سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني عشر في بعض فضائل الزبير بن العوام - رضي الله تعالى عنه -

  وفيه أنواع :

    الأول : في نسبه وصفته وولده وإسلامه وهجرته .

  هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن (خويلد ) بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي ، يلتقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قصي ، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسلمت وهاجرت إلى المدينة ، أسلم قديما ، وعمره خمس عشرة سنة ، قال الحافظ أبو نعيم : كان عم الزبير يعلق الزبير في حصير ، ويدخن عليه بالنار ، وهو يقول : ارجع إلى الكفر ، فيقول الزبير : لا أكفر أبدا .

  وكان أسمر ربعة من الرجال ، معتدل اللحم ، خفيف اللحية ، قيل : كان طويلا إذا ركب تخط رجلاه الأرض .

  وأولاده من أسماء بنت الصديق - رضي الله تعالى عنهم - : عبد الله ، وعروة ، والمنذر وعاصم ، والمهاجر ، وخديجة الكبرى ، وأم الحسن ، وعائشة ، وله أولاد من غيرها - رضي الله تعالى عنهم - .

  الثاني : في بعض فضائله - رضي الله تعالى عنه - .

  أسلم قديما وهو ابن ثماني سنين ، وقيل : ابن ست عشرة سنة ، فعذبه عمه بالدخان لكي يترك الإسلام فلم يفعل ، وهاجر إلى الحبشة مرتين وإلى المدينة ، وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين ابن مسعود ، وكان أول من سل سيفا في سبيل الله حين سمع ما ألقاه الشيطان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ ، فخرج الزبير يستبق الناس بسيفه ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بأعلى مكة فلقيه ، فقال : ما لك يا زبير ؟ فقال : أخبرت أنك أخذت ، قال : فصلى عليه ودعا له ولسيفه .

  وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهد اليرموك وفتح مصر ، وكان يتجر ويأخذ عطاء .

  روى الإمام أحمد والشيخان وعبد بن حميد والترمذي والخطيب وابن عساكر في تاريخه وابن أبي شيبة وأبو نعيم في المعرفة - والإمام أحمد والبيهقي عن جابر وابن عساكر عن الزبير والإمام أحمد وأبو يعلى وابن أبي شيبة والترمذي وقال : حسن صحيح ، والطبراني والحاكم وأبو نعيم في فضائل الصحابة عن علي والدارقطني في الإفراد عن أبي موسى والزبير بن بكار وابن عدي وابن عساكر عن عمر وأبو يعلى وابن سعد والزبير بن بكار وابن عساكر [ ص: 313 ] عن أبي عمر ، والإمام أحمد وابن كثير والطبراني في الكبير ، وأيضا عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «لكل نبي حواري وإن حواري - وفي لفظ : «وابن عمتي » الزبير وفي لفظ : «وأنتما حواري » قاله لطلحة والزبير ، وفي لفظ : «الزبير ابن عمتي حواري من أمتي » .

  روى الشيخان عن عبد الله بن الزبير - رضي الله تعالى عنهما - قال : قال لي أبي : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «من يأتي بني قريظة فيأتيني بخبرهم » ، فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبويه فقال : «ارم ، فداك أبي وأمي » .

  الثالث : في كرمه ووصيته ووفاته وعمره .

  كان من الشجعان المعدودين هو وعلي وحمزة ، كان له ألف مملوك يؤدون إليه الضربية ما دخل في بيت ماله درهم واحد يتصدق بها - وفي رواية - «كان يقسمها كل ليلة وما يقوم إلى منزله بشيء منه » .

  روى البخاري عنه قال : لما وقف على يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه ، فقال : يا بني ، ما أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما وإن من أكبر همي لديني ، أفترى ديننا بقي من مالنا شيئا ؟

  ثم قال : يا بني ، بع مالنا واقض ديني ، وأوص بالثلث ، قال عبد الله : «فجعل يوصيني بدينه » ، ويقول : يا بني ، إن عجزت عن شيء منه فاستعن بمولاك ، فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت : يا أبة من مولاك ؟ قال : الله ، فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت : يا مولى الزبير ، اقض عنه دينه فيقضيه ، قال : فقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين منها الغابة ، وإحدى عشرة دارا بالمدينة ، ودارين بالبصرة ، ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر ، قال : وما كان دينه إلا أن الرجل يأتيه بالمال فيستودعه إياه ، فيقول الزبير : لا ، ولكنه سلف ، إني أخشى عليه الضيعة ، وما ولى إمارة قط ولا جباية ، ولا خراج ولا شيئا إلا أن يكون غزوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو مع أبي بكر وعمر وعثمان قال عبد الله : فحسبت ما كان عليه من الدين فكان ألفي ألف ومائتي ألف ، وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف ، فباعها عبد الله بألف ألف وستمائة ألف ، ثم قال : من كان له عندنا شيء فليوافنا بالغابة ، فلما فرغ عبد الله من قضاء دينه ، قال بنو الزبير : اقسم بيننا ميراثنا ، قال : لا ، والله ، لا أقسم بينكم حتى أنادي بالمواسم أربع سنين ، ألا من كان له دين على الزبير فليأتنا فلنقضيه ، فجعل ينادي كل سنة بالموسم فلما قضى أربع سنين قسم بينهم ودفع الثلث ، وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف ، فجمع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف كما رواه البخاري .

[ ص: 314 ] قيل : وجدوا عليه من الدين ألفي ألف ومائتي ألف فوفاه عنه وأخرجوا بعد ذلك ثلث ماله الذي أوصى به ، ثم قسمت التركة ، فأصاب كل واحد من الزوجات ألف ألف ومائتا ألف فعلى هذا يكون جميع ما خلفه من الدين والوصية والميراث تسعة وخمسين ألف ألف وثمانمائة ألف ، وهذا هو الصحيح ، وما في البخاري قال في مجمع الأحباب : وفيه نظر ، وكان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فيتصدق به في مجلسه ، ولا يقوم بدرهم منه وكان له مال جزيل وصدقات كثيرة ، قيل : سبعة من الصحابة أوصوا إليه ، منهم عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، فكان ينفق على عيالهم من ماله ، ويوفر أموالهم ، وترك القتال يوم الجمل ، وانصرف ، فلحقه جماعة من القوم فقتلوه بوادي السباع ناحية البصرة في جمادى الأولى سنة ست وثلاثين ، وكان عمره سبعا (وستين ) سنة ، وقيل أربعا وستين ، وقبره مشهور ، وقال فيه حسان بن ثابت - رضي الله تعالى عنه - :

   

فكم كربة ذب الزبير بسيفه عن المصطفى والله يعطي ويجزل     فما مثله فيهم ولا كان قبله
وليس يكون الدهر ما كان يزبل     ثناؤك خير من فعال معاشر
وفعلك يا ابن الهاشمية أفضل



   

التالي السابق


الخدمات العلمية