سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الحادي عشر في بعض فضائل طلحة بن عبيد الله رضي الله تعالى عنه

  وفيه أنواع :

    الأول : - في نسبه وأولاده - رضي الله تعالى عنه - فهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التيمي المكي المدني يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرة ، وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء أسلمت - رضي الله تعالى عنها -[قال بعضهم ] : كان آدم وقيل أبيض حسن الوجه كثير الشعر إلى القصر أقرب رحب الصدر بعيد ما بين المنكبين . ضخم القدمين ، إذا مشى أسرع وإذا التفت التفت جميعا ، ولا يغير شيبه وكان في الشدة والقلة لنفسه بذولا ، وفي السعة والرضا وصولا وكان له عشرة أولاد محمد السجاد ، وعمران أمهما حمنة بنت جحش .

  وموسى ، ويعقوب ، وإسحاق ، وأمهم إبان بنت عتبة بن ربيعة .

  وزكريا ويوسف ، وعائشة وأمهم أم كلثوم بنت الصديق .

  وعيسى ويحيى وأمهما سعدى بنت عوف بن خارجة ، وأم إسحاق والصعبة ، ومريم ، وصالح ، وأسلم أخواه عثمان وعبد الرحمن وله عدة موالي .

  الثاني : في جمل من فضائله .

  فهو أحد العشرة المبشرة بالجنة والثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام ، والستة أصحاب الشورى والخمسة الذين أسلموا على يد الصديق - رضي الله تعالى عنه - شهد المشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بدرا ، فإنه بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى طريق الشام يتجسس الأخبار ، فقدم بعد رجوع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بدر ، فكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سهم له ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لك سهمك ، قال : وأجري يا رسول الله ؟ قال : وأجرك ، وسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلحة الخير ، وطلحة الجود ، وطلحة الفياض ، لكثرة جوده .

  روى ابن عساكر عن محمد بن إبراهيم بن الحرث وأبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة : «ما أنت يا طلحة إلا فياض » باع أرضا بسبعمائة ألف ، فبات تلك الليلة كلها ورسله تختلف إلى فقراء أهل المدينة فما أصبح وعنده منها درهم ، وفي رواية : «فبات عنده ليلة ، فبات أرقا من ذلك المال حتى أصبح ففرقه ، وفدى عشرة من أسارى [ ص: 309 ] بدر بماله ، جاءه أعرابي ، وتقرب إليه برحم ، فقال : إن هذه الرحم ما سألني بها أحد قبلك ، ولي أرض قد أعطاني فيها عثمان (بن عفان ) ثلاثمائة ألف ، فإن شئت الأرض وإن شئت الثمن فقال : الثمن فأعطاه ، وكان يكفي ضعفاء بني تميم ، ويقضي ديونهم يرسل إلى عائشة كل سنة عشرة آلاف درهم .

  وسماه أيضا طلحة الطلحات ، وليس هو طلحة الطلحات الذي قيل فيه :

   

رحم الله أعظما دفنوها بسجستان طلحة الطلحات



    لأنه خزاعي مدفون بسجستان ، وكان الصديق إذا ذكر يوم أحد قال : ذاك يوم كله لطلحة ، وجعل يومئذ نفسه وقاية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

  وروى الإمام أحمد والترمذي وقال : حسن صحيح غريب وأبو يعلى وابن حبان ، والحاكم والضحاك عن يحيى بن عباد بن الزبير عن أبيه عن جده - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «أوجب طلحة حين صنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صنع » .

  وروى أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات » «والديلمي » وابن عساكر عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة : يا طلحة ، هذا جبريل يقرؤك السلام ، ويقول لك : أنا معك في أهوال القيامة حتى أنجيك منها .

  وروى ابن منده وابن عساكر والحاكم والترمذي وقال : غريب وابن ماجه والطبراني في الكبير عن معاوية ، وابن عساكر عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة : «يا طلحة ، أنت ممن قضى نحبه ، وفي لفظ : «طلحة ممن قضى نحبه » .

  روى الترمذي وحسنه عن طلحة أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه من هو ؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألة يوقرونه ويهابونه ، فسأله الأعرابي ، فأعرض عنه ، ثم سأله فأعرض عنه ، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر ، فلما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أين السائل عمن قضى نحبه ؟ قال : أنا يا رسول الله ، قال «هذا ممن قضى نحبه » .

  وروى أبو نعيم في الحلية - عن طلحة بن عبيد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلا على المنبر : فمنهم من قضى نحبه ، فسأله رجل من هم ؟ فأقبل على طلحة بن عبد الله ، فقال : أيها السائل ، هذا منهم » .

[ ص: 310 ] وروى [الطبراني ] عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت : طلحة ممن قضى نحبه .

  وفي تفسير ابن أبي حاتم أن عمارا منهم ، وفي تفسير يحيى بن سلام : حمزة وأصحابه .

  وروى الطبراني في - الكبير - وأبو نعيم والضياء والبارودي والبغوي عن حصين بن وحوح قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم الق طلحة تضحك إليه ويضحك إليك .

  وروى الترمذي وقال : غريب وأبو يعلى والحاكم وتعقب وأبو نعيم في المعرفة عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «طلحة والزبير جاراي في الجنة » .

  وروى الحاكم وابن ماجه وابن عساكر عن جابر ، وابن عساكر عن أبي هريرة وأبي سعيد - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «طلحة خير شهيد يمشي على وجه الأرض » .

  وروى أبو نعيم في فضائل الصحابة - عن عمر - رضي الله تعالى عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لطلحة : لك الجنة علي يا طلحة غدا .

  وهو أعظم الطلحات السبعة المعدودين في الجود ، فقد باع أرضا له من عثمان بسبعمائة ألف ، فحملها إليه ، فلما جاء بها ، قال : إن رجلا ثبت هذه عنده ، لا يدري ما يطرقه من أمر الله ، لغرير بالله ، فبات ، ورسله تختلف في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم .

  وقد تصدق يوما بثمانمائة ألف ثم حبسه عن الرواح إلى المسجد أن جمعت له بين طرفي ثوبه .

  والثاني : طلحة بن (عمر التميمي ) طلحة الجود .

  والثالث : طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، ويسمى طلحة الدراهم .

  والرابع : طلحة بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، ويسمى طلحة الخير .

  والخامس : طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري ويسمى طلحة الدوسي .

  السادس : طلحة بن عبد الله بن خلف ، ويسمى طلحة الندى .

[ ص: 311 ] السابع : طلحة بن عبد الله الخزاعي ، ويسمى طلحة الطلحات .

  الثالث : في وفاته - رضي الله تعالى عنه - .

  قتل يوم الجمل سنة ست وثلاثين ، وهو ابن أربع وستين ، وقيل : اعتزل يوم الجمل في بعض الصفوف ، فرمي بسهم فقطع من رجله عرق النسا ، فلم يزل دمه ينزف منه حتى مات ، وأقر مروان بن الحكم أنه رماه ، ودفن بقنطرة القرة ، قد رأى بعد موته بثلاثين سنة في المنام أنه يشكو إليها الغلاوة فأمر به فاستخرج طريا ودفن في دار الهجرتين بالبصرة ، وقبره مشهور .

  [شرح غريب ما سبق ] .

  نحب : بنون فحاء فموحدة ، النذر كأنه أكرم نفسه أن يصدق الله في قتل أعدائه في الحرب ، وقيل : هو الموت ، فكأنه ألزمها أن يقاتل حتى الموت .

[ ص: 312 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية