سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس في عصمته صلى الله عليه وسلم من الشيطان

أجمعت الأمة على عصمته- عليه الصلاة والسلام- من الشيطان .

روى البخاري عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «ما منكم من أحد إلا وكل الله به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا :

وإياك يا رسول الله قال : وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم»
.

وفي رواية : «فلا يأمرني إلا بخير» .

وروى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أنه- عليه الصلاة والسلام- قال : إن الشيطان عرض لي .

زاد عبد الرزاق «في صورة هر فشد علي ، يقطع الصلاة علي ، فأمكنني الله منه فذعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية»
.

وفي رواية : «بسارية من سواري المسجد حتى تصبحوا تنظرون إليه فذكرت قول أخي سليمان : وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي فرده الله خاسئا» .

وروى مسلم عن أبي الدرداء - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن عدو الله إبليس جاءني بشهاب من نار ليجعله في وجهي والنبي- صلى الله عليه وسلم- في الصلاة ، وذكر تعوذه بالله منه ولعنه له ثم أردت أن آخذه» وذكر نحوه وقال : «لأصبح موثقا يتلاعب به ولدان أهل المدينة »

انتهى .

وروى الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت حين لد من مرضه- صلى الله عليه وسلم- وقيل له : خشينا أن يكون بك ذات الجنب فقال : إنها من الشيطان ولم يكن الله ليسلطه علي . [ ص: 460 ]

تنبيهات

الأول : لا يرد على عصمته قوله تعالى : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله [الأعراف 200] قال القاضي : قيل : إنها راجعة لقوله : خذ العفو [الأعراف 199] أي : ما سهل من أخلاق الناس وأفعالهم ، وما يسهل فيكم فلاطفه ولا تطلب الجهد ، وما يشق عليهم حذرا من أن ينفروا عنك .

وأمر بالعرف أي المعروف والجميل من الأفعال .

وأعرض عن الجاهلين ولا تجادل السفهاء بمثل سفههم ، ولا تمارهم ، واحلم عنهم ، فهذه الآية أجمع لمكارم الأخلاق ، وقد سئل جبريل - عليه الصلاة والسلام- عنها فقال :

«لا أدري حتى أسأل ربي ، ثم رجع فقال : يا محمد إن الله أمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك
، ثم قال : وإما ينزغنك [الأعراف 200] أي : يحملك على خلاف ما أمرت به .

وقيل : النزغ الفساد وقيل : أدنى الوسوسة ، فأمره الله تعالى ، متى تحرك عليه غضب على عدوه أو رام الشيطان من إغرائه به أن يستعيذ بالله منه ، فيكفيه أمره ويكون سبب تمام [عصمته] ، إذ لم يسلط عليه بأكثر من التعرض له ، ولم يجعل له قدرة عليه ، فيرجع خائبا خاسرا زائدا في نكاله انتهى .

الثاني : لا يرد أيضا على عصمته

من قوله- عليه الصلاة والسلام- حين نام عن الصلاة في الوادي «إن هذا واد به شيطان» ، كما رواه مالك والبيهقي عن زيد بن أسلم

أن الشيطان أتى بلالا فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام» .

[وتسلط الشيطان في ذلك الوادي الذي عرس به] إنما كان على بلال الموكل بصلاة الفجر فلا اعتراض من هذا الباب [لبيانه وارتفاع إشكاله] ولم يقدر عدو الله على أذاه- صلى الله عليه وسلم- بسبب التسلط إلى غيره- صلى الله عليه وسلم- وقد كفاه الله تعالى أمره وعصمه .

الثالث : في بيان غريب ما سبق .

قوله : فأسلم .

روي فأسلم- بفتح الميم- أي آمن .

وروي : فأسلم [بضم الميم ، أي فأسلم أنا منه] . [ ص: 461 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية