سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع والعشرون في تردد جبريل إليه واستئذان ملك الموت وزيارة إسماعيل صاحب السماء الدنيا له- صلى الله عليه وسلم- وقبض روحه الشريفة وصفة خروجها وصفة الثياب التي قبض فيها

روى ابن سعد والبيهقي عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه معضلا والإمام الشافعي في مسنده ، والطبراني عنه عن جده عن أبي الحسين مرسلا ، ومحمد بن يحيى وبقي بن مخلد عنه عن أبيه عن جده عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب موصولا- ورجاله ثقات- أنه لما كان قبل وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أيام هبط جبريل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال : يا محمد وفي رواية يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك ، ليسألك عما هو أعلم به منك

- وفي حديث أبي هريرة عن ابن الجوزي فقال : إن الله عز وجل يقرئك السلام يقول : كيف تجدك ؟ قال : «أجدني يا جبريل مغموما ، وأجدني يا جبريل مكروبا» [فلما كان اليوم الثاني هبط إليه جبريل فقال : يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك ، يقول لك : كيف تجدك ؟

قال : «أجدني يا جبريل مغموما ؟ وأجدني يا جبريل مكروبا» ] . فلما كان اليوم الثالث هبط جبريل ومعه ملك الموت ، ومعهما ملك آخر يسكن الهواء لم يصعد إلى السماء قط ، ولم يهبط إلى الأرض قط ، يقال له إسماعيل ، على سبعين ألف ملك كل ملك على سبعين ألف ملك ، فسبقهم جبريل فقال : يا محمد إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك ، يسألك عما هو أعلم به منك-
وفي حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- عند ابن الجوزي فقال : يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام [يقول : كيف تجدك ؟ قال : «أجدني يا جبريل مغموما ، وأجدني يا جبريل مكروبا»

وفي حديث أبي الحويرث [ ص: 264 ] عند البيهقي «إن جبريل قال له : إن ربك يقرئك السلام] ويقول لك : إن شئت شفيتك وكفيتك ، وإن شئت توفيتك ، وغفرت لك قال : «ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء» انتهى .

ثم استأذن ملك الموت على الباب فقال جبريل يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ، ولم يستأذن على آدمي كان قبلك ، ولا يستأذن على آدمي بعدك ، قال ائذن له ، فدخل .

وفي حديث ابن عباس عند الطبراني أنه قال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، إن ربك يقرئك السلام ، قال : فبلغني أن ملك الموت لم يسلم على أهل بيت قبله ، ولا يسلم بعده . انتهى .

فوقف بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : إن الله أرسلني إليك ، وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني ، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها يا أحمد ، وإن أمرتني أن أتركها تركتها قال : وتفعل ذلك يا ملك الموت ؟ قال نعم ، بذلك أمرت أن أطيعك في كل ما أمرتني ، فقال جبريل : يا أحمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك . فقال : يا ملك الموت امض لما أمرت به فقال جبريل عليه الصلاة والسلام : عليك يا رسول الله ، هذا آخر موطئ الأرض .

وفي حديث أبي هريرة عند ابن الجوزي وهذا آخر عهدي بالدنيا بعدك ، وهذا آخر عهدك بها ، ولن أستأذن على هالك من بني آدم بعدك ، ولن أهبط إلى الأرض على أحد بعدك أبدا ، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- سكرات الموت .

وفي حديث عائشة عند البخاري وغيره : «فبينما رأسه على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي ، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة ، فخرجت من فيه نقطة باردة فوقعت على ثغري ونحري فاقشعر لها جلدي ، فظننت أنه أغشي عليه ، فسجيته ثوبا .

وفي حديث عائشة عند الطبراني فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمد يده ويقول : «يا جبريل» وهو يقبضها ويبسطها .

وعند ابن عقبة فلم يزل يغمى عليه ساعة ثم يفيق ، ثم يشخص بصره إلى السماء .

وفي حديث أبي الحويرث عند البيهقي أنه قال : ادن مني يا جبريل ، ادن مني يا جبريل .

وفي حديث جعفر بن محمد عن أبيه أنه جعل يقول : «ادن مني يا جبريل ، ادن مني يا جبريل» ثلاثا قالت عائشة : فلقد سمعت ما لم أسمع ادن مني يا جبريل ، وهو يقول : لبيك لبيك .

وفي حديث علي عند محمد بن يحيى بن أبي عمر- برجال ثقات- فقال جبريل : يا [ ص: 265 ] أحمد عليك السلام هذا آخر موطئ الأرض إنما كنت حاجتي من الدنيا .

وفي حديث علي عند أبي نعيم لما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صعد ملك الموت باكيا إلى السماء والذي بعثه بالحق . لقد سمعت صوتا من السماء ينادي وامحمداه . انتهى .

وعند ابن عقبة واشتد برسول الله- صلى الله عليه وسلم- الوجع فأرسلت إلى علي ، وأرسلت حفصة إلى عمر ، وأرسلت كل امرأة إلى خيمها ، فلم يرجعوا حتى توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على صدر عائشة في يومها .

وعند البلاذري عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- رأيت يوما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحمر وجهه ويعرق جبينه ولم أكن رأيت قط ميتا قبله ثم قال : أقعديني فأقعدته فأسندته إلي ووضعت يدي عليه فقلب رأسه فوضعت يدي عنه ووقعت من فيه نقطة على صدري- أو قالت على ترقوتي- فسقط على الفراش فسجيناه بثوب فتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

وفي حديث عائشة عند الإمام أحمد والبزار والبيهقي بسند صحيح قالت : لما خرجت نفسه لم أجد قط ريحا أطيب منها .

وفي حديث لعائشة عند أبي يعلى وأحمد- برجال ثقات- ثم أقبل بوجهه إلي حتى إذا كان فاه في ثغرة نحري سال من فيه نقطة باردة اقشعر منها جلدي ، وثار ريح المسك في وجهي ، ومال رأسه فظننت أنه غشي عليه ، فأخذته فنومته على الفراش وغطيت وجهه .

وفي حديث أم سلمة عند البيهقي قال : وضعت يدي على صدر النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم مات فمر بي جمع ، آكل وأتوضأ ما تذهب ريح المسك من يدي .

وفي حديث ابن عمر عند البلاذري أنه- صلى الله عليه وسلم- لما قبض سجي بثوب ، وقعدنا حوله ، فبكى ، انتهى ، فأتاهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته .

وفي حديث ابن عمر عند البلاذري فرددنا عليه السلام فقال : كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [آل عمران 185] إلى قوله : متاع الغرور انتهى ، إن في الله خلفا من كل هالك ، وعزاء عن كل مصيبة ودركا من كل ما فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا .

وفي حديث ابن عمر عند البلاذري نظركم في النبي ومصيبتكم ، فإن المصاب من حرم الثواب . انتهى .

وفي حديث ابن عمر عند البلاذري فظننا أنه جبريل جاء يعزينا . [ ص: 266 ]

وفي حديث بقي بن مخلد عند الشعبي وعند المدائني فقال علي : هذا الخضر يعزيكم عن نبيكم .

وروى البخاري والطبراني وابن سعد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : قالت فاطمة لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل فنعاه ، يا أبتاه من ربه ما أدناه .

وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي بردة قال : أخرجت لنا عائشة- رضي الله تعالى عنها- كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت : قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذين .

وروى الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحدا . فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت مع النساء أبكي وألتدم .

وروى البزار وأبو الحسن بن الضحاك عنها قالت : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما في مرضه وقد عرق وجهه وجبينه فقال : «أقعديني» فأسندته إلي فوضعت يدي عليه ، فقلب رأسه فرفعت يدي عنه ، فظننت أنه يريد شيئا من رأسي ، فوقعت من فمه نقطة باردة على صدري ، ثم مال فسقط على الفراش فسجيته بثوب ولم أكن رأيت الموت» .

التالي السابق


الخدمات العلمية