سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب التاسع عشر في ما يؤثر عنه- صلى الله عليه وسلم- من ألفاظه في مرض موته وآخر ما تكلم به

روى البخاري عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : لما ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة- رضي الله تعالى عنها- واكرب أبتاه فقال : «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» ، ورواه الإمام أحمد وابن ماجه بلفظ إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله تبارك وتعالى بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة .

وروى ابن سعد والشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يخير بين الدنيا والآخرة قالت : فأصابت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بحة شديدة في مرضه فسمعته يقول : مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا [النساء : 69] فظننت أنه خير .

وروى الإمام أحمد وابن سعد والشيخان والبيهقي عنها قالت : كان جبريل يعوذ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا مرض «وفي لفظ : كأن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعوذ بهؤلاء الكلمات : «أذهب البأس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، شفاء لا يغادر سقما» ، قالت : فلما ثقل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخذت بيده فجعلت أمسحه بها وأعوذه فنزع يده مني .

زاد ابن سعد «ارفعي عني ، فإنها إنما كانت تنفعني في المرة» .


وعند الحاكم من حديث أنس أن آخر كلمة يتكلم بها : جلال ربي الرفيع .

وروى النسائي والحارث بن أبي أسامة عنها قالت : أغمي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في حجري فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء بهذه الكلمات : «أذهب البأس رب الناس» ففاق فانتزع يده من يدي فقال : «بل اسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل» .

وروى ابن سعد عن جابر بن عبد الله- رضي الله تعالى عنه- أن كعب الأحبار قدم زمن عمر فقال : يا أمير المؤمنين ، ما كان آخر ما تكلم به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : سل عليا فسأله فقال : الصلاة الصلاة فقال كعب : كذلك آخر عهد الأنبياء» .

وروى البلاذري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال : كشف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الستر ، فرأيته معصوبا في مرضه الذي مات فيه ، فقال : اللهم هل بلغت ثلاثا ثم قال : لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح ، أو ترى له . [ ص: 259 ]

وروى الإمام أحمد من طريقين منها ثقات متصل اتصل إسنادهما عن أبي عبيدة- رضي الله تعالى عنه- قال : آخر ما تكلم به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب ، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد .

وروى البخاري والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين يديه ركوة أو علبة وفيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء ، فيمسح بها وجهه ويقول : لا إله إلا الله ، إن للموت لسكرات ، ثم نصب يده اليمنى فجعل يقول : في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده في الماء .

وروى ابن سعد والبيهقي وصححه الذهبي عن جابر - رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبل موته بثلاث يقول : «أحسنوا الظن بالله» .

وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يموت وعنده قدح فيه ماء ، يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول : «اللهم أعني على سكرات الموت» .

وروى الإمام أحمد بسند قال ابن كثير : لا بأس به عنها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «إنه ليهون علي الموت ، إني رأيت بياض كف عائشة في الجنة» ورواه ابن سعد عن الشعبي مرسلا ، وهذا دليل على صحة محبته- عليه الصلاة والسلام- لعائشة .

التالي السابق


الخدمات العلمية