سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
[ ص: 315 ] الباب الثالث عشر

    في بعض فضائل سعد بن مالك - رضي الله تعالى عنه -

    وفيه أنواع :

    الأول : في اسمه ونسبه وكنيته .

  هو فارس الإسلام سعد وكنيته أبو إسحاق بن مالك وكنيته أبو وقاص بن وهب ، ويقال : أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن عبد مناف ، يلتقي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبد مناف .

  الثاني : في فضائله .

  أسلم قديما وهو ابن تسع عشرة سنة وكان ثالثا في الإسلام ، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله ، وأول من أراق دما في سبيل الله شهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المشاهد كلها وكان من أمراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مجاب الدعوة ، مسدد الرمية ، بقوله - صلى الله عليه وسلم - : «اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته » ، رمى يوم أحد ألف سهم ، ولاه أمير المؤمنين عمر العراق ، وهو الذي كان أمير الجيوش في القادسية والمدائن وغير ذلك .

  وروي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مائتان وسبعون حديثا ، اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة عشر وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بثمانية عشر ، اعتزل الفتن فلم يقاتل في شيء من الحروب .

  وروى أبو الفرج عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنه - قال : أقبل سعد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا خالي فليرني امرؤ خاله .

  ومرض بمكة ، وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها ، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوده ، ولم يكن له يومئذ إلا ابنة واحدة ، فقال : يا رسول الله ، أوصي بمالي كله ؟ قال : الثلث والثلث كثير ، ولعل الله أن يرفعك فينتفع بك ناس ، ويضر بك آخرون ، ودعا ، فقال : يا رب ، إن لي بنين صغارا ، فأخر عني الموت فأخر عنه الموت عشر سنين ، وكان لا يجد في قلبه لأحد من المسلمين شيئا لا يقوله ، وهو أحد الستة الذين نزل فيهم : ولا تطرد الذين يدعون ربهم [الأنعام 52 ] كما رواه مسلم في رواية : لما أسلم سعد امتنعت أمه عن الطعام والشراب أياما ، فقال لها : لتعلمن أنه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا ، إن شئت كلي وإن شئت فلا تأكلي فلما [ ص: 316 ] رأت ذلك نزل : وإن جاهداك لتشرك بي [العنكبوت 8 ] .

  من كلامه أنه قال لابنه مصعب : يا بني ، إذا طلبت شيئا فاطلبه بالقناعة ، فإنه من لا قناعة له لم يغنه المال .

  الرابع في وفاته - رضي الله تعالى عنه -

  كان أوصى أن يكفن في جبة صوف ، لقي المشركين فيها يوم بدر وهي عليه ، فقال : إنما كنت أخبؤها لهذا فكفن فيها ، وذلك سنة خمس وخمسين ، وهو ابن تسع وسبعين ، وقيل : ابن اثنتين وثمانين ، وهو آخر من مات من المهاجرين - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وتوفي في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة ، وحمل إليها وصلى عليه مروان بن الحكم ، وهو يومئذ والي المدينة ، وصلى عليه أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرهن ودفن بالبقيع .

[ ص: 317 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية