سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني في بعض فضائل أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها

وفيه أنواع :

الأول : في نسبها

تقدم نسب أبيها في الباب الأول ، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم بن حجر بن معيص بن عامر بن لؤي ، وأمها هالة بنت عبد مناف بن الحارث بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي ، وأمها العوقة ، واسمها قلابة بنت سعيد بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .

الثاني : فيمن تزوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم

قال الزبير بن بكار -رحمه الله تعالى- : كانت خديجة -رضي الله تعالى عنها- قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند عتيق بن عائذ بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم المخزومي ، فولدت له جارية اسمها هند ، ثم خلف عليها أبو هالة مالك بن نباش بن زرارة بن واقد بن حبيب بن سلامة بن عدي بن أسد بن عمرو بن تميم ، حليف بني عبد الدار بن قصي ، فولدت له هند وهالة ، فهما أخوا ولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رواه الطبراني والأكثر ، تقدم أبي هالة على عتيق .

الثالث : في كيفية زواجه -صلى الله عليه وسلم- إياها :

روى الإمام أحمد برجال الصحيح عن ابن عباس ، والبزار والطبراني برجال ثقات أكثرهم رجال الصحيح عن جابر بن سمرة أو رجل من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والبزار والطبراني بسند ضعيف (عن عمار بن ياسر ، والبزار والطبراني بسند ضعيف) عن عمران بن حصين -رضي الله تعالى عنهم- قال جابر أو الرجل المبهم : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يرعى غنما فاستعلى الغنم ، فكان يرعى الإبل هو وشريك له ، فأكريا أخت خديجة ، فلما قضوا السفر بقي لهما عليها شيء ، فجعل شريكه يأتيها ، فيتقاضيا ، ويقول لمحمد : انطلق ، فيقول : اذهب أنت ، فإني أستحي . فقالت مرة وأتاهم شريكه ، فقالت : أين محمد ؟ قال : قد قلت فزعم أنه يستحي ، فقالت : ما رأيت رجلا أشد حياء ، ولا أعف ولا ولا ، فوقع في نفس أختها خديجة ، فبعثت إليه ، فقالت : ائت أبي فاخطبني ، قال : إن أباك رجل كثير المال ، وهو لا يفعل .

وفي حديث عمار قال : خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم حتى مررنا على أخت خديجة [ ص: 156 ] وهي جالسة على أدم لها فنادتني ، فانصرفت إليها ، ووقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت : أما لصاحبك في تزوج خديجة حاجة ؟ فأخبرته ، فقال : بلى ، لعمري ، فرجعت إليها فأخبرتها .

وفي حديث جابر والرجل المبهم ، فقالت : انطلق إلى أبي فكلمه وأنا أكفيك ، وائت عندنا بكرة ، ففعل .

وفي حديث ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر خديجة ، وكان أبوها يرغب أن يزوجه إياها ، فصنعت طعاما وشرابا .

وفي حديث عمار : فذبحت بقرة . قال ابن عباس : فدعت أباها ونفرا من قريش فطعموا وشربوا حتى علوا ، فقالت خديجة : إن محمد بن عبد الله يخطبني ، فزوجني إياه ، وفي حديث جابر والرجل المبهم : فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمه .

قال ابن عباس : فخلفته وألبسته حلة ، زاد عمار : وضربت عليه قبة ، وقال ابن عباس : وكذلك كانوا يفعلون بالآباء ، فلما سري عنه سكره نظر فإذا هو مخلق وعليه قبة ، فقال : ما شأني ؟ ما هذا ؟ قالت : زوجتني محمد بن عبد الله ، وقال : جابر أو الرجل المبهم : فلما أصبح جلس في المجلس ، فقيل له : أحسنت ، زوجت محمدا ، فقال : أوقد فعلت ، قالوا : نعم ، فقام ، فدخل عليها ، فقال : إن الناس يقولون : إني قد زوجت محمدا! وما فعلت ، قالت : بلى .

وروى ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- فقال : أنا أزوج يتيم أبي طالب ؟ لا ، لعمري ، فقالت خديجة : ألا تستحي تريد أن تسفه نفسك عند قريش ، وتخبر الناس أنك كنت سكران ، فإن محمدا كذا ، فلم تزل به حتى رضي .

وقال جابر أو الرجل المبهم : ثم بعثت إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- بوقيتين من فضة أو ذهب ، وقالت : اشتر حلة وأهدها لي ، وكيسا ، وكذا وكذا ، ففعل .

وكانت رضي الله عنها تدعى في الجاهلية الطاهرة ، تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل المبعث بخمس عشرة سنة ، وقيل : أكثر من ذلك ، وهي بنت الأربعين سنة ، وقيل : أكثر من ذلك .

الرابع : في أنها أول من أسلم

روى الطبراني برجال ثقات عن بريك -رضي الله تعالى عنه- قال : خديجة أول من أسلم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلي بن أبي طالب .

وروى الطبراني بإسناد لا بأس به عن قتادة بن دعامة -رحمه الله تعالى- قال : توفيت خديجة -رضي الله تعالى عنها- قبل الهجرة بثلاث سنين ، وهي أول من آمن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من النساء والرجال .

وقال عبد الله بن محمد بن عقيل -رحمه الله تعالى- قال : كانت خديجة أول الناس إيمانا بما أنزل الله .

وقال ابن شهاب -رحمه الله تعالى- : كانت خديجة أول من آمن بالله ، وصدق رسول الله قبل أن تفرض الصلاة .

[ ص: 157 ] رواهما أبو بكر بن أبي خيثمة .

وقال أبو عمر بن عبد البر : اتفقوا على أن خديجة -رضي الله تعالى عنها- أول من آمن .

وقال أبو الحسن بن الأثير : خديجة أول خلق الله إسلاما بإجماع المسلمين ، لم يتقدمها رجل ولا امرأة ، وأقره الحافظ الناقد أبو عبد الله الذهبي ، وحكى الإمام الثعلبي اتفاق العلماء على ذلك ، وإنما اختلافهم في أول من أسلم بعدها بعد .

وقال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- : إنه الصواب عند جماعة من المحققين ، قال : فخفف الله بذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكان لا يسمع بشيء يكرهه من الرد عليه ، فيرجع إليها ، فتثبته وتهون عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية