سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السابع في بعض فضائل أمير المؤمنين أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - على سبيل الانفراد

  وفيه أنواع :

    الأول : في مولده ومنشئه - رضي الله تعالى عنه

  - ولد - رضي الله تعالى عنه - بعد مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين وأشهر ، فإنه مات وله ثلاث وستون سنة .

  وروى خليفة بن خياط أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له : «أنا أكبر أو أنت ؟ قال : أنت أكبر وأنا أسن منك » .

  قال الشيخ في تاريخ الخلفاء : غريب جدا ، والمشهور خلافه ، وإنما صح ذلك عن العباس ، وكان منشؤه بمكة لا يخرج منها إلا لتجارة ، وكان ذا مال جزيل في قومه ، وثروة تامة وإحسان وتفضل فيهم ، وكان من رؤساء قريش في الجاهلية ، وأهل مشاورتهم ، ومحببا فيهم وأعلم لمعالمهم ، فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه ، ودخل فيه أكمل دخول ، وكان من أعف الناس في الجاهلية . قالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - : والله ما قال شعرا في الجاهلية ولا في الإسلام ، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمر في الجاهلية . رواه ابن عساكر بسند صحيح ، وكان نحيفا أبيض حسن القامة خفيف العارضين أجنأ لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه معروق الوجه ، غائر العينين . ناتئ الجبهة ، عاري الأشاجع . رواه ابن سعد ، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - .

  وروى عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وليس في أصحابه أشمط غير أبي بكر فلفها بالحناء والكتم .

  وقد تقدم الكلام على إسلامه أوائل الكتاب ، ولد بمنى ، وأمه أم الخير بنت صفر بن عامر ، تزوج في الجاهلية قتيلة بنت عبد العزى ، فولدت له عبد الله وأسماء ذات النطاقين .

  والثانية - أم رومان بنت عامر ، ولدت له عبد الرحمن وعائشة ، وتزوج في الإسلام أسماء بنت عميس ، فولدت له محمدا ، وكانت عند جعفر بن أبي طالب قبله ، فولدت له عبد الله ، وقيل : مجهرا ، وتزوجها بعده علي بن أبي طالب ، فذكر أنها ولدت منه ولدا اسمه محمد ، وكان يقال لها أم المحمدين ، وزوجته الثانية في الإسلام حبيبة بنت خارجة بن زيد ، فولدت له أم كلثوم بعد وفاته .

  الثاني - في أمر الله تعالى - له بأن يستشيره وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله قدمه » .

[ ص: 252 ] وروى الديلمي عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «أتاني جبريل ، فقلت : من يهاجر معي ؟ قال : أبو بكر ، وهو يلي - رضي الله تعالى عنه - أمر أمتك من بعدك .

  وروى تمام عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «أتاني جبريل ، فقال : يا محمد ، إن الله تعالى أمرك أن تستشير أبا بكر » .

  وروى الطبراني عن سعيد بن يحيى بن قيس بن عيسى عن أبيه أن حفصة - رضي الله تعالى عنها - قالت : يا رسول الله ، إذا اعتللت قدمت أبا بكر ؟ فقال : «ليس أنا الذي قدمته ، ولكن الله تعالى قدمه » .

  وروى الديلمي والخطيب وابن عساكر عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «يا علي ، سألت الله أن يقدمك ثلاثا ، فأبى علي إلا أن يقدم أبا بكر » . انتهى .

  الثالث - في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مروا أبا بكر ، فليصل بالناس » .

  روى الشيخان والترمذي وابن ماجه عن عائشة ، والشيخان عن أبي موسى والبخاري عن ابن عمر ، والإمام أحمد وابن ماجه عن ابن عباس ، وعبد بن حميد وابن ماجه وابن جرير عن سالم بن عبيد - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : مروا أبا بكر ، فليصل بالناس .

  وروى الحاكم عن سهل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر : «إن أقمت فصل بالناس » .

  وروى الطبراني عن سهل بن سعد - رضي الله تعالى عنه - قال : كان كون في الأنصار فأتاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلح بينهم ، ثم رجع ، وقد أقيمت الصلاة ، وأبو بكر يصلي بالناس فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف أبي بكر .

  ورواه البخاري خلا قوله : «فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلف أبي بكر » .

  وروى البزار بسند جيد والإمام أحمد واللفظ له عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه - قال : دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نساء ، فاستترن مني إلا ميمونة ، فقال : لا يبقى أحد شهد أن لا إله إلا الله إلا أن يميني لم يصب العباس ، ثم قال : مروا أبا بكر ، فليصل بالناس ، فقالت عائشة لحفصة : قولي له إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام ذلك المقام بكى قال : مروا أبا بكر [ ص: 253 ] ليصل بالناس ، فقام فصلى فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - من نفسه خفة ، فجاء فنكص أبو بكر فأراد أن يتأخر فجلس ، إلى جنبه ثم اقتدى .

  وروى الإمام أحمد عن ابن أبي حازم قال : «إني لجالس عند أبي بكر بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشهر فذكر قصة الدجال فنودي في الناس ، الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر ، شيئا (صنع ) له كان يخطب عليه ، وهي أول خطبة في الإسلام ، قال : فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «يا أيها الناس ، ولوددت أن هذا كفانيه غيري ولئن أخذتموني سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ما أطيقها إن كان لمعصوما من الشيطان وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء » .

  وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي مليكة رحمه الله قال : قيل : لأبي بكر يا خليفة الله ، قال : أنا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا راض به .

  وروى الإمام أحمد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال : لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي توفي فيه ، أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال : بعد مرتين يا بلال ، قد بلغت ، فمن شاء أن يصلي فليصل ومن شاء أن يدع فليدع ، مروا أبا بكر ، فليصل بالناس .

  وروى الإمام أحمد - برجال الصحيح عن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قال : مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - : يا رسول الله ، إن أبي رجل رقيق ، فقال : «مروا أبا بكر فليصل بالناس ، فإنكن صواحبات يوسف » . فأم أبو بكر بالناس ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - حي .

  وروى الإمام أحمد برجال ثقات عن سالم بن عبيد - رضي الله تعالى عنه - وكان من أصحاب الصفة قال : أغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه ، فأفاق وقد حضرت الصلاة فقال : حضرت الصلاة ؟ فقلنا : نعم ، فقال : مروا بلالا فليؤذن ، ومروا أبا بكر ، فليصل بالناس ، فقالت عائشة : إن أبي رجل أسيف ، فلو أمرت غيره ، فليصل بالناس ، ثم أغمي عليه فأفاق ، فقال : «أقيمت الصلاة » قلنا : نعم ، ائتوني بإنسان أعتمد عليه ، فجاء بريدة وإنسان آخر ، فاعتمد عليهما فأتى المسجد ، فدخل وأبو بكر يصلي بالناس ، فذهب أبو بكر ليتنحى فمنعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلس إلى حيث أبي بكر حتى فرغ من صلاته ، فقبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث .

[ ص: 254 ] وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن أبي البختري - رحمه الله تعالى - قال : قال عمر لأبي عبيدة : ابسط يدك حتى أبايعك ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «أنت أمين هذه الأمة » ، فقال أبو عبيدة : ما كنت لأتقدم بين يدي رجل أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤمنا فأمنا حتى مات .

  وأبو البختري لم يدرك عمر ، وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال : لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت الأنصار : منا أمير ، ومنكم أمير ، فأتاهم عمر ، فقال : يا معشر الأنصار : ألستم تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أبا بكر أن يؤم الناس ، فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم على أبي بكر .

  وروى الترمذي ، وقال غريب : عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ما ينبغي لقوم فيهم أبو بكر أن يؤمهم غيره » .

  الرابع - في تسميته - رضي الله تعالى عنه - بالصديق ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : «لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا » ، وأنه أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - » .

  روى ابن سعد عن أبي وهب مولى أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : قلت لجبريل ليلة أسري بي : إن قولي لا يصدقونني فيه ، فقال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق » .

  وروى الديلمي عن أم هانئ - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «يا أبا بكر ، إن الله سماك الصديق » .

  وروى البخاري عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت وقال أبو بكر : صدقت ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركو لي صاحبي . . . » .

    وروى الخطيب والديلمي عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «دعوا لي صويحبي فإني بعثت إلى الناس كافة ، فلم يبق أحد إلا قال : كذبت إلا أبو بكر الصديق ، فإنه قال لي «صدقت » .

[ ص: 255 ] وروى أبو نعيم عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما كلمت في الإسلام أحدا إلا أبى علي وراجعني في الكلام إلا ابن أبي قحافة » .

  وروى عبد الله بن الإمام أحمد وابن مردويه والديلمي عن ابن عباس والطبراني عن أبي أمامة والبخاري والترمذي عن أبي سعيد والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر وابن السني في عمل اليوم والليلة عن ابن العلاء والترمذي وقال : حسن غريب ، وابن ماجه عن أنس ، والترمذي ، وقال : حسن غريب ، عن أبي هريرة وأبو نعيم عن أبي هريرة والطبراني في الكبير عن كعب بن مرة وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن مسعود وابن عساكر عن جابر والإمام أحمد والبخاري عن ابن الزبير والبخاري عن ابن عباس والشيرازي في الألقاب عن سعد ومسلم عن ابن مسعود والطبراني في الكبير عن ابن أبي واقد - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار فاعرفوا له قدره » . وفي لفظ : «إن آمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر » . وفي لفظ : «ما من أحد أمن علي في يده من أبي بكر زوجني ابنته وأخرجني إلى دار الهجرة » . وفي لفظ : «ما من الناس أحد أمن علي في صحبته وذات يده من ابن أبي قحافة » . وفي لفظ : «ما لأحد علينا يد إلا وقد كافأناه عليها ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدا يكافئه الله بها يوم القيامة وما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر » ، فلو كنت وفي لفظ : «لو كنت » متخذا خليلا وفي لفظ : «من أهل الأرض » ، وفي لفظ : «غير ربي لاتخذت أبا بكر » ، وفي لفظ : «ابن أبي قحافة خليلا » ، وفي لفظ : «ولكنه أخي وصاحبي قد اتخذ الله صاحبكم خليلا » وفي لفظ : «ولكن قولوا كما قال الله صاحبي » ، وفي لفظ : «سدوا كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر » ، وفي لفظ : «ألا وإن صاحبكم » ، وفي لفظ : «ولكن حق الله فسدوا كل خوخة إلا خوخة ابن أبي قحافة » وفي لفظ : «لكل نبي خليل من أمته وإن خليلي أبو بكر وخليل صاحبكم الرحمن » .

  وفي لفظ : «لم يكن من نبي إلا وله خليل وإن خليلي أبو بكر بن أبي قحافة ، إن الله اتخذ صاحبكم خليلا » ، وفي لفظ : «ولكن أخي في الإسلام ، وصاحبي في الغار » ، وفي لفظ : «ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا » .

  وروى الشيخان والترمذي عن عمرو بن العاص والترمذي ، وقال : حسن صحيح غريب ، وابن ماجه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «أحب الناس إلي عائشة ، ومن الرجال أبوها » .

 

التالي السابق


الخدمات العلمية