سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث عشر في معنى الوحي والنبي والرسول والنبوة والرسالة

الوحي : مصدر وحى إليه يحي من باب وعد ، وأوحى إليه بالألف مثله ، وجمعه وحي .

والأصل فعول مثل فلوس .

وبعض العرب يقول وحيت إليه ووحيت له وأوحيت إليه وله .

وهو هنا لغة : الإعلام في خفاء ، وقيل الإعلام بسرعة .

وشرعا : الإعلام بالشرع . وقد يطلق الوحي ويراد به اسم المفعول منه أي الموحى ، من إطلاق المصدر على المفعول . قال تعالى : إن هو إلا وحي يوحى [النجم 4] .

وهو كلام الله المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم . وبسطت الكلام على الوحي ومعانيه في القول الجامع الوجيز فراجعه .

والرسول : إنسان ذكر أوحي إليه بالعمل والتبليغ ، فعول من الرسالة ، وهي قول الله تعالى لمن اصطفاه : أرسلتك أو بعثتك فبلغ عني . وقيل هي سفارة بين الله وبين ذوي الألباب من خليقته .

وهي أفضل من النبوة ، لأنها تثمر هداية الأمة ، والنبوة قاصرة على النبي كالعلم والعبادة .

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : النبوة أفضل لأنها الوحي بمعرفته تعالى وصفاته فهي متعلقة بالله من طرفيها ، والرسالة الأمر بالتبليغ فهي متعلقة بالله من أحد الطرفين . وأجيب بأنها تستلزم النبوة فهي مشتملة عليها ، لأنها كالرسول أخص من النبوة التي هي أعم كالنبي ، وهو بمعنى المرسل فعول بمعنى مفعل ، وذلك نادر .

وإرساله : أمر الله تعالى له بالبلاغ إلى من أرسل إليهم ، واشتقاقه من التتابع ومنه : جاء الناس أرسالا ، إذا تبع بعضهم بعضا ، فكأنه ألزم بتكرير التبليغ أو ألزمت الأمة اتباعه .

والنبي : إما أن يكون بمعنى منبأ- بفتح الباء- لأن الله تعالى أطلعه على غيبه وأعلمه أنه نبيه ، فهو فعيل بمعنى مفعول ، أو بمعنى منبي أي مخبر للناس ما أوحى إليه فهو فعيل بمعنى فاعل ، وهو بلا همز على الأكثر ، قيل مخفف المهموز بقلب همزته ياء ، وقيل إنه في الأصل من النبوة- بفتح النون وسكون الباء- وهي الرفعة لأن رتبته مرفوعة على سائر الخلق ، وبالهمز من النبأ وهو الخبر لأنه مخبر عن الله تعالى وقد لا يهمز على هذا أيضا للتسهيل .

وهو : إنسان ذكر أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه ، فإن أمر بذلك فهو رسول أيضا .

وقيل : وإن أمر بتبليغه ولم يكن له كتاب أو نسخ لبعض شرع من قبله فهو نبي ، وإن كان له ذلك فهو رسول . فالرسول أخص من النبي على القولين . وقيل هما مترادفان لقوله تعالى : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي [الحج 52] فأثبت لهما الإرسال معا . [ ص: 279 ]

وأجيب بأنهما لو كانا مترادفين لم يحسن تكرارهما في بليغ الكلام . وفي الآية إضمار تقديره : وما أرسلنا من رسول ولا نبأنا من نبي كما في قوله :


ورأيت روحك في الوغى متقلدا سيفا ورمحا

أي : وحاملا رمحا .

وقال الآمدي رحمه الله تعالى- بعد حكايته مذهب الفلاسفة في النبوة ، وقول من قال إن النبي من علم كونه نبيا وقول من قال : إن النبوة سفارة بين الحق والخلق وتزييف كل منها- والحق ما ذهب إليه أهل الحق من الأشاعرة وغيرهم من أن النبوة ليست راجعة إلى ذاتي من ذاتيات النبي ولا إلى عرض من أعراضه المكتسبة له ، بل هي موهبة من الله تعالى ونعمة منه عليه يجعله متأهلا للرسالة ، وحاصلها يرجع إلى قول الله تعالى لمن اصطفاه من عباده : أرسلتك أو بعثتك فبلغ عني . انتهى .

فعلم بذلك : أن النبوة والرسالة من الصفات الاعتبارية كالولاية للولي والإمامة للسلطان ونحو ذلك ، لأن القول لا يوجب لمتعلقه صفة كما صرح به القاضي عضد الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية