سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثالث : في قوله - صلى الله عليه وسلم - يا أخي أشركنا في دعائك ، وقوله : «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب » .

[ ص: 265 ] روى الإمام أحمد وغيره وابن سعد وابن ماجه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : «يا أخي أشركنا في دعائك وفي لفظ «في صالح دعائك ولا تنسنا » .

  رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حسن صحيح عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال : استأذنت النبي - صلى الله عليه وسلم - في العمرة فأذن لي ، وقال : لا تنسنا يا أخي من دعائك ، فقال لي كلمة ما سرني أن لي بها الدنيا .

  وروى الحاكم وابن عساكر والطبراني في الكبير - عن ثوبان ، وابن عساكر عن علي والزبير ، وأبو داود الطيالسي والنسائي والإمام أحمد عن ابن مسعود وابن ماجه وابن عدي في الكامل والحاكم والبيهقي عن عائشة ، وابن عساكر عن الزبير بن العوام ، والسدي عن ربيعة السعدي والحاكم والطبراني في الكبير عن ابن مسعود والإمام أحمد والترمذي وقال : حسن صحيح ، وعبد بن حميد ، وابن سعد وأبو يعلى وأبو نعيم في الحلية ، والبغوي عن ربيعة السعدي وابن عساكر عن ابن عمر ، والبزار عن أنس عن خباب وابن سعد عن سعيد بن المسيب مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «اللهم أعز » وفي لفظ : «أيد الإسلام بعمر بن الخطاب ، وفي لفظ : «خاصة » ، وفي لفظ : «اللهم ، أعز عمر بن الخطاب » ، وفي لفظ : «بأبي جهل بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب » ، وفي لفظ : «بأحب الرجلين » ، وفي لفظ : «هذين الرجلين إليك بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هشام » .

  وروى أبو نعيم في الحلية - عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عمر - رضي الله تعالى عنه - كان يقول : والله ، ما نعنى بلذات العيش أن نأمر بصغار المعزى فتسمط لنا ونأمر بلباب الحنطة فتخبز لنا ، ونأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان حتى إذا صار ملء عين اليعقوب ، أكلنا هذا ، وشربنا هذا ، ولكنا نريد أن نستبقي طيباتنا ، لأنا سمعنا الله تعالى يقول : أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا [الأحقاف 20 ] .

  وروى عبد بن حميد عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن عمر لما قدم الشام صنع له طعام لم ير قبله مثله ، فقال : هذا لنا ، فما لفقراء المسلمين الذين ماتوا وهم لا يشبعون من خبز الشعير ؟ فقال خالد : لهم الجنة ، فأزرفت عينا عمر . فقال : لئن كان حظنا من هذا الطعام ، وذهبوا بالجنة ، فقد بانوا بوانا بعيدا .

  وروى الحاكم والترمذي والطبراني والضياء عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ص: 266 ] «أتاني جبريل ، فقال : أقرئ عمر السلام وقل له إن رضاه حكم ، وإن غضبه عز » .

  وروى الحكيم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أتاني جبريل ، فقال : أقرئ عمر السلام ، وأخبره أن غضبه عز ، ورضاه عدل .

  وروى الحاكم في تاريخه ، وأبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب ، والديلمي ، وابن النجار ، عن علي - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «اتقوا غضب عمر ، فإن الله يغضب إذا غضب .

  وروى أبو داود والطبراني والحاكم عن أبي رمثة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «أصاب الله بك يا ابن الخطاب » .

  وروى النسائي وابن منده وابن عساكر عن واصل مولى عيينة ، قال : كانت امرأة عمر اسمها عاصية فأسلمت ، فقالت لعمر : قد كرهت اسمي فسمني فقال : أنت جميلة ، فغضبت وقالت ما وجدت اسما سميتني إلا اسم أمة ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إني كرهت اسمي فسمني ، فقال : أنت جميلة ، فقالت : يا رسول الله ، قلت لعمر : سمني : فقال : أنت جميلة فغضبت ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أما علمت أن الله عز وجل عند لسان عمر وقلبه .

  ورواه ابن عساكر في التاريخ والنسائي عن بلال وابن عساكر عن أبي بكر الصديق بلفظ : «إن الله جعل الحق في قلب عمر ، وعلى لسانه » .

  وروى ابن (عساكر عن أبي ذر بلفظ : «إن الله جعل السكينة على لسان عمر وقلبه يقول بها » . )

  ورواه ابن سعد عن أيوب بن موسى مرسلا «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه ، وهو الفاروق ، فرق الله به بين الحق والباطل » .

  ورواه الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي ، وقال : حسن صحيح ، والطبراني عن ابن عمرو عن بلال والإمام أحمد وأبو داود وأبو يعلى والروياني والحاكم والضياء عن أبي ذر ، وتمام وابن عساكر عن أبي سعيد والإمام أحمد وأبو يعلى وتمام والحاكم وأبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة ، والطبراني عن معاوية بلفظ : «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه » .

  وروى الطبراني عن سديسة عن مولاة حفصة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه » .

[ ص: 267 ] وروى ابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن الشيطان يفر من عمر بن الخطاب » .

  وروى ابن عدي وابن عساكر عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «إن الله عز وجل باهى الملائكة عشية يوم عرفة بعمر بن الخطاب » .

  وروى ابن عساكر عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من (أغضب ) عمر فقد أغضبني ، ومن أحب عمر فقد أحبني ، وإن الله باهى عشية يوم عرفة بالناس عامة ، وإن الله باهى بعمر خاصة ، وإنه لم يبعث نبي قط إلا كان في أمته (من يحدث ) » .

  وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر ، وقيل : كيف يا رسول الله يحدث ؟ قال : يتحدث الملائكة على لسانه .


  وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أنه عليه - الصلاة والسلام - قال : «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون ، فإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر » .

  قال ابن وهب : محدثون : أي ملهمون .

  وقال ابن عيينة معناه : مفهمون .

  وروى ابن عساكر عن أنس - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «مه عن عمر ، فوالله ما سلك عمر واديا قط ، فسلكه الشيطان » .

  وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «نزل الحق على لسان عمر وقلبه » .

  وروى الطبراني في الكبير - عن سلمة بن مالك الخطمي ، وابن عدي في الكامل - عن أبي هريرة وابن عمر معا - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ويحك إذا مات عمر ، فإن استطعت أن تموت فمت » .

  وروى الديلمي عن معاذ - رضي الله تعالى عنه - قال : «لا يزال باب الفتنة مغلقا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب ، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن » .

  وروى الطبراني في «الكبير » عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال [ ص: 268 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «يا ابن الخطاب ، أتدري مما تبسمت إليك إذا الله عز وجل باهى ملائكته ليلة عرفة بأهل عرفة عامة وباهى بك خاصة » .

  وروى أبو نعيم في الحلية وابن جرير عن سعيد بن جبير مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «عمر ارجع ، فإن غضبك عز ، ورضاك حكم ، إن لله في السماوات السبع ملائكة يصلون له غنى عن صلاة فلان » قال عمر : فما صلاتهم ؟ فلم يرد على شيء ، فأتاه جبريل ، فقال : يا نبي الله ، يسألك عن صلاة أهل السماء ، قال : نعم ، فقال : اقرأ على عمر السلام ، وأخبره أن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون : سبحان ذي الملك والملكوت ، وأهل السماء الثانية ركوع يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون : سبحان الحي الذي لا يموت » .

  وروى أبو نعيم وابن عساكر عن عقيل بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «يا عمر إن غضبك عز ، ورضاك حكم » .

  وروى الديلمي عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «يا عائشة ، ما من أصحابي أحد إلا وقد غلبه شيطانه إلا عمر ، فإنه غلب الشيطان » .

  وروى الإمام أحمد والترمذي وقال : صحيح وأبو يعلى وابن حبان والطبراني في الأوسط والضياء وابن منيع والحارث عن أنس ، والطيالسي والإمام أحمد والشيخان وابن حبان وأبو عوانة عن جابر ، والإمام أحمد عن عبد الله بن بريرة عن أبيه ، والإمام أحمد وأبو يعلى والروياني وأبو بكر في الغيلانيات عن معاذ وابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب » ، وفي لفظ : «فرأيت فيها دارا وقصرا » فقلت : لمن هذا القصر ؟ فقالوا : لعمر بن الخطاب وفي لفظ : «لشاب من قريش فظننت أني أنا هو ، فقلت : ومن هو ؟ قالوا : عمر بن الخطاب ، فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته ، وفي لفظ : «فأردت أن أدخله فذكرت غيرة أبي حفص ، فقال عمر : أوعليك أغار يا رسول الله ، هل هذا في الله إلا بك ؟ وهل رفعني الله إلا بك ؟ وهل من علي إلا بك » ؟ .

  وروى الإمام أحمد والشيخان عن جابر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة ، وسمعت خشفة أمامي فقلت : من هذا يا جبريل ؟ قال : هذا بلال ، ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قال : لعمر بن الخطاب ، فأردت أن أدخله ، فذكرت غيرتك » .

[ ص: 269 ] وروى الحاكم في تاريخه عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «رضي الله عن عمر ، ورضي عن من رضي عنه » .

  وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة والخطيب وابن عساكر عن ابن عمر وابن عساكر والحاكم عن المصعب بن جثامة وأبو نعيم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة » .

  وروى ابن عدي والطبراني في الكبير وأبو نعيم في فضائل الصحابة وابن عساكر عن ابن عباس عن أخيه الفضل - رضي الله تعالى عنهم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «عمر معي ، وأنا مع عمر » وفي لفظ : «عمر مني وأنا من عمر والحق بعدي مع عمر حيث كان » .

  وروى ابن عدي عن سعيد بن جبير عن أنس ، وابن شاهين وابن عساكر عن سعيد بن جبير مرسلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «قال لي جبريل : أقرئ عمر السلام وأعلمه أن رضاه حكم ، وغضبه عدل » .

  وروى أبو بكر الآجري في الشريعة ، والحاكم ، وتعقبه وأبو نعيم في «فضائل الصحابة » أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «لما أسلم عمر أتاني جبريل ، فقال : قد استبشر أهل السماء بإسلام عمر » .

  وروى الإمام أحمد والترمذي وقال : حسن غريب ، وأبو يعلى ، والطبراني في الكبير والروياني والبيهقي والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن ابن عامر ، والطبراني في الكبير عن عصمة بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب » .

  وروى الترمذي وضعفه والبزار والدارقطني في الإفراد والحاكم وتعقب ، وابن عساكر عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما طلعت الشمس على أحد ، وفي لفظ : «على رجل خير » وفي لفظ : «أفضل من عمر » .

  وروى ابن عدي وأبو نعيم في فضائل الصحابة والديلمي وابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما في السماء ملك إلا وهو يوقر عمر ، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفر من عمر » .

  وروى الدارقطني في الإفراد - وابن منده وابن عساكر عن حفصة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما لقي الشيطان عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه » .

[ ص: 270 ] وروى الحاكم عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «ما لقي الشيطان عمر في فج فسمع صوته إلا أخذ غير فجه » .

  الرابع : في موافقاته ، وهي آية الحجاب واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [البقرة 125 ] و عسى ربه إن طلقكن [التحريم 5 ] و فتبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون 14 ] والاستئذان وأسارى بدر ولا تصل على أحد منهم مات أبدا [التوبة 84 ] ووصيته وكرامته ووفاته ، وثناء الصحابة عليه ، وأن موته ثلمة في الإسلام .

  وروى أبو داود الطيالسي ، وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر وهو صحيح عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال : وافقت ربي في أربع ، قلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [البقرة 125 ] وقلت : يا رسول الله ، لو ضربت على نسائك الحجاب ، فإنه يدخل عليهن البر والفاجر ، فأنزل الله تعالى وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب [الأحزاب 53 ] ، ونزلت هذه الآية ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين إلى قوله : ثم أنشأناه خلقا آخر [المؤمنون 14 ] . فلما نزلت قلت أنا : تبارك الله أحسن الخالقين فنزلت : فتبارك الله أحسن الخالقين [المؤمنون 14 ] ودخلت على أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت لهن : لتنتهين أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن فنزلت هذه الآية عسى ربه إن طلقكن [التحريم 5 ] .

  وروى سعيد بن منصور ، والإمام أحمد والدارقطني والدارمي والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن أبي داود في المصاحف وابن المنذر وابن أبي عاصم وابن جرير والطحاوي وابن حبان والدارقطني في الإفراد ، وابن شاهين في السنة ، وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية - والبيهقي عنه - رضي الله تعالى عنه - قال : وافقت ربي في ثلاث قلت : يا رسول الله ، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، فنزلت : واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى [البقرة 125 ] ، وقلت : يا رسول الله ، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر ، فلو أمرتهن أن يحتجبن ، فنزلت آية الحجاب ، واجتمع على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساؤه من الغيرة فقلت : عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن فنزلت كذلك [التحريم 5 ] .

  وروى الترمذي وقال : حسن صحيح عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : «ما نزل بالناس أمر قط ، فقالوا فيه ، وقال عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال عمر » .

  ومن كراماته قصة سارية المشهورة حيث كان يخطب يوم الجمعة في السنة التي مات فيها ، فقال في أثناء كلامه : يا سارية بن الحصين ، الجبل الجبل ، فنظر الناس بعضهم إلى بعض فلم يفهموا ما قال ، فقال له علي لما نزل : ما هذا الكلام الذي قلته ؟ قال : وقد سمعتني قال : [ ص: 271 ] سمعتك أنا وكل من في المسجد ، فقال : رأيت أصحابنا (بنهاوند ) وقد أحاط بهم العدو ، وهناك جبل فإن اعتصموا إليه سلموا وظفروا ، وإلا فيهلكوا فجاء البشير بعد شهر بخبر نصر المسلمين ، وأنهم سمعوا في ذلك الوقت صوتا يشبه صوت عمر ، يا سارية بن حصين ، الجبل الجبل ، فعدلوا إليه ، فانتصروا وظفروا ، فكشف له عن حال السرية حتى عاينهم ببصره وارتفع بصره وصوته إلى أن سمعوه في ذلك الوقت ، فلما جاءه البشير أخبره بذلك .

  وفتح على يديه فتوحات كثيرة منها بيت المقدس ، ومن مناقبه قوله «لو أن جملا من ولد الضأن ، ضاع على شط الفرات لخفت أن يسألني الله تعالى عنه » ومنها : تواضعه مع رفعة قدره وجلالة منصبه ومنها أنه كان في عام الرمادة يصوم النهار ، فإذا أمسى أتى بخبز وزيت فجعل يكسر بيده ويثرد الخبز ثم قال : ويحك تأمرنا ، ارفع هذه الجفنة حتى تأتي بها أهل بيت معترين فضعها بين أيديهم ، وقد حلف في ذلك العام أن لا يأكل سمنا ولا سمينا حتى يأكل الناس ، وما أثر عنه من كلماته وجدنا علينا الصبر ، إن الطمع فقر واليأس عز .

  جالس التوابين فإنهم أرق شيء أفئدة .

  كونوا أوعية الكتاب وينابيع العلم ، واسألوا رزق يوم بيوم .

  وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ومهدوا لها قبل أن تعذبوا ، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .

  لو أن مثل الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله قبل أن أراه .

  والذي نفسي بيده لوددت أني خرجت منها - يعني الخلافة كما دخلت فيها لا أجرا ولا وزرا .

  ولو نادى مناد من السماء : أيها الناس ، إنكم داخلون الجنة إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو ، ولو نادى مناد من السماء : أيها الناس ، إنكم داخلون النار كلكم إلا رجلا واحدا لرجوت أن أكون أنا هو .

  وروى البخاري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال : وضع عمر بن الخطاب على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع ، وأنا فيهم ، فلم تر عيني إلا رجلا وقد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت ، فإذا هو علي بن أبي طالب فترحم على عمر ، وقال : ما خلق الله أحدا أحب إلي من أن ألقى الله بمثل عمله منك وايم الله ، إن كنت لأظن أن يجعلك مع [ ص: 272 ] صاحبيك وذلك أني كنت كثيرا أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر ، فإن كنت لأظن أن يجعلك الله معهما » .

  رواه مسلم عن أبي بكر .

  وروى مسلم في صحيحه والحافظ والبيهقي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن عمر - رضي الله تعالى عنه - أصاب أرضا بخيبر ، فقال : يا رسول الله ، إني أصبت أرضا ، والله ما أصبت مالا قط هو أنفس عندي منها فما تأمرني يا رسول الله ؟ قال : إن شئت تصدقت بها وحبست أصلها ، فقال : فجعلها عمر صدقة لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث فتصدق بها على الفقراء وذي القربى وفي سبيل الله ، قال ابن عوف : احبسه قال : والضيف ولا جناح على من وليها أن يأكل بالمعروف ، ويطعم صديقا غير متمول ، قال ابن عوز : فذكرته لابن سيرين فقال : «غير متأثل مالا » .

  وروى [البخاري ] أن عمر - رضي الله تعالى عنه - تصدق بماله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان يقال له : ثمغ وكان نخلا فقال عمر : يا رسول الله ، إني استنفدت مالا وهو عندي نفيس ، فأردت أن أتصدق به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «تصدق بأصله لا يباع ، ولا يوهب ، ولا يورث ، ولكن تنفق ثمرته فتصدق به عمر ، فصدقته تلك في سبيل الله ، وفي الرقاب ، والمساكين ، والضيف وابن السبيل ، ولذوي القربى ، ولا جناح على من وليه أن يأكل بالمعروف أو يوكل صديقه غير متمول به » .

  وروى البيهقي عن يحيى بن سعيد أن صدقة عمر - رضي الله تعالى عنه - نسخها لي عبد الحميد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب في ثمغ أنه إلى حفصة ما عاشت تنفق ثمرته حيث أراها الله ، فإن توفيت فإنه إلى ذي الرأي من أهله ، وفي لفظ : «من ولدي » لا يشرى أصله أبدا ، ولا يوهب من وليه فلا حرج عليه في ثمره ، إن أكل أو آكل صديقا غير متأثل مالا فما عفا عنه من ثمره ، فهو للسائل والمحروم ، والضيف ، وذوي القربى ، وابن سبيل وفي سبيل الله ، تنفقه حيث أراها الله عز وجل من ذلك فإن توفيت فإلى ذي الرأي من ولدي والمائة الوسق الذي أطعمني محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوادي بيدي ، لم أهلكها فإنه مع [ثمغ ] على سنته التي أمرت بها ، وإن شاء لي ثمغ اشترى من ثمره رقيقا لعمله ، وكتب معيقيب وشهد عبد الله بن الأرقم ، بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين : إن حدث به حدث إن ثمغا وصرمة بن الأكوع والعبد الذي فيه ، والمائة سهم الذي بخيبر ، ودقيقه الذي [ ص: 273 ] فيه ، والمائة يعني الوسق الذي أطعمه محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، تليه حفصة ما عاشت ، ثم يليه ذوو الرأي من أهلها ، لا يباع ولا يشترى ، ينفقه حيث رأى في السائل والمحروم ، وذوي القربى ، ولا حرج على وليه إن أكل أو آكل أو اشترى له رقيقا منه » .

  وروى الطبراني من طريق عبد الله بن زيد بن أسلم عن زيد بن أسلم - رحمه الله تعالى - أن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال للستة الذين خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راض ، بايعوا لمن بايع له عبد الرحمن بن عوف ، فمن أبى فاضربوا عنقه » .

  وروى أن سعيد بن زيد - رضي الله تعالى عنه - بكى عند موت عمر - رضي الله تعالى عنه - فقيل : ما يبكيك ؟ فقال : على الإسلام أبكي ، إنه بموت عمر ثلم الإسلام ثلمة لا ترتق إلى يوم القيامة » .

  وروى [ابن سعد في الطبقات ] عن زيد بن وهب - رحمه الله تعالى - قال : أتينا عبد الله بن مسعود فذكر عمر فبكى حتى ابتل الحصى من دموعه ، وقال : إن عمر كان حصنا حصينا للإسلام ، يدخل الإسلام فيه ولا يخرج منه فلما مات أثلم الحصن فإذا الناس يخرجون عن الإسلام ولا يدخلون فيه .

  وروى عن أبي وائل - رضي الله تعالى عنه - قال : قدم علينا عبد الله بن مسعود ينعي إلينا عمر ، فلم أر يوما كان أكثر باكيا ولا حزينا منه ، ثم قال : والله لو أعلم أن عمر كان يحب كلبا لأحببته ، والله إني أحسب العضاة قد وجد فقد عمر .

  وروى عنه قال : قال عبد الله : لو أن علم عمر بن الخطاب وضع في كفة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر » .

  وروى عن إبراهيم عن عبد الله قال : إني لأحسب عمر قد ذهب بتسعة أعشار العلم ، قال : كان عمر أعلمنا بكتاب الله وأفقهنا في دين الله ، وكان إسلامه فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت خلافته رحمة .

  وروى عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : قال أبو طلحة الأنصاري : والله ما أهل بيت من المسلمين إلا وقد دخله في موت عمر نقص في دينهم ودنياهم » .

[ ص: 274 ]   وروى أن حذيفة قال : «إنما كان مثل الإسلام أيام عمر مثل امرئ مقبل : لم يزل في قتال ، فلما قتل أدبر فلم يزل في إدبار » .

    وروى أن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : من رأى ابن الخطاب علم أنه خلق عونا للإسلام ، كان والله ، أحوذيا ، نسيج وحده ، وقد أعد للأمور أقرانها .

  وروى عنه عنها «إذا ذكرتم عمر طال المجلس » .

  وروى عن طارق بن شهاب قال : قالت أم أيمن - رضي الله تعالى عنها - يوم أصيب عمر - رضي الله تعالى عنه - : اليوم وهى الإسلام ، قال الشعبي : إذا اختلف الناس في شيء فانظر كيف صنع عمر ، فإن عمر لم يكن يصنع شيئا حتى يشاور .

  قال قتيبة بن جابر : صحبت عمر فما رأيت أقرأ منه لكتاب الله ، ولا أفقه في دين الله ، ولا أحسن دراسة منه .

  قال الحسن البصري : إذا أراد أحد أن يطيب المجلس ، فأفيضوا في ذكر عمر .

  وروى عنه أنه قال : أي أهل بيت لم يجدوا فقده فهم أهل بيت سوء ، وقال طلحة بن عبيد الله : كان عمر أزهدنا في الدنيا ، وأرغبنا في الآخرة .

  وقال سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه - : قد علمنا بأي شيء فضلنا عمر ، كان أزهدنا في الدنيا ، ودخل على ابنته حفصة - رضي الله تعالى عنها - فقدمت له مرقا وصبت عليه زيتا ، فقال : إدامان في إناء واحد لا آكله حتى ألقى الله عز وجل » .

  وقال أنس - رضي الله تعالى عنه - : لقد رأيت في قميص عمر - رضي الله تعالى عنه - أربع رقاع بين كتفيه وعن أبي عثمان رأيت عمر - رضي الله تعالى عنه - يرمي الجمار وعليه إزار مرقوع بقطعة من أدم وعن غيره أن قميص عمر كان فيه أربع عشرة رقعة أحدها من أدم » .

 

التالي السابق


الخدمات العلمية