سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثاني : في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - إياها : أسلمت قديما وبايعت .

  كانت قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت ابن عم لها يقال له : السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود أخي سهيل بن عامر بن لؤي ، وشمر وسهل ، وسليط ، وحاطب ، ولكل صحبة ، ابن عمرو ، وأسلم معها - رضي الله تعالى عنهما - وهاجرا إلى الحبشة في الهجرة الثانية ، فلما قدما مكة مات زوجها ، وقيل مات بأرض الحبشة ، فلما حلت خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد العقد على عائشة - رضي الله تعالى عنها - ثم تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السنة العاشرة أو (الثامنة ) من النبوة ، ودخل بها بمكة بعد موت خديجة - رضي الله تعالى عنها - ، قال ابن كثير : والصحيح أن عائشة عقد عليها قبل سودة ، ولم يدخل بعائشة إلا في السنة الثانية من الهجرة ، وأما سودة فإنه دخل بها بمكة ، وسبقه إلى ذلك أبو نعيم وجزم به الجمهور ، ومنهم قتادة ، وأبو عبيدة معمر بن المثنى والزهري في رواية عقيل ، وقال عبد الله محمد بن محمد بن عقيل : تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد عائشة .

  وروي القولان عن ابن شهاب ، وقال يونس بن يزيد عنه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج سودة بالمدينة ، قلت : وهي رواية شاذة وقع فيها وهم ، والصحيح : أنها عائشة لا سودة كما تقدم ، وتقدم في مناقب عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون - رضي الله تعالى عنه وعنها - أشارت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بزواجها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاذكريها علي فذهبت إلى سودة وأبيها فقلت : ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة ، فقالت : وما ذاك ؟ قالت : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسلني إليك لأخطبك عليه ، قالت : وددت ذلك ولكن ادخلي على أبي ، واذكري له ذلك ، وكان شيخا كبيرا قد أدركته السن ، فحييته بتحية أهل الجاهلية ، فقلت : أنعم صباحك ، فقال : ومن أنت ؟ فقلت : خولة [ ص: 199 ] فرحب بي ، وقال ما شاء الله أن يقول . قالت : فقلت : إن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب يذكر ابنتك ، قال : هو كفء كريم ، فما تقول صاحبتك ؟ قلت : تحب ذاك ، قال : قولي له فليأت ، قالت : فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فملكها وقدم عبد الله بن زمعة فوجد أخته قد تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحثا التراب على رأسه ، فلما أسلم ، قال : إني لسفيه يوم أحثو التراب على رأسي أن تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أختي . رواه الطبراني برجال ثقات والإمام أحمد عن عائشة بسند جيد وعمر الملا وروى ابن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : كانت سودة بنت زمعة تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو قرأت في المنام كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل يمشي حتى وطئ عنقها ، فأخبرت زوجها بذلك ، فقال لئن صدقت رؤياك لأموتن وليتزوجنك محمد ثم رأت في المنام ليلة أخرى أن قمرا انقض عليها ، [من السماء ] وهي مضطجعة فأخبرت زوجها فقال : إن صدقت رؤياك ، لم ألبث إلا يسيرا حتى أموت وتتزوجين من بعدي فاشتكى السكران من يومه ذلك ، فلم يلبث إلا قليلا حتى مات ، وتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

(الثاني ) : في هبتها يومها لعائشة - رضي الله تعالى عنهما - تلتمس رضا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

  روى أبو عمر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : لما أسنت سودة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطلاقها ، فقالت : لا تطلقني وأنت في حل مني فأنا أريد أن أحشر في أزواجك ، وإني قد وهبت يومي لعائشة ، وإني لا أريد ما يريد النساء فأمسكها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى توفي عنها مع سائر من توفي عنهن من أزواجه - رضي الله تعالى عنهن - .

  وروى أبو بكر بن أبي خيثمة ، وأبو يعلى عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : ما من الناس أحد وفي لفظ : ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة إلا أن بها حدة .

التالي السابق


الخدمات العلمية