سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع عشر في مثله ومثل ما بعثه الله تعالى به من الهدى

قال أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مثلي ومثل ما بعثني الله تعالى به من الهدي والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا ورعوا- وفي لفظ وزرعوا- وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به .

رواه الشيخان .

ورويا أيضا والبيهقي عنه والإمام أحمد والرامهرمزي في الأمثال عن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم فنادى ثلاث مرات : أيها الناس إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل قوم خافوا عدوا أن يأتيهم فبعثوا رجلا يتراءى لهم ، فبينما هو كذلك إذ أبصر العدو فأقبل لينذر قومه فخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه : أيها الناس أتيتم- ثلاث مرات- يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان فالنجاء النجاء ، فأطاعه ، طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مهلهم فنجوا وكذب طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به من الحق ، ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق .

وروى الإمام أحمد والترمذي عن ابن مسعود والبخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما قال ابن مسعود : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع رأسه في حجري فنام وكان إذا رقد نفخ ، فبينا أنا قاعد ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوسد فخذي إذ أتى رجال- وفي لفظ إن هنينا - أتوا عليهم ثياب بيض الله أعلم بما بهم من الجمال ، فانتهوا إليه فجلس بعض منهم عند رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، وطائفة منهم عند رجليه .

وفي رواية أخرى عن جابر : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي وميكائيل عند رجلي يقول أحدهما لصاحبه : اضرب له مثلا . [ ص: 281 ]

فقال بعضهم لبعض : لقد أوتي هذا العبد خيرا ، ما رأينا عبدا قط أوتي مثل ما أوتي ، إن عينيه نائمتان وقلبه يقظان . ثم قال بعضهم لبعض : هلم فلنضرب له مثلا ، فقال بعضهم : اضربوا مثلا ونؤول نحن أو نضرب نحن وتؤولون أنتم . فقال بعضهم : اسمع سمعت أذنك واعقل عقل قلبك ، إن مثلك- وفي لفظ : مثله- كمثل ملك ، وفي لفظ : رجل . وفي لفظ : سيد ابتنى بنيانا حصينا ثم جعل فيه مأدبة وبعث داعيا- وفي لفظ : رسولا- يدعو الناس إلى طعامه وشرابه فمنهم من أجاب الرسول ومنهم من تركه ، فمن أجابه أكل من طعامه وشرب من شرابه ، ومن لم يجبه عذبه عذابا شديدا . أولوها له يفقهها . فقال الآخرون : فأما السيد : فهو رب العالمين . وأما البنيان : فهو الإسلام . والطعام : الجنة . والداعي : محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله وكان في الجنة ، ومن عصى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله وكان في النار ، محمد فرق بين الناس .

قال ابن مسعود : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ قال : ما رأيت يا ابن أم عبد؟ هل سمعت ما قال هؤلاء؟ قال عبد الله : رأيت كذا وكذا . قال : هل تدري من هم؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : المثل الذي ضربوه : الرحمن ، بنى الجنة ودعا إليها عباده ، فمن أجابه دخل الجنة ومن لم يجبه عاقبه وعذبه ، ما خفي علي شيء مما قالوا ، وهم نفر من الملائكة .


وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله جعل الجنادب والفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها وجعل يحجزهن- ويغلبنه فيقعن فيها ، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها .

ولفظ مسلم : «فذلك مثلي ومثلكم ، أنا آخذ بحجزكم هلم عن النار فتغلبونني تقتحمون فيها» .

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى فيما يرى النائم ملكين قعد أحدهما عند رجليه والآخر عند رأسه ، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه : اضرب مثل هذا ومثل أمته . فقال : مثل هذا ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى مفازة فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به ، فبينما هم كذلك إذا أتاهم رجل في حلة حبرة فقال : أرأيتم إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أتتبعوني؟ فقالوا : نعم فأوردهم رياضا معشبة وحياضا رواء فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم : ألم ألقكم على تلك الحالة فجعلتم لي وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء أن تتبعوني؟ قالوا : نعم . فأوردهم [ ص: 282 ] رياضا معشبة وحياضا رواء ، فأكلوا وشربوا وسمنوا . فقال لهم : ألم ألقكم على تلك الحالة فجعلتم لي إن وردت بكم رياضا معشبة وحياضا رواء ، أن تتبعوني؟ قالوا : بلى . قال : فإن بين يديكم رياضا أعشب من هذه وحياضا أروى من هذه فاتبعوني . فقالت طائفة : صدق والله لنتبعنه . وقالت طائفة : رضينا بهذا نقيم عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية