سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس عشر في مثله ومثل الأنبياء من قبله

روى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن أبي هريرة ، والإمام أحمد ومسلم عن أبي سعيد الخدري ، والإمام أحمد والشيخان عن جابر بن عبد الله ، والإمام أحمد والترمذي وصححه عن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنهم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله وأتمه إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه ، فجعل الناس يدخلون ويطوفون ويتعجبون له ويقولون : لولا موضع اللبنة . وفي لفظ : يقولون له : هلا وضعت هذه اللبنة فيتم بنيانك ، فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة ، جئت فختمت الأنبياء» .

قال الحافظ : إن قيل المشبه به واحد والمشبه جماعة ، فكيف صح التشبيه؟

وجوابه : أنه جعل الأنبياء كلهم كرجل واحد ، لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه إلا باعتبار الكل ، وكذلك الدار لا تتم إلا باجتماع البنيان . ويحتمل أن يكون من التشبيه التمثيلي ، وهو أن يؤخذ وصف من أوصاف المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به ، فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت ، فنبينا صلى الله عليه وسلم بعث لتتميم مكارم الأخلاق ، كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار .

وزعم ابن العربي أن اللبنة المشار إليها كانت في رأس الدار المذكورة ، وأنها لولا وضعها لانقضت تلك الدار . قال : وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور انتهى .

وهذا إن كان منقولا فحسن ، وإلا فليس بلازم . نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها ، وقد وقع في رواية همام عند مسلم : «إلا موضع لبنة في زاوية من زواياها» فظهر أن المراد أنها مكملة محسنة وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصا ، وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة ، فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية ، مع ما تقدم من الشرائع الكاملة . [ ص: 293 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية