سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب التاسع في سيرة السلف- رحمهم الله تعالى- في تعظيم رواة حديثه- صلى الله عليه وسلم-

وروى الدارمي عن عمرو بن ميمون قال : كنت أختلف إلى ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- فما سمعته يقول : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا أنه حدث يوما فجرى على لسانه

قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : ثم علاه كرب فرأيت العرق ينحدر عن جبهته ثم قال هكذا إن شاء الله ، أو فوق ، أو قريب من ذا ، أو ما دون ذا .

وفي رواية : فتزبد وجهه- بباء موحدة مشددة وبالزاي- أي تغير إلى الغبرة- بغين معجمة مضمومة ثم باء موحدة ساكنة فراء- : سواد مشرب ببياض .

وفي رواية : وقد تغرغرت عيناه أو انتفخت أوداجه وقال إبراهيم بن عبد الله بن قريم وهو المقدام في المعرفة ، المجرب في الأمور الأنصاري ، قاضي المدينة : مر مالك بن أنس على أبي حازم - رضي الله تعالى عنهما- : وهو يحدث فحاذاه وقال : إني لم أجد موضعا أجلس فيه ، فكرهت أن آخذ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا قائم .

وقال مالك : جاء رجل إلى ابن المسيب - رضي الله تعالى عنه- فسأله عن حديث وهو مضطجع فجلس فحدثه ، فقال الرجل : وددت أنك لم تتعن فقال : إني كرهت أن أحدثك عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأنا مضطجع .

وروى ابن سيرين أنه قد يكون يضحك ، فإذا ذكر عنده حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خشع .

وقال أبو مصعب : كان مالك بن أنس لا يحدث إلا وهو على وضوء إجلالا لحديثه- صلى الله عليه وسلم- .

وحكى ذلك مالك عن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهم- .

وقال مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت الزبيري : كان مالك إذا حدث توضأ ولبس ثيابه ، ثم يحدث من أراد منه أن يحدثه .

قال مصعب : فسئل عن ذلك ، فقال : لأنه حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلا أحدثه إلا على وضوء . [ ص: 442 ]

قال مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار : كان الناس إذا أتى الناس مالكا خرجت إليهم الجارية فتقول لهم : يقول لكم سيدي تريدون الحديث أو المسائل ؟ فإن قالوا المسائل ، خرج إليهم ، وإن قالوا الحديث ، دخل مغتسله فاغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا ولبس ساجة- بسين مهملة فألف فجيم فهاء- طيلسان أخضر .

وقال الأزهري : وهو القور الذي ينسج مستديرا ، وتعمم ووضع على رأسه رداءه وتلقى له منصة- بكسر الميم- أي شيئا مرتفعا يجلس عليه فيجلس عليها وعليه الخشوع ، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ من حديثه .

قال غيره : ولم يكن يجلس عليها إلا إذا حدث عنه- صلى الله عليه وسلم- .

قال ابن أبي أويس إسماعيل ابن أخت مالك : فقيل لمالك في ذلك ، فقال : أحب أن أعظم حديثه- صلى الله عليه وسلم- ولا أحدث به إلا على طهارة متمكنا ، وكان يكره أن يحدث في الطريق أو وهو قائم أو مستعجل .

وقال : أحب أن أفهم من أحدثه حديثه- صلى الله عليه وسلم- .

قال ضرار بن مرة- أبو سنان الشيباني الكوفي - : كانوا- أي : من لقيتهم من التابعين كعبد الله بن شداد وأبو الأحوص بن سعيد بن جبير - يكرهون أن يحدثوا عنه- صلى الله عليه وسلم- على غير وضوء .

وكان سليمان بن مهران الأعمش إذا حدث- أي : أراد أن يحدث على غير وضوء تيمم .

وكان قتادة بن دعامة لا يحدث إلا على طهارة ، ولا يقرأ إلا على وضوء .

قال عبد الله بن المبارك : كنت عند مالك وهو يحدثنا ، فلدغته عقرب ست عشرة مرة ، ولونه يتغير ويصفر ، ولا يقطع حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلما فرغ من المجلس وتفرق عنه الناس قلت له : رأيت منك اليوم عجبا ، قال : نعم ، لدغتني عقرب ست عشرة مرة ، [وأنا صابر في جميع ذلك] ، وإنما صبرت إجلالا لحديثه- صلى الله عليه وسلم- .

قال ابن مهدي : مشيت يوما مع مالك إلى « العقيق » فسألته عن حديث فانتهرني ، وقال لي : كنت في عيني أجل من أن تسألني عن حديث من حديثه- صلى الله عليه وسلم- ونحن نمشي ، وسأله جرير بن عبد الحميد عن حديث وهو قائم ، فأمر بحبسه ، فقيل له : إنه قاض فقال : القاضي أحق بالأدب . [ ص: 443 ]

وذكر أن هشام بن هشام بن الغازي قيل صوابه هشام بن عمار خطيب جامع دمشق .

وأما ابن الغازي فتابعي لم يرو عن مالك ، لموته قبل مالك سنة ست وخمسين ومائة سأل مالكا عن حديث من حديثه- صلى الله عليه وسلم- وهو واقف فضربه عشرين سوطا ثم أشفق عليه ، فحدثه عشرين حديثا ، فقال هشام : وددت لو زادني سياطا ويزيدني حديثا . وقال عبد الله بن صالح الجهني : كان مالك والليث لا يكتبان الحديث إلا وهما طاهران . وكان قتادة ، يستحب أن لا يقرأ حديثا إلا على وضوء ، ولا يحدث إلا على طهارة .

وكان الأعمش إذا أراد أن يحدث وهو على غير وضوء تيمم . [ ص: 444 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية