سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : قال البيهقي والذهبي : وإنما أراد عمر التخفيف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين رآه شديد الوجع لعلمه أن الله تبارك وتعالى قد أكمل ديننا ، ولو كان ذلك الكتاب وحيا لكتبه النبي- صلى الله عليه وسلم- ولما أخل به لاختلافهم ولغطهم لقول الله تعالى : بلغ ما أنزل إليك من ربك [المائدة : 67] كما لم يترك تبليغ غيره لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه ، وإنما أراد ما حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله ، أن يكتب استخلاف أبي بكر ، ثم ترك كتابته اعتمادا على ما علم من تقدير الله تعالى ، كما هم به في ابتداء مرضه حين قال : «وارأساه» . ثم بدا له أن لا يكتب ثم قال : «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر»

ثم نبه أمته على خلافته باستخلافه إياه في الصلاة حين عجز عن حضورها ، وبسط البيهقي الكلام في ذلك . [ ص: 249 ]

وقال المازري : إنما جاز للصحابة الاختلاف في هذا الكتاب مع صريح أمره بذلك ، لأن الأوامر قد يقارنها ما ينقلها من الوجوب ، فكأنه ظهرت منه قرينة دلت على أن الأمر ليس على التحتم بل على الاختيار ، فاختلف اجتهادهم وصمم عمر على الامتناع لما قام عنده من القرائن بأنه- صلى الله عليه وسلم- قال ذلك عن غير قصد جازم [وعزمه- صلى الله عليه وسلم- كان إما بالوحي وإما بالاجتهاد ، وكذلك تركه إن كان بالوحي فبالوحي وإلا فبالاجتهاد أيضا] .

وقال النووي : اتفق العلماء على أن قول عمر «حسبنا كتاب الله» من قوة فقهه ودقيق نظره ، لأنه خشي أن يكتب أمورا ربما عجزوا عنها فيستحقوا العقوبة لكونها منصوصة وأراد أن لا يسد باب الاجتهاد من العلماء ، وفي تركه- صلى الله عليه وسلم- الإنكار على عمر الإشارة إلى تصويبه وأشار بقوله : «حسبنا كتاب الله» إلى قوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء [الأنعام : 38] ولا يعارض ذلك قول ابن عباس : أن الرزية . . . . . . إلخ ، لأن عمر كان أفقه منه قطعا ، ولا يقال : أن ابن عباس لم يكتف بالقرآن مع أنه حبر القرآن وأعلم الناس بتفسيره ولكنه أسف على ما فاته من البيان وبالتنصيص عليه لكونه أولى من الاستنباط والله تعالى أعلم . . . . . . .

الثاني : في بيان غريب ما سبق :

قولهم : «أهجر» بإثبات همز الاستفهام وفتح الهاء والجيم ، قالوا : ولبعضهم هجرا بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين أي قال هجرا والهجر بضم الهاء وسكون الجيم ، وهو الهذيان الذي يقع من كلام المريض ، الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم فائدته ووقوع ذلك من النبي- صلى الله عليه وسلم- في حقه مستحيل .

وإنما هذا على طريق الاستفهام الذي معناه الإنكار والإبطال- أي أنه- صلى الله عليه وسلم- لا يهجر أي : لم يختلفوا في الأخذ عنه ولم ينكروا عليه الكتاب ، وهو لا يهجر أصلا .

الرزيئة براء مفتوحة فزاي مكسورة فياء فهمز المصيبة .

اللغط : بغين معجمة فطاء مهملة محركا الصوت أو الجلبة ، أو أصوات مبهمة لا تفهم . [ ص: 250 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية