سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الحادي والثلاثون : في إنكارها على ابن عمر وإقراره إياها

    [روى مسلم عن ] عروة بن الزبير قال : كنت أنا وابن عمر مستندين إلى حجرة [عائشة . وإنا لنسمع ضربها بالسواك تستن . قال فقلت : يا أبا عبد الرحمن ! اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب ؟ [ ص: 181 ] قال : نعم . فقلت لعائشة : أي أمتاه ! ألا تسمعين ما يقول أبو عبد الرحمن ؟ قالت : وما يقول ؟ قلت : يقول : اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في رجب ] فقالت : يغفر الله لأبي عبد الرحمن لعمري ما اعتمر في رجب ] . [وما اعتمر من عمرة إلا وإنه لمعه قال : وابن عمر يسمع . فما قال : لا ، ولا نعم . سكت ] .

  الثاني والثلاثون : في زهدها ، وكرمها ، وصدقها ، وعتقها ، بريرة .

  [روى أبو نعيم عن عروة ] عن ابن المنكدر عن أم ذرة [وكانت تغشى عائشة - قالت : بعث إليها بمال في غرارتين ، قالت : أراه ثمانين أو مائة ألف ، فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة فجلست تقسم بين الناس ، فأمست وما عندها من ذلك درهم . فلما أمست قالت : يا جارية هلمي فطري ، فجاءتها بخبز وزيت فقالت لها أم ذرة : أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري لنا لحما بدرهم نفطر عليه . قالت : لا تعنفيني لو كنت ذكرتيني لفعلت ] .

  روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق ، وأراد مواليها أن يشترطوا ولاءها ، فذكرت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : اشتريها ، فإنما الولاء لمن أعتق وأتي النبي صلى الله عليه وسلم بلحم ، فقلت : هذا ما تصدق به على بريرة ، فقال : هو لها صدقة ولنا هدية ] .

  الثالث والثلاثون : في خوفها وورعها وتعبدها وحيائها - رضي الله تعالى عنها - .

  روى أبو نعيم عن عبد الله بن عثمان بن خيثم عن ابن أبي مليكة قال : استأذن ابن عباس على عائشة [فقالت : لا حاجة لي بتزكيته ، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر : يا أمتاه إن ابن عباس من صالح بيتك جاء يعودك ، قالت : فأذن له فدخل عليها فقال : يا أمه أبشري فوالله ما بينك وبين أن تلقيمحمدا والأحبة إلا أن يفارق روحك جسدك ، كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيبا ، قالت أيضا ؟ قال : هلكت قلادتك بالأبواء فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقطها فلم يجدوا ماء ، فأنزل الله عز وجل فتيمموا صعيدا طيبا [النساء 43 ] فكان ذلك بسببك وبركتك ما أنزل الله تعالى لهذه الأمة من الرخصة وكان من أمر مسطح ما كان فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سمواته فليس مسجد يذكر الله فيه إلا وشأنك يتلى في آناء الليل وأطراف النهار . فقالت : يا ابن عباس دعني منك ومن تزكيتك فوالله لوددت أني كنت نسيا منسيا .

  وروي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإني واضعة ثوبي ، وأقول : إنما هو زوجي ، وأبي ، فلما دفن عمر ، والله ما [ ص: 182 ] دخلته إلا مشدودة على ثيابي حياء من عمر .

  الرابع والثلاثون : في غيرتها

  روى أبو يعلى ، وأبو الشيخ وابن حبان بسند جيد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : كان متاعي فيه خف ، وكان على جمل ناج ، وكان متاع صفية فيه ثقل ، وكان على جمل ثقال بطيء يتبطأ بالركب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «حولوا متاع عائشة على جمل صفية ، وحولوا متاع صفية على جمل عائشة حتى يمضي الركب » . قالت عائشة : فلما رأيت ذلك ، قلت : يا لعباد الله ، غلبتنا هذه اليهودية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا أم عبد الله ، إن متاعك فيه خف ، وكان متاع صفية فيه ثقل فأبطأ بالركب فحولنا متاعها على بعيرك ، وحولنا متاعك على بعيرها » فقلت : ألست تزعم أنك رسول الله ، فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : «أوفي هذا شك يا أم عبد الله ؟ قالت : فقلت : ألست تزعم أنك رسول الله ؟ فهلا عدلت . فسمعني أبو بكر وكان فيه غرب أي حدة فأقبل علي فلطم وجهي ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «مهلا يا أبا بكر » ، فقال : يا رسول الله أما سمعت ما قالت : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الغيرى لا تبصر أسفل الوادي من أعلاه » .

  الخامس والثلاثون : في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - وأين دفنت .

  كانت وفاتها في رمضان ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت منه على الصحيح عند الأكثرين سنة ثمان وخمسين ، رواه ابن أبي خيثمة عن عيينة وجزم به المدائني .

  وروى أيضا عن هشام بن عروة سنة سبع وخمسين .

  وصلى عليها أبو هريرة - رضي الله تعالى عنه - خليفة مروان بالمدينة ، وحج مروان واستخلفه ودفنت بالبقيع .

  وروى ابن أبي خيثمة عن عروة بن الزبير عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت له : إذا أنا مت فادفني مع صواحبي بالبقيع ، وكان في بيتها موضع ، قالت : لا أراني به أبدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية