سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الحادي عشر في بعض مناقب أم المؤمنين جويرية بنت الحارث الخزاعية ثم المصطلقية - رضي الله تعالى عنها -

  وفيه أنواع :

    الأول : في اسمها ونسبها .

  روى ابن أبي خيثمة ، وأبو عمر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : كان اسم جويرية برة ، فغيره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسماها جويرية . كره أن يقال خرج من عند برة ، وهي جويرية ، - بضم الجيم مصغر - بنت الحارث بن أبي ضرار - بكسر الضاد المعجمة وتخفيف الراء - ابن الحارث بن المصطلق ، وأمها [ . . . ] .

  الثاني : في زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بها .

  قال ابن أبي خيثمة : كانت قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - عند مسافع - بميم مضمومة فسين مهملة وبعد الألف فاء مكسورة - قتل كافرا ابن صفوان ، سبيت يوم المريسيع في غزوة بني المصطلق ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس ، فكاتبها على تسع أواق ، فأدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها كتابتها وكان اسمها برة فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية وقيل : كان يطؤها بملك اليمين ، والأول هو الراجح .

  وروى الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق ، وقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستعينه في كتابتها ، قالت عائشة : فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهتها وقلت : يرى منها ما قد رأيت ، فلما دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فأعني على كتابتي قال : أوخير من ذلك ، أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك ، فقالت : نعم ، ففعل ، فبلغ الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تزوجها ، فقالوا : أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترقون فأعتقوا بأيديهم من بني المصطلق ، فلقد أعتق - الله تعالى - لها مائة أهل بيت من بني المصطلق فلا أعلم امرأة أعظم منها على قومها بركة .

  وروى ابن سعد عن أبي قلابة ، بكسر القاف وبالموحدة ، قال : جاء أبو جويرية ، فقال : لا [ ص: 211 ] يسبى مثلها ، فخل سبيلها ، فقال : بل أخيرها ، قال : قد أحسنت ، فأتى أبوها ، فقال : إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا ، قالت : فإني أختار الله ورسوله .

  وروى البيهقي عنها قالت : رأيت قبل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - بثلاث ليال كأن قمرا يسير من يثرب حتى وقع في حجري ، فكرهت أن أخبر بها أحدا من الناس حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم فلما سبينا رجوت الرؤيا فاعتقني وتزوجني وأسلم أبوها بعد ذلك .

  وروى الطبراني - مرسلا - برجال الصحيح عن الشعبي - رحمه الله تعالى - قال : كانت جويرية ملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعتقها ، وجعل عتقها صداقها ، وأعتق كل أسير من بني المصطلق .

  وروى الطبراني - بسند حسن - عن الزهري - رحمه الله تعالى - قال : سبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار يوم واقع بني المصطلق وروى الطبراني مرسلا برجال الصحيح - عن مجاهد - رحمه الله تعالى - قال : قالت جويرية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أزواجك يفتخرن علي ويقلن لم يتزوجك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أولم أعظم صداقك ، ألم أعتق أربعين من قومك ؟ . وتقدم في غزوة بني المصطلق بأبسط مما هنا .

  الثالث : في وفاتها - رضي الله تعالى عنها - ماتت في ربيع الأول سنة خمسين وهو الصحيح ، وقيل : سنة ست وخمسين وصلى عليها مروان بن الحكم وهو أمير المدينة وقد بلغت سبعين سنة ، لأنه تزوجها سنة عشرين ، وقيل : هي بنت عشرين سنة ، وقيل : توفيت سنة خمسين وهي بنت ست وخمسين والله سبحانه وتعالى أعلم .

[ ص: 212 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية