سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس في إرساله- صلى الله عليه وسلم- حاطبا - رضي الله تعالى عنه-

ابن أبي بلتعة بن عمرو بن عمير أبا عبد الله ، وقيل : أبا محمد
شهد بدرا والحديبية ، إلى المقوقس .

قال في زاد المعاد : واسمه جريج بن ميناء ملك الإسكندرية عظيم القبط ، فقال خيرا ، وقارب الأمس ، ولم يسلم ، فلما حضر عنده ، قال حاطب له : إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى ، فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ، فانتقم به ثم انتقم منه ، فاعتبر به ، وإلا يعتبر بك ، فقال المقوقس : هات ، قال : إن لك دينا لن تدعه إلا لمن هو خير منه ، وهو دين الإسلام ، الكافي به الله ، إن هذا النبي دعا الناس ، فكان أشدهم عليه قريش ، وأعداؤهم له يهود ، وأقربهم منه النصارى ، وما بشارة موسى لعيسى إلا كبشارة عيسى لمحمد - صلى الله عليه وسلم- وما دعاؤنا إياك إلى القرآن ، إلا كدعاء أهل التوراة إلى الإنجيل وكل نبي أدرك قوما فيهم أمتي ، فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدرك هذا النبي قال المقوقس : إني نظرت في أمر هذا الرجل ، فوجدته لا يأمر بمرهوب منه ، ولا ينهى عن مرغوب عنه ، ولم أجده بالساحر الضلال ، ولا الكاهن الكذاب ، وقال المقوقس لحاطب : أخبرني عن صاحبك أليس هو نبيا ؟ قال حاطب : بل هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : ما باله لم يدع على قومه حيث أخرجوه من مكة قال حاطب : فقلت له : أفتشهد أن عيسى ابن مريم رسول الله حيث أراد قومه قتله ؟ لم يدع عليهم حتى رفعه الله تعالى إليه ، فقال له : أحسنت ، إنك حكيم جئت من عند حكيم .

وروى البيهقي عن حاطب بن أبي بلتعة قال : بعثني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى المقوقس ملك الإسكندرية ، فأتيته فحييته بكتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنزلني في منزله وأقمت عنده ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته ، وقال : إني سأكلمك بكلام وأحب أن يفهمه مني ، قلت : هلم قال : أخبرني عن صاحبك ، أليس هو نبيا ؟ قلت : بلى ، هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، قال : فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلده إلى غيرها قال : قلت : عيسى ابن مريم أليس تشهد أنه رسول الله ، فما له حيث أخذه قومه ، فأرادوا أن يصلبوه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله- عز وجل- حتى رفعه الله إليه في السماء الدنيا قال : أنت حكيم جئت من حكيم .

وذكر ابن الربيع أن المقوقس لما قرأ كتاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعطى لحاطب مائة دينار ، وخمسة أثواب ، وأكرمه في الضيافة ، وأقام عنده خمسة أيام ، وقال له الرجل : لا يسمع [ ص: 349 ]

منك القبط حرفا واحدا أو واحدا ، وأخذ الكتاب فجعله في حق عاج ، ختم عليه ، ودفعه إلى جاريته ، وكتب إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- كتابا ، وبعث إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بهدية منها مارية القبطية ، وأختها سيرين - بالسين المهملة- وهبها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لحسان بن ثابت ، فولدت له عبد الرحمن
. قال في زاد المعاد : وأختها سيرين وقيسرى ، وأهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرسا ، يقال له : اللزاز ، وبغلته دلدل ، وحمارا ، وغلاما خصيا ممسوحا اسمه مايور قال في زاد المعاد : فقيل : هو ابن عم مارية ، وقدحا من قوارير ، كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشرب فيه ، وشابا من قباطي مصر وطرفا من طروفهم ، قال في زاد المعاد : عشرين ثوبا ، وألف مثقال ذهبا ، وعسلا من عسل بنها فأعجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالعسل ودعا في عسل بنها ، وغير ذلك ، وكتب للنبي- صلى الله عليه وسلم- كتابا فيه «قد علمت أن نبيا قد بقي ، وكنت أظن أنه يخرج من الشام ، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم ، ووصلت الهدايا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سنة سبع وقيل : سنة ثمان ولم يسلم .

قال في زاد المعاد : مات على كفره في ولاية عمرو بن العاص ، : قال النبي النبي- صلى الله عليه وسلم- : «ضن الخبيث بملكه ، ولا بقاء لملكه بل مات على كفره في ولاية عمرو بن العاص » . [ ص: 350 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية