سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس في بعض فضائل أم المؤمنين أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -

  وفيه أنواع :

    الأول : في نسبها واسمها .

  تقدم نسب أبيها ، وأمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة بن فراس ومن قال : عاتكة بنت عبد المطلب ، فجعلها بنت عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أخطأ ، وإنما هي بنت زوجها ، وأخواها عبد الله ، وزهير ابنا عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واسمها هند ، وقيل : رملة ، والأول أصح .

  الثاني : في هجرتها مع زوجها أبي سلمة بن (عبد الأسد ) - رضي الله تعالى عنهما - إلى الحبشة وهجرتها إلى المدينة .

  هاجرت ، هي وزوجها إلى الحبشة الهجرتين وهما أول من هاجر إلى الحبشة ، قال ابن أبي خيثمة : حدثنا نصر بن المغيرة ، قال : قال سفيان : أول مهاجرة من النساء أم سلمة .

  وروي عن مصعب بن عبد الله قال : أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة أم سلمة .

  ويقال : بل ليلى بنت خيثمة زوج عامر بن ربيعة .

  الثالث : في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها . كانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد وأمه عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برة بنت عمه أبي طالب فولدت لأبي سلمة ، سلمة وعمر ، ورقية ، وزينب ، ومات أبو سلمة - رضي الله تعالى عنه - سنة أربع وشهد بدرا وأحدا ورمي بها بسهم في عضده فمكث شهرا يداويه ، ثم برأ الجرح ، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهرا من مهاجره ، وبعث معه مائة وخمسين رجلا إلى قطن - وهو جبل - فغاب تسعا وعشرين ليلة ثم رجع إلى المدينة فانتقض جرحه ، فمات منه لثمان خلون من جمادى الآخرة سنة أربع ، فاعتدت أم سلمة ، وحملت لعشرين بقين من شوال المذكور سنة أربع ، فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليالي بقين من شوال المذكور ، ولو لم يكن من فضلها إلا شورها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحلق في قصة الحديبية لما امتنع منه أكثر الصحابة لكفاها .

  وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى ، وأبو عمر : تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وقعة بدر في شوال سنة اثنتين ، وليس بشيء ، لأن أبا عمر قال في وفاة أبي سلمة : إنها في جمادى الآخرة سنة ثلاث وهو لم يتزوجها إلا بعد انقضاء عدتها من وفاة أبي سلمة .

  وروي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول : [ ص: 188 ] «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول : ما أمر الله تبارك وتعالى [إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها ] .

  وروى أحمد بن منيع وأبو يعلى برجال ثقات عن عمرو بن أبي سلمة ، والإمام الشافعي - رحمه الله تعالى ورضي عنه - والإمام أحمد ومسلم وابن أبي خيثمة عن أم سلمة والحارث من طريق آخر عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - رضي الله تعالى عنهم - أن أبا سلمة جاء إلى أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - فقالت : سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا هو أعجب إلي من كذا وكذا ، لا أدري ما أعدل به ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لا يصيب أحدا مصيبة فيسترجع عند ذلك ، ثم يقول : اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني بها خيرا منها ، فلما مات أبو سلمة قلتها وأبدلني خيرا منها : أقول : ومن خير من أبي سلمة ، فلم أزل حتى قلتها ، فلما انقضت عدتها أرسل أبو بكر يخطبها فأبت ، فأرسل إليها عمر يخطبها فأبت ، قالت : فأرسل إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطبها ، فقالت : مرحبا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن في خلالي ثلاثا أخافهن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إني امرأة شديدة الغيرة وإني امرأة مصبية يعني : لها صبيان ، وفي رواية : إني ذات عيال ، وإني امرأة ليس ها هنا أحد من أوليائي شاهد يزوجني ، وفي حديث أبي بكر بن عبد الرحمن ، فقالت : ما مثلي ينكح ، أما أنا ، فلا ولد في ، وأنا غيور ، وذات عيال فسمع عمر بما ردت به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم فغضب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد ما غضب لنفسه حين ردته فلقيها فقال : أنت التي تردين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا ابن الخطاب إن في كذا وكذا ، فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليها فقال : أما ما ذكرت أنك غيرى فسأدعو الله - عز وجل - يذهب غيرتك وأما ما ذكرت أنك مصيبة فإن الله سيكفيك صبيانك ، وفي رواية : وأما العيال فإلى الله ورسوله وأما أنه ليس ههنا أحد من أوليائك يزوجك فإنه ليس أحد شاهد ولا غائب من أوليائك يكرهني ، وفي حديث أبي بكر في لفظ : «فإنه ليس أحد منهم شاهد ولا حاضر يسترضاني وأنا أكبر منه فقالت لابنها عمر : زوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فزوجه إياها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أما إني لم أنقصك مما أعطيت أختك فلانة ، قال ثابت لابن أم سلمة : ما كان أعطى فلانة ؟ قال : أعطاها درهمين تجعل منهما صاحبتها ورحلتين ووسادة حشوها ليف ثم انصرف عنها ثم أتاها الثانية وهي ترضع زينب فلما رأته مقبلا جعلت الصبية في حجرها . فسلم ثم رجع فأتاها أيضا الثالثة فلما رأته جعلت الصبية في حجرها قالت : وكان [ ص: 189 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حييا كريما ، فرجع ، قال عمر : فجاء عمار بن ياسر حتى انتزعها من حجرها وفي لفظ : «ففطن لذلك عمار بن ياسر وكان أخاها لأمها فانتشط زينب من حجرها فقال : هاتي وفي لفظ : دعي عنك هذه المسقوحة التي منعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعل يقلب بصره في البيت فلم ير الصبية في حجرها وكان اسمها زينب ، فقال : أين زناب ، فقالت : جاء عمار فأخذها وفي حديث أبي بكر فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «تجداني أتيتكم الليلة » ، قالت : فوضعت ثقالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرن ، وأخذت شحما فعضدت به فبات ثم أصبح فقال حين أصبح : «إن لك على أهلك كرامة إن شئت أن أسبع لك سبعت للنساء » .

  قال عمر : فكانت في النساء كأنها ليست منهن لا تجد من الغيرة شيئا
.

  وروى الطبراني برجال الصحيح عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاها فلف رداءها وجعله على أسكفة الباب واتكل عليه ، وقال : هل لك يا أم سلمة ؟ قالت : إني امرأة شديدة الغيرة ، وأخاف أن يبدو للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما يكره ، فانصرف ، ثم عاد فقال : هل يا أم سلمة ؟ إذا كان لك الزيادة في صداقك ، زدناك ، فعادت لقولها ، فقالت : أم سلمة : يا أم عبد ، تدرين ما يتحدث به نساء قريش ، يقلن : إنما ردت محمدا ، لأنها شابة من قريش أحدث منه سنا ، وأكثر منه مالا ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتزوجها .

  وروى ابن سعد عنها - رضي الله تعالى عنها - قالت : قلت لأبي سلمة : ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة وهي من أهل الجنة ، ثم لم تتزوج بعده إلا جمع الله تعالى بينهما في الجنة ، وكذلك إذا ماتت المرأة وبقي الرجل بعدها ، فتعال أعاهدك ألا تتزوج بعدي ولا أتزوج بعدك ، قال : أتطيعيني ، قلت : ما استأمرتك إلا وأنا أريد أن أطيعك قال : فإذا أنا مت فتزوجي ، ثم قال : اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني حتى لا يحزنها ولا يؤذيها ، قالت : فلما مات قلت : من هذا الذي هو خير لي من أبي سلمة ، فلبثت ما لبثت ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام على الباب فذكر نحو ما سبق .

  الرابع : في دخولها فيما سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل بيته .

  روى الإمام أحمد والدولابي عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - قالت : أغدف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على علي وفاطمة والحسن ، والحسين - رضي الله تعالى عنهم - : خميصة سوداء ، ثم قال : اللهم إليك لا إلى النار ، أنا وأهل بيتي قالت : قلت : وأنا يا رسول الله ؟ قال : وأنت ، [ ص: 190 ] وروى أبو الحسين الخلعي عن عمرو بن شعيب أنه دخل على زينب بنت أبي سلمة فحدثته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عند أم سلمة ، فجعل حسنا وحسينا في شق وفاطمة في حجرها ، وقال : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ، وأنا وأم سلمة جالستان ، فبكت أم سلمة ، فقال : ما يبكيك ؟ قالت : يا رسول الله ، خصصتهم ، وتركتني وابنتي ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنك من أهل البيت » .

 

التالي السابق


الخدمات العلمية