سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الخامس : في وفاته ومن قتله وشيء من آثاره وما فتح في زمنه .

  توفي والنبي - صلى الله عليه وسلم - راض عنه وأبو بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهم - وقتل شهيدا يوم الجمعة لثمان خلون من ذي الحجة ، وقيل : لثماني عشرة خلت منه بعد العصر ، ودفن بالبقيع سنة خمس وثلاثين ، وقيل : يوم الأربعاء ، وهو ابن تسعين سنة ، وقيل : ثمان وثمانين ، وهو الصحيح .

  وقيل : وعشرين ، وصلى عليه جبير بن مطعم ودفن ليلا بالبقيع ، وأخفى قبره ذلك الوقت ، وإنما دفن ليلا للعجز عن إظهار دفنه ، لغلبة قاتليه ، وقيل : لم يصل عليه ، ودفن بثيابه في دمائه ولم يغسل وقيل : حكيم بن حزام ، وقيل : المسور بن مخرمة ، وقيل : مروان ونائلة وأم البنين زوجتاه وهما اللتان دللتاه ، في حفرته على الرجال الذين نزلوا في قبره ، ولحدوا له ، وغيبوا [ ص: 284 ] قبره ، وتفرقوا ، وكانت نائلة مليحة الثغر ، فكسرت ثناياها بحجر ، وقالت : والله لا يجتليكن أحد بعد عثمان ، وخطبها معاوية بالشام فأبت » .

  وروى الترمذي عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال : ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنة فقال يقتل فيها هذا مظلوما ، لعثمان .

  وروى أيضا عن أبي سهلة مولى عثمان ، قال : قال عثمان - رضي الله تعالى عنه - يوم الدار : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلي عهدا فأنا صابر عليه ولم يلبس السراويل في جاهلية ولا إسلام إلا يوم قتل .

  وروى البخاري عن عثمان بن موهب - رضي الله تعالى عنه - قال : جاء رجل من أهل مصر وحج البيت ، فرأى قوما جلوسا فقال : من هؤلاء القوم ؟ قالوا : هؤلاء قريش ، قال : فمن الشيخ فيهم ؟ قالوا : عبد الله بن عمر ، قال : يا بن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني عنه ، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد قال : نعم ، قال : تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد قال : نعم ، قال : هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان ولم يشهدها ؟ قال : نعم ، قال : الله أكبر ، فقال ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - : تعال ، أبين لك ، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله تعالى عفا عنه وغفر له ، قال تعالى : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إلى قوله عفا الله عنهم [آل عمران 155 ] ، وأما تغيبه عن بدر ، فإنه كانت تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان ، فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان ، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان - رضي الله تعالى عنه - إلى مكة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى هذه يد عثمان ، فضرب بها على يده ، فقال : هذه لعثمان ، فقال له ابن عمر : اذهب بها الآن معك » .

  وروى أبو يعلى عن الحسن بن علي - رضي الله تعالى عنهما - أن الحسن قام خطيبا ، فقال : أيها الناس ، إني رأيت البارحة في منامي عجبا ، رأيت رب العزة جل جلاله فوق عرشه فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند قائمة من قوائم العرش ، ثم جاء أبو بكر وعمر ، ثم جاء عثمان فقال : يا رب سل عبادك ، فيم قتلوني ، فانبعث من السماء ميزابان من دم الأرض قال : فقيل لعلي : ألا ترى إلى ما تحدث به الحسن ؟ ! فقال : يحدث بما رأى ؟ !

  وقالت عائشة - رضي الله تعالى عنها - : قتل عثمان مظلوما بالطعن لعن الله قتلته ! وحج بالناس عشر سنين متوالية ، فتح من [ ص: 285 ] العام الذي بويع سنة أربع وعشرين بلاد الري بكمالها ، وفي سنة خمس وعشرين فتحت بلاد أرمينية ، وفي سنة ست وعشرين فتحت إسكندرية ثاني مرة ، والقيروان وغيرها ، وفي سنة سبع وعشرين فتحت إفريقية وبلاد المغرب ، وفي سنة ثمان وعشرين فتحت أصطخر وما والاها ، وفي تسع وعشرين فتحت بلاد فارس ثاني مرة ، وفي سنة ثلاثين كانت غزوة البحر وفتحت بلاد كثيرة بالغرب ، وفي سنة إحدى وثلاثين فتحت صقلية وغيرها ، وفي اثنتين وثلاثين فتحت قبرص ، وفي ثلاث وثلاثين فتحت بعض بلاد الأندلس ، وفي أربع وثلاثين كانت غزوة ذي حسب وفتحت أطراف خراسان وما والاها ، وفي سنة خمس وثلاثين فتحت بلاد كثيرة من بلاد الهند وغيرها من بلاد الغرب والأندلس ، وكان يعتق في كل جمعة عتيقا ، فإن تعذر عليه أعتق في الجمعة الأخرى عتيقين ، وقال مولاه حمدان : كان يغتسل كل يوم منذ أسلم ، ولم يمس فرجه بيمينه منذ بايع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان نقش خاتمه «آمنت بالذي خلق فسوى » ، وفي رواية أخرى «آمن عثمان بالله العظيم » .

  وروى ابن سعد أن امرأة كانت تدخل على عثمان - رضي الله تعالى عنه - وهو محصور ، فولدت ، ففقدها يوما ، فقيل : إنها قد ولدت غلاما ، فأرسل إليها بخمسين درهما سنبلانية ، وقال : هذا غطاء ابنك وكسوته ، فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مائة ، وكان يصلي بالقرآن العظيم في (ركعة ) عند الحجر الأسود أيام الحج ، وكان هذا دأبه ، وقال ابن عمر في قوله تعالى : أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما [الزمر 9 ] . هو عثمان ، وقال ابن عباس في قوله تعالى هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم [النحل 76 ] وقال حسان - رحمه الله تعالى - :

   

ضحوا بأشمط عنوان السجود له يقطع الليل تسبيحا وقرآنا



    وقال الحسن : قال عثمان - رضي الله تعالى عنه - : لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا سبحانه وتعالى ، وإني لأكره أن يأتي يوم لا أنظر في المصحف ، وكان إذا قام من الليل لا يوقظ أحدا من أهله ليعينه على وضوئه ، وكان يصوم الدهر ، وكان لا يرفع المئزر عنه وهو في بيت مغلق عليه ، ولا يرفع صلبه مستويا من شدة حيائه .

 

التالي السابق


الخدمات العلمية