيادة معه زيادة علم .

الثاني : في ذكر الآيات التي نزلت في شأن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم :

قال الله عز وجل : وأزواجه أمهاتهم [الأحزاب : 6] يعني : أمهات المؤمنين ، ثم في تعظيم الحرمة ، وتحريم نكاحهن على التأبيد ، فهن كالأمهات لا في النظر إليهن ، والخلوة بهن ، فإن ذلك حرام في حقهن كما في الأجانب ، ولا يقال لبناتهن : أخوات المؤمنين ، ولا لإخوتهن وأخواتهن أخوال المؤمنين وخالاتهم ، فقد تزوج الزبير من أسماء بنت أبي بكر وهي أخت عائشة -رضي الله تعالى عنها- وتزوج العباس أم الفضل أخت ميمونة ، ولم يقل : هما خالتا المؤمنين .

ويقال لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أمهات المؤمنين الرجال دون النساء ، بدليل ما روي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة -رضي الله تعالى عنها- : يا أمة ، فقالت : لست لك بأم ، إنما أنا أم رجالكم ، فبان بذلك أن معنى الآية أن الأمومة في الأمة المراد بها تحريم نكاحهن على التأبيد كالأمهات .

وقال تعالى في سورة الأحزاب : يا أيها النبي قل لأزواجك [الأحزاب : 28] .

[ ص: 147 ] روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن [عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمر الله أن يخبر أزواجه ، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "إني ذاكر لك أمرا ، فلا عليك أن تستعجلي حتى تستأمري أبويك" وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه . قالت : ثم قال : إن الله قال : يا أيها النبي قل لأزواجك إلى تمام الآيتين ، فقلت له : ففي أي هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة] .

الثالث : في حسن خلقه معهن ومداراته -صلى الله عليه وسلم- لهن ، وحثه على برهن ، والصبر عليهن رضي الله تعالى عنهن

روى الطيالسي والإمام أحمد وابن عساكر عن عبد الله الجدلي ، قال : قلت لعائشة -رضي الله تعالى عنها- كيف كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أهله ؟ قالت : كان أحسن الناس خلقا ، لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ، ولا يجازي بالسيئة مثلها ، ولكن يعفو ويغفر .

وروى الحارث بن أسامة والخرائطي وابن عساكر عن عمرة قالت : سئلت عائشة -رضي الله تعالى عنها- عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خلا مع نسائه ، قالت : كان كالرجل من رجالكم إلا أنه كان أكرم الناس ، وأحسن الناس خلقا ، وألين الناس في قومه وأكرمهم ، ضحاكا بساما .

روى ابن سعد عن ميمونة -رضي الله تعالى عنها- قالت : خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة من عندي فأغلقت دونه الباب ، فجاء يستفتح الباب ، فأبيت أن أفتح له ، فقال : "أقسمت عليك أن تفتحي" فقلت له : تذهب إلى بعض نسائك في ليلتي ؟ قال : "ما فعلت ، ولكن وجدت حقنا من بولي" .

وروى الإمام أحمد وأبو داود ، والنسائي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية ، صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاما ، فبعث به ، فأخذت في الأكل فكسرت الإناء ، فقلت : يا رسول الله ، ما كفارة ما صنعت ؟ قال : إناء مثل إناء ، وطعام مثل طعام .

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود عن أم كلثوم -رضي الله عنها- قالت : كانت زينب تفلي رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعنده امرأة عثمان بن مظعون ، ونساء من المهاجرات يشكون منازلهن ، وأنهن يخرجن منه ، ويضيق عليهن فيه ، فتكلمت زينب وتركت رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "إنك لست تكلمين بعينك ، تكلمي واعملي عملك" الحديث .

[ ص: 148 ] وروى النسائي وأبو بكر الشافعي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : زارتنا سودة يوما فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيني وبينها إحدى رجليه في حجري ، والأخرى في حجرها ، فعملت له حريرة أو قال : خزيرة ، قلت : كلي فأبت ، فقلت : لتأكلين أو لألطخن وجهك ، فأبت ، فأخذت من القصعة شيئا فلطخت به وجهها ، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجله من حجرها؛ لتستقيد مني ، وقال لها : لطخي وجهها ، فأخذت من الصحفة شيئا فلطخت به وجهي ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضحك . الحديث ، تقدم بتمامه في باب مزاحه ومداعبته صلى الله عليه وسلم .

وروى الطبراني وابن مردويه عن عائشة- رضي الله تعالى عنها ، قالت : نزل عندي ، وكادت الأمة تهلك في سبي ، فلما سري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعرج الملك ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي : "اذهب إلى ابنتك ، فأخبرها أن الله عز وجل قد أنزل عذرها من السماء" قالت : فأتاني وهو يغدو ويكاد أن يتعثر ، فقال : أبشري يا بنية ، إن الله عز وجل أنزل عذرك من السماء ، فقلت : نحمد الله ولا نحمدك ولا نحمد صاحبك الذي أرسلك ، ثم دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم فتناول ذراعي ، فقلت بيده هكذا ، فأخذ أبو بكر النعل ليعلوني بها فمنعته أمي ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وروى الإمام أحمد والشيخان وأبو الشيخ عن الأسود بن يزيد قال : سألت عائشة -رضي الله تعالى عنها- ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع في أهله ؟ قالت : كان بشرا من البشر يفلي رأسه ، ويحلب شاته ، ويخيط ثوبه ، ويخدم نفسه ، ويخصف نعله ، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم ، ويكون في مهنة أهله ، يعني خدمة أهله ، فإذا سمع المؤذن خرج للصلاة ، وفي لفظ : فإذا حضرته الصلاة قام إلى الصلاة .

وروى ابن سعد عنها أيضا قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل عمل أهل البيت ، وأكثر ما يعمل للخياطة .

وروى أبو الحسن بن الضحاك عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : "بيت لا تمر فيه جياع أهله ، وبيت لا خل فيه فقار أهله ، وبيت لا صبيان فيه لا خير فيه ، وخيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي" .

وروى أبو بكر الشافعي عن القاسم ، قال : سألت عائشة -رضي الله تعالى عنها- ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل في بيته ؟ قالت : كان بشرا من البشر يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ، ويخدم نفسه صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 149 ] وروى الطبراني عن حبة وسواء ابني خالد ، قال : دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعالج شيئا فأعناه عليه ، فقال : لا تيأسا من الرزق ، ما تهزهزت رؤوسكما؛ فإن الإنسان تلده أمه ليس عليه قشر ثم يرزقه الله .

وروى أبو بشر الدولابي عن عروة ، قال : قلت لعائشة -رضي الله تعالى عنها- ما كان عمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته ؟ قالت : كان يخصف النعل ، ويرقع الثوب .

وروى ابن أبي شيبة عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها سئلت ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته ؟ قالت : كان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ونحو هذا .

وروى عبد الرزاق عن عروة قال : سأل رجل عائشة -رضي الله تعالى عنها- هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل في بيته ؟ قالت : نعم ، كان يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته .

وروى ابن عدي عن [علي بن زيد بن جدعان ، عن أنس] قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسلم على نسائه إذا دخل عليهن .

وروى النسائي عن النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنه- استأذن أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمع صوت عائشة -رضي الله تعالى عنها- عاليا فأهوى بيده إليها ليلطمها وقال : يا بنية فلانة ، ترفعين صوتك على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرج أبو بكر مغضبا ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : يا عائشة ، كيف رأيت أنقذتك من الرجل ، ثم استأذن أبو بكر بعد أن اصطلح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعائشة فقال : ادخلا في السلم كما دخلتما في الحرب ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : قد فعلنا .

وروى الإمام أحمد ، والبخاري ، وأبو داود وابن ماجه ، والدارقطني ، والترمذي ، والنسائي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند بعض نسائه ، أظنها عائشة ، وفي رواية النسائي : فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ، ففلقت به الصحفة ، فأرسلت -وفي رواية الترمذي : عائشة من غير شك- فأرسلت إليه بعض أمهات المؤمنين ، وفي رواية النسائي : أم سلمة ، بصحفة فيها طعام ، فضربت التي هو في بيتها ، وفي رواية النسائي : فجاءت عائشة مؤتزرة بكساء ومعها فهر ، ففلقت به الصحفة ، فسقطت الصحفة فانفلقت نصفين ، فجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلق الصحفة ، وفي رواية : فأخذ الكسرين فضم إحداهما إلى الأخرى ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ، ويقول : غارت أمكم ، ثم حبس . وفي لفظ : [ ص: 150 ] أمسك الخادم حتى أتى بصحفة من عند التي هو في بيتها ، فدفعها إلى التي كسرت صحفتها ، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرتها ، وقال : طعام بطعام ، وإناء بإناء .

وروى ابن أبي شيبة عن قيس بن وهب عن رجل من بني سراة ، قال : قلت لعائشة -رضي الله تعالى عنها- أخبريني عن خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت : أما تقرأ القرآن وإنك لعلى خلق عظيم قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه فصنعت له طعاما ، وصنعت له حفصة طعاما ، فسبقتني حفصة ، فقلت للجارية : انطلقي ، فأكفئي قصعتها ، فلحقتها ، وقد هوت أن تضعها بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكفأتها فانكسرت القصعة فانتشر الطعام ، فجمعها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما فيها من الطعام على الأرض فأكلها ، ثم بعثت بقصعتي ، فرفعها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى حفصة ، فقال : خذوا ظرفا مكان ظرف ، وكلوا ما فيها ، فقالت : فما رأيته في وجه رسول الله .

وروى النسائي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها- أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه فجاءت عائشة -رضي الله تعالى عنها- ومعها فهر ، ففلقت به الصحفة .

فجمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين فلقتي الصحفة ، ويقول : كلوا ، غارات أمكم ، ثم أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صحفة عائشة ، فبعث بها إلى أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- وأعطى صحفة أم سلمة لعائشة رضي الله تعالى عنها .


وروى الترمذي -وقال : حسن صحيح- عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جمع نساءه في مرضه فقال : "إن أمركن مما يهمني من بعدي ، ولن يصبر عليكن إلا الصابرون" . رواه أبو نعيم بلفظ : "سيحفظني منكن الصابرون والصادقون" .

الرابع : في محادثته -صلى الله عليه وسلم- لهن ، وسمره معهن

روي عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث نساءه حديث الذين خطبوا المرأة ، وجعلوا ذكر صفاتهم إلى أحدهم ليصف لها كل واحد منهم من أحبت فتتزوجه ، بعد أن سمعت صفته ، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في حديثه :


خذي من أخي ذا البجل إذا رعى القوم عقل     وإذا سعى القوم يسل
وإذا عمل القوم اتكل     وإذا ترب الزاد أكل
. . . . . . . . . . . . . . .



[ ص: 151 ] قالت المرأة : لا حاجة لي بهذا ، هذا رغيب ، قال :


خذي من أخي ذا البجله     حانوته يخصف نعلي ونعله
ويحمل ثقلي وثقله     ويرحل رحلي ورحله
ويدرك نبلي ونبله     وإذا حل برمة تقدمت قبله



قالت المرأة : هذا حمارك ، لا حاجة لي به ، قال :


خذي من أخي هذا الأسد     أفتك منزل به اللص ملحد
وركابه بحر مزبد     أقبل من رآنا به اللص ملحد
وإذ رئي من رأينا لزند يزبد      . . . . . . . . . . . . . . .



قالت : هذا لص ، لا حاجة لي به ، قال :


خذي من أخي ذا الثمر     صبي خفر شجاع ظفر
وهو خير من ذلك إذا سكر      . . . . . . . . . . . . . . .



قالت : هذا سكير ، لا حاجة لي به ، قال :


خذي من أخي الحممة     يهب المائة البكر السمنة
والمائة البقرة الصرمه     والمائة الشاة الزغه

أو قال : الذممة .


وإذا أتت على عاد ليلة مظلمة     وثب وثوب الكعب ولا هم شرته



وقال :


اكفوني الميمنه     أكفيكم المشأمه
لست فيه لعتمه     إلا أنه ابن أمه



قالت المرأة : هذا رغيب يسير ، قد اخترته ، قال لها : كما أنت قد بقي .


خذي من أخي ذا الحقاق     صفاق أفاق
يعمل الناقة والساق     عليه من الله إثم لا يطاق



قالت : قد اخترته ، قال : كما أنت فقد بقي


خذي من أخي حربنا     أولنا إذا غزونا
وآخرنا إذا حمينا     وعصمة آبائنا إذا شتونا
وصاحب خطبنا إذا التجينا     ولا يدع فضله علينا

[ ص: 152 ]

وفاصل خطبة أعتت علينا



قالت : قد اخترته ، قال : كما أنت فقد بقيت أنا ، قالت : فحدثني عن نفسك ، قال : أنا لقمان بن عاد ، لعاديه لا يعاد ، إذا اضطجعت أسبع لا أخاط ، ولا يملي ريقي جنبي ولا يماريني إزار ، مطمعا فحل مطمع ، وإن لا مطمع فرقاع بصلع .

قالت : لا حاجة لي لك ، أنت سارق وقد أحزنت حزينا .

وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلما قال : خذي من أخي كذا وكذا ، يقول بعض نسائه ، وفي بعض الطرق أم حبيبة : أخذت هذا يا رسول الله ، فيقول : رويدك فإني لم أفرغ من حديثهم ،
وفي رواية : لا تعجلي قد بقي . رواه الحافظ حميد بن زنجويه في كتابه "آداب النبي صلى الله عليه وسلم" .

قال : حدثني أنس ، حدثني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- وقال أبو محمد بن قتيبة في حديث الحرف : حدثنا يزيد بن عمرو بن البراء الغنوي ، قال : حدثنا يونس بن إسماعيل ، قال : حدثنا سعيد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "إن لقمان بن عاد خطب امرأة قد خطبها إخوته قبله" فقالوا : بئس ما صنعت ، خطبت امرأة قد خطبناها قبلك ، وكانوا سبعة ، وهو ثامنهم ، فصالحهم على أن ينعت لهم نفسه ، وإخوته بصدق ، وتختار هي أيهم تشاء . وذكر الحديث بنحوه .

وقال في آخر : قال عروة : بلغنا أنها قد تزوجت حزينا . وقال حميد بن زنجويه : حدثني ابن أبي أويس ، حدثني أبي عن هشام بن عروة ، عن أبيه عروة ، وعن يزيد بن بكر الليثي ، عن داود بن حصين ، عن عبيد الله بن عتبة ، وعن عيسى بن عيسى الخياط ، عن عمرو بن شعيب ، قالوا : كان من حديث بني عاد أنهم اجتمعوا جميعا لخطبة امرأة ، فقال أكبرهم : دعيني أصفهم لك ، إخوتي ونفسي ، فوالله لأخبرنك بعلمي فيهم وفي نفسي . قالت المرأة : فخبرني ، فذكره .

حديث خرافة : روى ابن أبي شيبة والترمذي وأبو يعلى والبزار والطبراني ، والإمام أحمد -ورجال أحمد ثقات- عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : حدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساءه بحديث ، فقالت امرأة منهن : كان يحدث حديث خرافة ، فقال : أتدرين ؟ ولفظ أحمد عن عائشة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "أتدرون ما خرافة ؟ " كان رجلا من عذرة أسرته الجن ، فمكث دهرا ، ثم رجع ، فكان يحدث بما رأى منهم من الأعاجيب ، فقال الناس : حديث خرافة . وفي [ ص: 153 ] رواية : فإذا استرقوا السمع أخبروه ، فيخبر به الناس ، فيجدونه كما قال .

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب ذم البغي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- فجعل يقول الكلمة كما يقول الرجل عند أهله ، فقالت إحداهن : كان هذا حديث خرافة . فقال : أتدرين ما خرافة ؟ إن رجلا من بني عذرة أصابته الجن ، فكان فيهم حينا ، فرجع إلى الإنس ، فجعل يحدث بأحاديث تكون في الجن ، لا تكون في الإنس .

فحدث أن رجلا من الجن كانت له أم ، فأمرته أن يتزوج ، فقال : إني أخشى أن أدخل عليك من ذلك مشقة ، أو بعض ما تكرهين ، فلم تدعه حتى زوجته ، فتزوج امرأة لها أم ، فكان يقسم لامرأته ليلة ، ولأمه ليلة ، ليلة عند هذه ، وليلة عند هذه ، وكانت ليلة امرأته ، وأمه وحدها ، فسلم عليها مسلم ، فردت السلام ، فقال : هل من مبيت ؟ قالت : نعم ، قال : هل من عشاء ؟ قالت : نعم ، قال : هل من يحدث بحديث الليلة ؟ قالت : نعم ، أرسل إلى ابني يأتيكم فيحدثكم ، قالوا : فما هذه الخشفة التي نسمعها في دارك ؟ قالت : إبل وغنم ، قال أحدهما لصاحبه : أعط متمنيا ما تمنى ، وإن كان خيرا ، فأصبحت وقد ملئت دارها إبلا وغنما .

فرأت ابنها خبيث النفس . قالت : ما شأنك ؟ لعل امرأتك أرادت أن تحولها إلى منزلي وتحولني إلى منزلها ؟ قال : نعم ، قالت : فحولها إلى منزلي ، وحولني إلى منزلها ، فتحولت إلى منزل امرأته ، وتحولت امرأته إلى منزل أمه ، فلبثا ، ثم إنهما عادا والفتى عند أمه ، فسلما فلم ترد السلام ، فقالا : هل من مبيت ؟ قالت : لا ، قالا : فعشاء ؟ قالت : لا ، قالا : فإنسان يحدثنا الليلة ؟ قالت : لا . قالا : فما هذه الخشفة التي نسمعها في دارك ، قالت : هذه السباع ، فقال أحدهما لصاحبه : أعط متمنيا ما تمنى ، إن كان شرا ، فامتلأت عليها دارها سباعا ، فأصبحت وقد أكلت .


وقال الحافظ : رجاله ثقات ، إلا الراوي له عن ثابت البناني ، وهو سحيم بن مرسويه ، يروي عن عاصم بن علي ، فيحرر حاله .

وقال (المفضل) الضبي في كتاب الأمثال ، قال : ذكر إسماعيل الوراق ، عن زياد البكائي ، عن عبد الرحمن بن القاسم (ابن عبد الرحمن بن القاسم) عن أبيه ، القاسم بن عبد الرحمن قال : سألت أبي -يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود- عن حديث خرافة ، قال : بلغني عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- : حدثني بحديث خرافة ، فقال : رحم الله خرافة إنه كان رجلا صالحا ، وإنه أخبرني أنه خرج ليلة لبعض حاجته ، فلقيه ثلاث من الجن فأسروه ، فقال واحد : نستعبده ، وقال آخر : نقتله ، وقال آخر : نعتقه ، فمر به رجل منهم .

الخامس : في اعتزاله -صلى الله عليه وسلم- نساءه -رضي الله تعالى عنهن- لما سألنه النفقة مما [ ص: 154 ] ليس عنده

روى مسلم عن جابر بن عبد الله . قال : دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوجد الناس جلوسا ببابه ، لم يؤذن لأحد منهم . قال : فأذن لأبي بكر فدخل ، ثم أقبل عمر فاستأذن ، فأذن له فوجد النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسا ، حوله نساؤه ، واجما ساكتا ، قال : فقال : لأقولن شيئا أضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة! سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها . فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال : "هن حولي كما ترى يسألنني النفقة" .

فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها . كلاهما يقول : تسألن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده . فقلن : والله! لا نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئا أبدا ليس عنده . ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ، ثم نزلت عليه هذه الآية :
يا أيها النبي قل لأزواجك حتى بلغ للمحسنات منكن أجرا عظيما قال : فبدأ بعائشة .

فقال : "يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمرا أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك" قالت : وما هو يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية . قالت : أفيك يا رسول الله أستشير أبوي ؟ ! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة . وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت . قال "لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها ، إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ، ولكن بعثني معلما ميسرا" .


التالي السابق


الخدمات العلمية