سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
جماع أبواب ذكر دوابه ونعمه وغير ذلك مما يذكر

باب يذكر فيه خيله وبغاله وحمره- صلى الله عليه وسلم-

كان له صلى الله عليه وسلم سبعة أفراس . وكان له بغال ست وكان له من الحمر اثنان . وكان له من الإبل المعدة للركوب ثلاثة .

فأما أفراسه صلى الله عليه وسلم ، ففرسه يقال له السكب : شبه بسكب الماء وانصبابه ، لشدة جريه ، وهو أول فرس ملكه صلى الله عليه وسلم ، اشتراه من أعرابي بعشرة أواق ، وكان اسمه عند الأعرابي الضرس :

أي بفتح الضاد وكسر الراء وبالسين المهملة : الصعب السيء الخلق ، وكان أغر : أي له غرة ، وهي بياض في وجهه ، محجلا طلق اليمين ، كميتا : أي بين السواد والحمرة . وقال ابن الأثير :

كان أسود أدهم ، وفرس يقال له المرتجز : أي سمي به لحسن صهيله ، مأخوذ من الرجز الذي هو ضرب من الشعر ، وكان أبيض ، وهو الذي شهد له فيه خزيمة بأنه صلى الله عليه وسلم اشتراه من صاحبه بعد أنكر بيعه له ،

وقال له : ائت بمن يشهد لك ، فجعل شهادة خزيمة بشهادتين ، بعد أن قال له صلى الله عليه وسلم : كيف شهدت ولم تحضر ؟ فقال : لتصديقي إياك يا رسول الله ، وإن قولك كالمعاينة فقال له صلى الله عليه وسلم : أنت ذو الشهادتين ، فسمي ذا الشهادتين ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : «من شهد له ، خزيمة أو شهد عليه فهو حسيبه» لكن جاء أنه صلى الله عليه وسلم رد الفرس على الأعرابي وقال : «لا بارك الله لك فيها» فأصبحت من الغد شائلة برجلها .

وفرس يقال له اللحيف بالحاء المهملة واللام المضمومة فعيل بمعنى فاعل ، لأنه كان يلحف الأرض بذنبه لطوله : أي يغطيها . وقيل لأنه كان يلتحف معرفته . وقيل : هو بضم اللام مصغرا ، وقيل : بالخاء المعجمة مع فتح اللام وهو الأكثر . وهذا الفرس أهداه له صلى الله عليه وسلم فروة بن عمرو من أرض البلقاء بالشام . وفرس يقال له اللزاز ، أي أهداه له المقوقس كما تقدم ، مأخوذ من قولهم : لاززته : أي لاصقته ، فكان يلحق بالمطلوب لسرعته ، وقيل غير ذلك . وفرس يقال له الطرف أي بكسر الطاء المهملة وسكون الراء وبالفاء : الكريم الجيد من الخيل . وفرس يقال له الورد ، وهو بين الكميت والأشقر ، أهداه له صلى الله عليه وسلم تميم الداري رضي الله تعالى عنه ، وأهداه صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله تعالى عنه . وفرس يقال له سبحة : أي بفتح السين وإسكان الموحدة وفتح الحاء المهملة : أي سريع الجري ، هذا هو المشهور . وعد بعضهم في خيله صلى الله عليه وسلم غير ذلك ، فأوصل جملتها إلى خمسة عشر بل إلى العشرين . وقد ذكر الحافظ الدمياطي أسماء الخمسة عشر في سيرته وقال فيها : وقد ذكرناها وشرحناها في كتابنا : كتاب الخيل . [ ص: 419 ]

وكان سرجه صلى الله عليه وسلم دفتين من ليف . قال : لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل .

وجاء أنه صلى الله عليه وسلم مسح وجه فرسه ومنخريه وعينيه بكم قميصه فقيل له : يا رسول الله تمسح بكم قميصك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إن جبريل عليه السلام عاتبني في الخيل» . وفي رواية : «في الفرس» أي في امتهانها . وفي رواية : «في سياستها» وقال : «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ، وأهلها معانون عليها فخذوا بنواصيها ، وادعوا بالبركة»

اهـ .

أي وقد ذكر «أنه صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قام إلى فرسه الطرف فعلق عليه شعيره ، وجعل صلى الله عليه وسلم يمسح ظهره بردائه ، فقيل له : يا رسول الله تمسح ظهره بردائك ؟ فقال : «نعم ، وما يدريك لعل جبريل عليه الصلاة والسلام أمرني بذلك» ؟ .

وعن بعضهم قال : دخلت على تميم الداري رضي الله تعالى عنه وهو أمير بيت المقدس ، فوجدته ينقي لفرسه شعيرا ، فقلت : أيها الأمير ما كان لهذا غيرك ؟ فقال :

إني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول : «من نقى لفرسه شعيرا ثم جاء به حتى يعلقه عليه كتب الله له بكل شعيرة حسنة»
وكان صلى الله عليه وسلم يضمر الخيل للسباق ، فيأمر بإضمارها بالحشيش اليابس شيئا بعد شيء ، ويأمر بسقيها غدوة وعشيا ، ويأمر أن يقودها كل يوم مرتين ، ويؤخذ منها من الجري الشوط والشوطان .

وأما بغاله صلى الله عليه وسلم ، فبغلة شهباء يقال لها دلدل ، أهداها له المقوقس كما تقدم . والدلدل في الأصل : القنفذ ، وقيل : ذكر القنافذ ، وقيل : عظيمها ، وهذه أول بغلة ركبت في الإسلام . وفي لفظ : رئيت في الإسلام ، وكان صلى الله عليه وسلم يركبها في المدينة وفي الأسفار . وعاشت حتى ذهبت أسنانها ، فكان يدق لها الشعير ، وعميت . وقاتل عليها علي كرم الله وجهه الخوارج بعد أن ركبها عثمان رضي الله تعالى عنه ، وركبها بعد علي ابنه الحسن ثم الحسين رضي الله تعالى عنهما ، ثم محمد ابن الحنفية رحمه الله .

وسئل ابن الصلاح رحمه الله : هل كانت أنثى أو ذكرا والتاء للوحدة ، فأجاب بالأول .

قال بعضهم : وإجماع أهل الحديث على أنها كانت ذكرا ، ورماها رجل بسهم فقتلها . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني إلى زوجته أم سلمة ، فأتيته بصوف وليف ، ثم فتلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم لدلدل رسنا وعذارا ، ثم دخل البيت فأخرج عباءة فثناها ثم ربعها على ظهرها ، ثم سمى وركب ، ثم أردفني خلفه» . وبغلة يقال لها فضة ، أهداها له عمرو بن عمرو الجذامي كما تقدم . ووهبها صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله تعالى عنه ، أي وأوصلها بعضهم إلى سبعة . [ ص: 420 ]

وفي [مزيل الخفاء] وفي [سيرة مغلطاي] : كان له صلى الله عليه وسلم من البغال دلدل وفضة ، والتي أهداها له ابن العلماء : أي بفتح العين المهملة وإسكان اللام وبالمد في غزوة تبوك ، والأيلية :

وبغلة أهداها له كسرى ، وأخرى من دومة الجندل ، وأخرى من عند النجاشي هذا كلامه .

وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه كان صاحب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقود به في الأسفار ، وتوفي بمصر ودفن بقرافتها ، وقبره معروف بها ، وكان واليها من قبل معاوية بعد عتبة ابن أبي سفيان ، ثم صرف عنها بمسلمة بن مخلد .

وعن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال : قدت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على راحلته مدة من الليل ، فقال : أنخ ، فأنخت فنزل عن راحلته ، ثم قال : اركب فقلت : سبحان الله أعلى مركبك يا رسول الله وعلى راحلتك ؟ فأمرني ، فقال : اركب ، فقلت له مثل ذلك ، ورددت ذلك مرارا حتى خفت أن أعصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فركبت راحلته . ذكره في الإمتاع .

وأما حمره صلى الله عليه وسلم ، فحمار يقال له يعفور . وحمار يقال له عفير بالعين المهملة ، وقيل :

بالمعجمة وغلط قائله وكان أشهب ، ومات في حجة الوداع . والأول أهداه له فروة بن عمرو الجذامي ، وقيل : المقوقس . والثاني أهداه له المقوقس ، وقيل : فروة بن عمرو كذا في سيرة الحافظ الدمياطي رحمه الله ، والعفرة هي الغبرة ، أي وأوصل بعضهم حمره صلى الله عليه وسلم إلى أربعة .

وتقدم أن يعفورا وجده صلى الله عليه وسلم في خيبر ، وأنه يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم طرح نفسه في بئر جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات ، وتقدمت قصته وما فيها .

وأما إبله صلى الله عليه وسلم التي كان يركبها . فناقة يقال لها القصواء . وناقة يقال لها الجدعاء ، وناقة يقال لها العضباء ، وهي التي كانت لا تسبق فسبقت ، فشق ذلك على المسلمين ،

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه»
.

وفي رواية : «إن الناس لم يرفعوا شيئا من الدنيا إلا وضعه الله عز وجل»

ويقال إن هذه العضباء لم تأكل بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تشرب حتى ماتت ، وقيل إن التي كانت لا تسبق ثم سبقت هي القصواء ، وكانت العضباء يسبق بها صاحبها الذي كانت عنده الحاج ، ومن ثم قيل لها : سابقة الحاج . وقيل إن هذه الثلاث اسم لناقة واحدة وهو المفهوم من الأصل ، وهو موافق في ذلكلابن الجوزي رحمه الله حيث قال إن القصواء هي العضباء وهي الجدعاء .

وقيل : القصواء واحدة والعضباء والجدعاء واحدة . وفي كلام بعضهم : وأما البقر فلم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم ملك شيئا منها : أي للقنية فلا ينافي أنه صلى الله عليه وسلم ضحى عن نسائه بالبقر .

وأما غنمه صلى الله عليه وسلم ، فقيل مائة ، وقيل سبعة أعنز كانت ترعاها أم أيمن رضي الله تعالى عنها ،

وجاء «اتخذوا الغنم فإنها بركة»

وكان له صلى الله عليه وسلم شياه يختص بشرب لبنها ،

وماتت له صلى الله عليه وسلم شاة . [ ص: 421 ]

فقال : ما فعلتم بإهابها ؟ قالوا : إنها ميتة ، قال : دباغها طهورها
. واقتنى صلى الله عليه وسلم الديك الأبيض ، وكان يبيت معه في البيت وقال : «الديك الأبيض صديقي وصديق صديقي وعدو عدوي ، والله يحرس دار صاحبه وعشرا عن يمينها ، وعشرا عن يسارها ، وعشرا من بين يديها ، وعشرا من خلفها»

وقد جاء «اتخذوا الديك الأبيض فإن دارا فيها ديك أبيض لا يقربها شيطان ولا ساحر ولا الدويرات حولها ، واتخذوا هذا الحمام المقاصيص في بيوتكم فإنها تلهي الجن عن صبيانكم» .

وفي العرائس : «إن آدم قال : يا رب شغلت بطلب الرزق لا أعرف ساعات التسبيح من أيام الدنيا فأهبط الله ديكا وأسمعه أصوات الملائكة بالتسبيح ، فهو أول داجن اتخذه آدم عليه السلام من الخلق ، فكان الديك إذا سمع التسبيح ممن في السماء سبح في الأرض ، فيسبح آدم بتسبيحه» .

وأما دوابه صلى الله عليه وسلم من البغال والحمير والإبل

عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه قال : كانت دلدل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أول بغلة ركبت في الإسلام أهداها المقوقس ، وأهدى معها حمارا يقال له عفير . وكانت قد بقيت حتى كان زمان معاوية .

عن محمد بن إسحاق ، عن رجل قال : رأيت بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزل عبد الله بن جعفر يجش أو يدق لها الشعير ، وقد ذهبت أسنانها .

وعن زامل بن عمرو قال : أهدى فروة بن عمرو الجذامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة يقال لها فضة ، فوهبها لأبي بكر الصديق ، وحماره يعفور نفق منصرفه من حجة الوداع . قال : وقال معمر عن الزهري قال : دلدل أهداها فروة بن عمرو الجذامي ، وحضر رسول الله- صلى الله عليه وسلم عليها القتال يوم حنين .

قال محمد بن عمر : وأخبرنا أصحابنا جميعا قالوا : كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء من نعم بن قشير .

قال محمد بن عمر : وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال :

كانت من نعم بني قشير ابتاعها أبو بكر الصديق ، وأخرى معها بثمانمائة درهم ، فأخذها رسول الله- صلى الله عليه وسلم ، وهي التي هاجر عليها ، وكانت حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم رباعية ، فلم تزل عنده حتى نفقت ، وكان اسمها القصواء والجدعاء ، والعضباء كل هذا كان يقال لها ، القصواء قطع في أذنها يسير ، والعضباء مثلها ، والجدعاء النصف من الأذن . [ ص: 422 ]

وقال قتادة : سألت سعيد بن المسيب عن العضب في الأذن ؟ قال : النصف فما فوقه
.

وعن أنس بن مالك قال : كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء لا تسبق ، فجاء أعرابي على ناقة فسابقها فسبقها فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

إن من قدرة الله عز وجل أن لا يرفع شيء إلا وضعه
. [ ص: 423 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية