سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السادس والعشرون في بيان معنى قوله- صلى الله عليه وسلم- : «حياتي خير لكم وموتي خير لكم»

روى مسلم عن أبي موسى- رضي الله تعالى عنه- عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال : «إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها فجعله فرطا وسلفا بين يديها ، وإذا أراد هلاك أمة عذبها ، ونبيها حي ، فأهلكها وهو ينظر فيقر عينه بهلاكها حيث عذبوه وعصوا أمره . وإنما كان قبض النبي- صلى الله عليه وسلم- خيرا لأمته لأنهم إذا قبضوا قبله انقطعت أعمالهم وإذا أراد الله بهم خيرا جعل خيرهم مستمرا ببقائهم محافظين على ما أمروا به من العبادات وحسن المعاملات ، نسلا بعد نسل ، وعقبا بعد عقب» .

وروى ابن سعد وإسماعيل القاضي- بسند رجاله ثقات- عن بكر بن عبد الله المازني مرسلا قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، فإذا أنا مت كانت وفاتي خير لكم ، تعرض علي أعمالكم ، فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت لكم» .

قال الشيخ : - رحمه الله تعالى- في «فتاويه» : ليس قوله (خيرا ) أفعل تفضيل فإن (خيرا ) لها استعمالان : أحدهما : أن يراد بها معنى التفضيل لا الأفضلية ، وضدها الشر وهي كلمة باقية على أصلها لم يحذف منها شيء .

والثاني : أن يراد بها معنى الأفضلية ، وهي التي توصل بـ «من» وهذه أصلها أخير حذفت همزتها تخفيفا ، ويقابلها شر التي أصلها أشر .

قال في «الصحاح» : الخير ضد الشر قال الشاعر :


فما كنانة في خير بخائرة ولا كنانة في شر بأشرار

وتأنيث هذه خيرة وجمعها : خيرات وهن الفاضلات من كل شيء ، قال تعالى : فيهن خيرات حسان [الرحمن 70] وأولئك لهم الخيرات [التوبة 88] ولم يريدوا بها معنى أفعل فلو أردت معنى التفضيل قلت : فلانة خير الناس ولم تقل : خيرة [وفلان خير الناس ولم تقل أخير] ولا تثنى ولا تجمع ، لأنه في معنى أفعل انتهى كلام الصحاح .

وقال الراغب في «مفردات القرآن» الخير والشر يقالان على وجهين أحدهما : أن يكونا اسمين كقوله تعالى : ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير [آل عمران 104] . [ ص: 272 ]

الثاني : أن يكونا وصفين وتقديرهما تقدير أفعل من نحو : هذا خير من ذاك وأفضل وقوله تعالى : نأت بخير منها [البقرة 106] ويحتمل الاسمية والوصفية معا كقوله تعالى : وأن تصوموا خير لكم [البقرة 184] .

وقال أبو حيان في «البحر» في قوله تعالى : ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير [البقرة 103] ليس «خير» هذا أفعل تفضيل بل هي للتفضيل لا للأفضلية كما في قوله تعالى : أفمن يلقى في النار خير [فصلت 40] و خير مستقرا [الفرقان 24] .

وفي قول حسان :


. . . . . . . . . . . . . . .     فشركما لخيركما الفداء

وإذا عرفت ذلك «فخير» من الحديث من القسم الأول وهي التي يراد بها التفضيل لا الأفضلية ، فلا توصل بـ «من» وليست بمعنى أفعل وإنما المقصود إن في كل من حياته ومماته- صلى الله عليه وسلم- خيرا لا أن هذا خير من هذا ، ولا أن هذا خير من هذا . [ ص: 273 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية