سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث والعشرون في سيرته- صلى الله عليه وسلم- في الكي

وفيه أنواع :

الأول : فيما قيل إنه- صلى الله عليه وسلم- اكتوى قال الحافظ- رحمه الله تعالى- : لم أر في أثر صحيح أنه اكتوى ، إلا أن القرطبي نسب إلى «أدب النفوس» للطبري أنه- صلى الله عليه وسلم- اكتوى ، ذكره الحليمي بلفظ «روي أنه اكتوى للجرح الذي أصابه بأحد» قال الحافظ : والثابت في الصحيح في غزوة أحد «أن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- أحرقت حصيرا فحشت به جرحه» وليس هذا الكي المعهود .

الثاني : في نهيه- صلى الله عليه وسلم- عنه لغير حاجة .

روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه- نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الكي ، فاكتوينا فما أفلحنا ولا أنجحنا» .

وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه- قال : نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن الكي ، وكان يكره شرب الحميم .

وروى الطبراني في الكبير برجال الصحيح وابن قانع عن سعد الطفري- رضي الله تعالى عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- «نهى عن الكي» وفي لفظ قال : «أنهى عن الكي» وقال : «أكره شرب الحميم» .

وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين - رضي الله تعالى عنه- أن رجلا جاء إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومعه أخوه وقد سقي فقال : يا رسول الله إن أخي قد سقي بطنه فأتينا الأطباء فأمروني بالكي أفأكويه ؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «لا تكوه ورده إلى أهله فمر به بعير ، فضرب بطنه فأحمص بطنه فأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «أما إنك لو أتيت به الأطباء ، قلت : النار شفته» .

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح ومسدد وأبو نعيم في الطب عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «مكان الكي التكميد ومكان العلاق السعوط ومكان النفخ اللدود» . [ ص: 159 ]

وروى أبو نعيم في الحلية عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكره الكي والطعام الحار ويقول : «عليكم بالبارد فإنه ذو بركة ، ألا وإن الحار لا بركة فيه» .

وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه والحاكم عن المغيرة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل» .

وروى الطيالسي وابن حبان ومسدد والحاكم والطبراني في الكبير برجال ثقات عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه- «إن ناسا من الأنصار أتوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالوا : إن صاحبا لنا مرض مرضا شديدا ، وإنه نعت له الكي أفنكويه ؟ فسكت ، فعاودناه فسكت ، ثم عاودناه الثالثة ، فقال : «ارصفوه أحرقوه ، وكره ذلك» ،وفي لفظ أبي يعلى : «إن شئتم فاكووه وإن شئتم فارصفوه» .

وروى مسدد وابن أبي شيبة بسند ضعيف عن جابر - رضي الله تعالى عنه- : قال : اشتكى رجل منا شكوى شديدة فقال الأطباء : لا يبرأ إلا بالكي ، فأراد أهله أن يكووه فقال بعضهم : لا حتى نستأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فاستأمروه فقال : «لا» ، فبرأ الرجل فلما رآه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «هذا صاحب بني فلان» ؟ قالوا : نعم قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «إن هذا لو اكتوى لقال الناس : إنما برئ بالكي» .

وروى الحارث مرسلا عن العلاء بن زياد- رحمه الله تعالى- أن امرأة أتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بابن لها قد سقي بطنه فقالت : يا رسول الله إن ابني لمصاب فما ترى أفأكويه فقال : «لا تكويه» فأجمعت أن لا تكويه ، فضربه بعير فخبطه أو لبطه وفقأ بطنه ، فبرأ ، فرجعت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله استأذنتك في ابني أن تكويه فنهيتني ، فمر به بعير فخبطه أو لبطه ففقأ بطنه وبزأ ، فقال : أما إني لو أذنت لك لزعمت أن النار هي التي شفته .

الثالث : في كيه- صلى الله عليه وسلم- أصحابه بيده .

روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والبيهقي عن جابر - رضي الله تعالى عنه- قال :

[رمي سعد بن معاذ- رضي الله تعالى عنه- ] في أكحله فحسمه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده بمشقص ثم [ورمت فحسمه الثانية] . [ ص: 160 ]

وروى الطبراني برجال الصحيح عن محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال : حدثني عمي أن أبا أمامة أصابه وجع يسميه أهل المدينة الذبح ، فكواه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بيده .

وروى أبو يعلى برجال الصحيح عن أبي بن كعب - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كواه .

الرابع : في وصفه- صلى الله عليه وسلم- الكي لبعض أصحابه .

روى الإمام أحمد والشيخان وأبو داود وابن ماجه عن جابر - رضي الله تعالى عنه- قال : رمي أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- يوم الأحزاب في أكحله فبعث إليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طبيبا فقطع منه عرقا ثم كواه عليه .

وروى الطبراني في الكبير عن كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاد البراء بن معرور وقد أخذته ذبحة فأمر من يبطه بالنار حتى يوجهه .

التالي السابق


الخدمات العلمية