سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب العاشر من بره وتوقيره- صلى الله عليه وسلم- بر آله وذريته وزوجاته ومواليه

قال تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [الأحزاب 33] وقال تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [الشورى 23] وقال تعالى : وأزواجه أمهاتهم [الأحزاب 6] .

روى مسلم عن زيد بن أرقم - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : أذكركم الله في أهل بيتي فقلنا لزيد : ومن أهل بيته ؟ قال : آل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل عباس .

وروى الترمذي وحسنه عن زيد بن أرقم وجابر - رضي الله تعالى عنهما- أنه- عليه الصلاة والسلام- قال : «إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وأهل بيتي» .

لن تضلوا : أي : إن ائتمرتم بأوامر كتاب الله وانتهيتم بنواهيه واهتديتم بهدي أهل البيت واقتديتم بسيرهم «فانظروا كيف تخلفوني فيهما» .

وروى الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ، ربيب النبي- صلى الله عليه وسلم- وابن أخيه من الرضاعة أرضعتهما ثويبة أمة أبي لهب لما نزلت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [الأحزاب 33] وذلك في بيت أم سلمة ، دعا فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكسائه ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» .

وروى مسلم عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه- قال : دعا النبي- صلى الله عليه وسلم- عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ، قال : «اللهم هؤلاء أهلي» .

وروى الشيخان عن المسور بن مخرمة أنه- عليه الصلاة والسلام- قال : « فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها أغضبني» . [ ص: 445 ]

وقال صلى الله عليه وسلم : «من كنت مولاه» أي : وليه وناصره « فعلي مولاه» .

قال الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى- : «يعني به ولاء الإسلام» .

وروى الإمام أحمد عن أبي أيوب الأنصاري أنه- عليه الصلاة والسلام- قال في علي - رضي الله تعالى عنه- : «اللهم وال من والاه» .

وروى مسلم عنه أنه- عليه الصلاة والسلام- قال له : «لا يحبك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق» .

وروى ابن ماجه والترمذي وصححه أنه- عليه الصلاة والسلام- قال للعباس - رضي الله تعالى عنه- : «والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله» ، «ومن آذى عمي» يعني العباس «فقد آذاني ، وإنما عم الرجل صنو أبيه» .

وروى البيهقي عن أبي أسيد الساعدي - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للعباس : «اغد علي يا عم مع ولدك من ذكور وإناث فجمعهم وجللهم بملاءته وقال : «اللهم هذا عمي صنو أبي وهؤلاء أهل بيتي ، فاسترهم من النار كستري إياهم بملاءتي هذه ، فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت : آمين ، آمين ، آمين .

وقال أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه- «ارقبوا محمدا » أي : احفظوه «في أهل بيته» .

وروى البخاري عنه أنه قال : «والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحب إلي من أن أصل من قرابتي» .

وروى الترمذي وحسنه وابن ماجه عن يعلى بن مرة - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا » ، وفي رواية :

«حسنا»

وقال- صلى الله عليه وسلم- : «من أحبني ، وأحب هذين- وأشار إلى حسن وحسين - وأحب أباهما وأمهما ، كان معي في درجتي يوم القيامة» .

وروى البخاري عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها- قالت : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لا تؤذوني في عائشة » . [ ص: 446 ]

وروى البخاري عن عقبة بن الحارث قال : «رأيت أبا بكر ، وحمل الحسن على عنقه وهو يقول :

بأبي شبيه بالنبي ليس شبيها بعلي ، وعلي يضحك»
.

وروي عن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه- قال : «أتيت عمر بن عبد العزيز بن مروان في حاجة فقال : إذا كان لك حاجة فأرسل إلي ، [أو اكتب] فإني أستحيي من الله تعالى أن أراك على بابي» .

وروى الحاكم وصححه البيهقي في المدخل والطبراني عن الشعبي قال : إن زيد بن ثابت بن غنم بن مالك بن النجار الأنصاري كبر على جنازة أمه أربعا ثم قربت له بغلته ليركبها ، فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد : خل عنه يا ابن عم رسول الله ، فقال : هكذا نفعل بالعلماء [الكبراء] ، فقبل زيد يد ابن عباس ، وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله .

ورأى ابن عمر محمد بن أسامة بن زيد بن حارثة فقال : ليت هذا عبدي . رواه البيهقي - بفتح العين المهملة وسكون الموحدة- .

ورواه الحافظ - بكسر العين وسكون النون- فقيل له : هو محمد بن أسامة فطأطأ ابن عمر رأسه ، ونفر بيده الأرض حياء من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال : لو رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لأحبه كحب أبيه أسامة .

وحكى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» عن الأوزاعي : أنه قال : دخلت بنت أسامة بن زيد صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على عمر بن عبد العزيز حين ولايته على المدينة للوليد بن عبد الملك بن مروان أو في خلافته ، ومعها مولى لها يمسك بيدها ، فقام إليها عمر ومشى إليها حتى جعل يديها بين يديه ، ويداه في ثيابه ، ومشى بها حتى أجلسها على مجلسه [وجلس بين يديها] وما ترك لها حاجة إلا قضاها .

وروى الترمذي وحسنه لما فرض عمر - رضي الله تعالى عنه- لابنه عبد الله في ثلاثة آلاف ولأسامة في ثلاثة آلاف وخمس مائة ، فقال عبد الله لأبيه : لم فضلت أسامة علي فو الله ما سبقني إلى مشهد ، فقال له : لأن زيدا كان أحب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من أبيك وأسامة أحب إليه منك ، فآثرت حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على حبي .

وروى ابن مالك بن أنس لما ضربه جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس يقول بعضهم : إنه لا يرى الأيمان ببيعتكم شيئا ، لأن يمين المكره لا تلزم ، فغضب جعفر ودعاه وجرده وضربه ونال منه ما نال ، وحمل إلى بيته مغشيا عليه ، دخل عليه الناس فأفاق فقال : [ ص: 447 ] أشهدكم على أني جعلت ضاربي في حل .

فسئل بعد ذلك فقال : خفت أن أموت فألقى النبي- صلى الله عليه وسلم- فأستحي منه أن يدخل بعض آله النار بسببي والله ما ارتفع منها سوط عن جسمي إلا جعلته في حل لقرابته لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال أبو بكر بن عياش- بمثناة تحتية وشين معجمة- ، ابن سالم (المقري ) أحد الأعلام- الأسدي : لو أتاني أبو بكر وعمر وعلي لبدأت بحاجة علي قبلهما ، لقرابته من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولأن أخر من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أقدمه عليهما ، ولولا قرباه من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما قدمته عليهما ، لأفضليتهما عليه .

وروى أبو داود والترمذي وحسنه أنه قيل لابن عباس : ماتت فلانة لبعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم- فسجد فقيل له : أتسجد في هذه الساعة ؟ فقال : أليس قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا رأيتم آية فاسجدوا ، وأي آية أعظم من ذهاب أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لفوات بركتهن ،

لأنهن كما قال الله تعالى :
يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن [الأحزاب 32] وقد اتقين الله تعالى
.

وروى مسلم أن أبا بكر وعمر كانا يزوران أم أيمن مولاته- صلى الله عليه وسلم- تبركا بها وتأسيا به- صلى الله عليه وسلم- ويقولان : إنه- عليه الصلاة والسلام- كان يزورها .

وروى ابن سعد عن عمر بن سعد بن أبي وقاص مرسلا لما وردت حليمة السعدية - وفي سيرة «الدمياطي» : ابنتها الشيماء - على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبسط لها رداءه ، وقضى حاجتها ، فلما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفدت على أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما- فصنعا بها مثل ذلك . [ ص: 448 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية