سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الحادي والثلاثون في استكتابه- صلى الله عليه وسلم- معاوية بن أبي سفيان - رضي الله تعالى عنه-

روى الإمام أحمد مرسلا ، ووصله أبو يعلى فقال : عن معاوية والطبراني ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح ، عن سعيد بن عمرو بن العاص أن أبا هريرة اشتكى ، وأن معاوية أخذ الإداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبينا هو يوصي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رفع رأسه إليه مرة ، أو مرتين ، وهو يتوضأ ، فقال : يا معاوية : إن وليت أمرا فاتق الله واعدل .

ولفظ الطبراني في الصغير : اقبل من محسنهم ، وتجاوز عن مسيئهم ، قال : فما زلت أظن أني مبتل بعمل ، لقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى ابتليت .

وروى الطبراني عن عبد الله بن بشر - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- استأذن أبا بكر وعمر في أمر فقال : أشيروا علي فقالوا : الله ورسوله أعلم فقال : أشيروا علي :

فقالوا الله ورسوله أعلم ، فقال : ادعوا لي معاوية فقال أبو بكر وعمر : أما كان في رسول الله ورجلين من قريش ما ينفذون أمرهم حتى بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى غلام من غلمان قريش ، فلما وقف بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : أحضروه أمركم وأشهدوه أمركم ، فإنه قوي أمين
.

رواه البزار باختصار اعتراض أبي بكر وعمر .

قال أبو الحسن الهيثمي في المجمع : رجاله ثقات ، وفي بعضهم خلاف ، وشيخ البزار ثقة وشيخ الطبراني لم يوثقه إلا الذهبي في الميزان ، وليس فيه جرح مفسر ، ومع ذلك فهو حديث منكر .

قلت : ذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات ، وأعله بمروان بن جناح ، وهو من رجال أبي داود وابن ماجه ، قال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال الدارقطني : لا بأس به ،

وروى الطبراني برجال وثقوا ، فيهم خلاف ، وفي سنده انقطاع عن مسلمة بن مخلد - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال لمعاوية : اللهم علمه الكتاب والحساب ومكن له في البلاد .

وروى الطبراني برجال الصحيح ، عن قيس بن الحرث المذحجي وهو ثقة عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه- قال : ما رأيت أحدا بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أشبه صلاة برسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أميركم هذا ، يعني : معاوية ، وروى الطبراني برجال وثقوا وتكلم فيهم .

عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : ما رأيت أحدا من الناس بعد [ ص: 391 ]

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أسود من معاوية
.

وروى الطبراني من طريق محمد بن فطر فليحرر رجاله وعلي بن سعيد فيه لين ، وبقية رجاله ثقات ، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : جاء جبريل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال : يا محمد : استوص بمعاوية ، فإنه أمين على كتاب الله تعالى ، ونعم الأمين هو .

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن سهل ابن الحنظلة الأنصاري - رضي الله تعالى عنه- أن عيينة بن حصن والأقرع بن حابس سألا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئا فأمر معاوية أن يكتب به لهما وختمهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، وأمره أن يدفعه إليهما ، فقال : فأما عيينة فقال ما فيه ، فقال : فيه الذي أمرت به ، فقبله ، وعقده في عمامته ، وكان أحلم الرجلين ، وأما الأقرع فقال : أحمل صحيفة لا أدري ما فيها كصحيفة المتلمس .

فأخبر معاوية رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقولهما
، ورواه أبو داود وعنده أن الذي قال : أحمل صحيفة هو عيينة .

وروى الطبراني بسند لا بأس به عن الضحاك بن النعمان بن سعد أن مسروق بن وائل قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة بالعقيق ، فأسلم وحسن إسلامه ، ثم قال : يا رسول الله إني أحب أن تبعث إلى قومي فتدعوهم إلى الإسلام وأن تكتب لي كتابا إلى قومي عسى الله أن يهديهم ، فقال لمعاوية : اكتب له فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى الأقيال من حضرموت ، بإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة والصدقة على التيعة والسائمة وفي السوق الخمس ، وفي البعل العشر لا خلاط ولا وراط ولا شغار ولا شناق ، ولا جنب ولا خلب به ، ولا يجمع بين بعيرين في عقال من أجبأ فقد أربى ، وكل مسكر حرام ، وبعث إليهم زياد بن لبيد الأنصاري أما الخلاط : فلا يجمع بين الماشية ، وأما الوراط فلا يقومهما بالقيمة .

وأما الشغار فيزوج الرجل ابنته ، وينكح الآخر ابنته بلا مهر ، والشناق أن يعقلها في مباركها .

والإجباء أن يباع الثمرة قبل أن تؤمن عليها العاهة
.

وروى الطبراني بسند حسن عن عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما- أن معاوية - رضي الله تعالى عنه- كان يكتب بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم .

وروى الطبراني من طريق السري بن عاصم كذبه ابن خراش وبهذا يصفه الناس بالوضع عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : لما كان يوم أم حبيبة من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دق الباب داق فقال النبي- صلى الله عليه وسلم : انظروا من هذا ؟ قالوا : معاوية قال : ائذنوا له ، ودخل على إذنه فلم [ ص: 392 ]

يحظ به ،

وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبني قرة بن عبد الله بن أبي نجيح النبهانيين ، أنه أعطاهم المظلة كلها ، أرضها وماءها ، وسهلها وجبلها ، حتى يرعون مواشيهم .

وكتب- عليه الصلاة والسلام- لبلال بن الحارث المزني أن له النخل وجزعه وشطره ذا المزارع والنخل وأن له ما أصلح به الزرع من قدس ، وأن له المضة والجزع والغيلة إن كان صادقا وكتب معاوية .


قال ابن سعد : جزعه فإنه يعني قرية ، وأما شطره فإنه يعني تجاهه ، وهو في كتاب الله عز وجل فول وجهك شطر المسجد الحرام يعني تجاهه ، فالقدس : الخرج وما أشبهه من آلة السفر ، وأما المضة فاسم الأرض .

وكتب- عليه الصلاة والسلام- لعتبة بن فرقد : «هذا ما أعطى النبي- صلى الله عليه وسلم- عتبة بن فرقد ، أعطاه موضع دار بمكة يبنيها مما يلي المروة ، فلا يحاقه فيها أحد ومن حاقه فإنه لا حق له وحقه حق»

وكتب معاوية
قال الليث بن سعد : توفي معاوية لأربع ليال خلون سنة ستين وسنة بضع وسبعون إلى الثمانين ، رواه الطبراني .

التالي السابق


الخدمات العلمية